الشارع المغاربي – في ظل تقاعس للسلطة: رؤوس كبرى وراء "بيزنس" التدخين وخسائر بالمليارات في التوريد / محمد الجلالي

في ظل تقاعس للسلطة: رؤوس كبرى وراء “بيزنس” التدخين وخسائر بالمليارات في التوريد / محمد الجلالي

قسم الأخبار

22 أكتوبر، 2022

الشارع المغاربي:تؤكد شهادات متقاطعة ان وراء نقص السجائر بالسوق والارتفاع المشط في أسعارها تحكم “رؤوس كبرى” في “بيزنس” البضائع التي يتم ضخها في السوق وان اصرار سلطة الإشراف على رفض الزيادة في هامش ربح أصحاب رخص التبغ منذ 10 سنوات جعل هذه الفئة الاجتماعية الهشة في مرمى عدد من المتمعشين والمحتكرين.

بعض “القمارقية” لم ينفوا في حديثهم مع “الشارع المغاربي” تعمّدهم فرض زيادات طفيفة في اسعار السجائر مبررين ذلك بضعف مداخيل القطاع مقارنة بالارتفاع الحاصل في كل الخدمات والمواد الاخرى مستغربين من استهدافهم دون غيرهم بالمراقبة والمعاقبة دون عشرات آلاف المحتكرين و”الحماصة” مؤكدين جنوح هؤلاء الى عدم الاقتصار على منافستهم بالبيع غير القانوني وانما باحتكارها والترفيع المشط في أسعارها والتحكم في مصير المئات من أصحاب الرخص. 

في الأثناء بات من شبه المستحيل على بعض الحرفاء العثور على عديد الأنواع من السجائر أو اقتنائها بنفس الأسعار التي تحددها وزارة المالية.

“الشارع المغاربي” فتحت الملف.

زيادات مشطّة

خلال جولة قادتها الى اكثر من عشرين محل لبيع السجائر بتونس العاصمة واريانة وبن عروس ومنوبة لاحظت أسبوعية “الشارع المغاربي” أن أسعار بعض انواع السجائر تشهد ارتفاعا مشطا تجاوز أحيانا 40 % وان اغلب الباعة يبررون ذبك باقتنائها من السوق السوداء.

كما عاينت الصحيفة تعمد أصحاب محلات حاصلة على رخص لبيع التبغ مثلها مثل محلات تعرف بـ “الحماصة” ممنوعة قانونيا من بيع السجائر، التمييز بين الحرفاء وامتناعها عن البيع لهذا والاستجابة لطلب ذاك.

سامي احد الحاصلين على رخصة لبيع التبغ لم ينف في تصريح لـ “الشارع المغاربي” ترفيع بعض زملائه في أسعار السجائر قائلا بصريح العبارة: “نحن تقريبا القطاع الوحيد الذي لم يشهد منذ سنة 2011 ترفيعا في هامش الربح الذي لا يتجاوز 6 %.”

وأضاف “اقتنيت في الاسبوع الفارط سلعة بقيمة 2491 دينار من قباضة قصر السعيد بهامش ربح في حدود 150 دينارا بما يعني ان معدل دخلي الشهري من بيع السجائر لا يتجاوز 600 دينار فهل يكفي ذلك لتسديد ايجار المحل وخلاص الاداءات واعالة اسرتي؟”

المتحدث بيّن ان اغلب “القمارقية” يضطرون الى اضافة زيادة في حدود 300 مليم لثمن علبة السجائر حتى يجابهوا الغلاء اللافت في كل القطاعات لافتا في المقابل الى ان من يُعرفون بـ “الحماصة” هم من يعمدون الى الزيادة بما لا يقل عن دينارين او حتى ثلاثة دنانير في سعر العلبة والى انهم لا يكتفون باحتكار السجائر التي توفرها الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد وانما يجاهرون ببيع انواع شتى من السجائر المهربة.

واستغرب سامي مما وصفها “رقابة المشدد” قال ان سلطة الإشراف تفرضها على اصحاب رخص التبغ مقابل تجاهل تجاوزات “الحماصة” والمحتكرين. 

وقال “خلال السنة الفارطة شن اصحاب رخص التبغ اضرابا عاما طيلة شهر ونصف ورغم ذلك لم يشهد سوق السجائر اي نقص بل كان المنتوج متوفرا بما يؤكد وجود رؤوسا كبرى لا تظهر للعيان ولكنها تحتكر كميات ضخمة لبيعها بسعر وفي وقت تحددهما “.

وتابع “عكس ما يعتقد البعض ينتمي اصحاب رخص التبغ الى فئات اجتماعية هشة بما انهم عادة ما يكونون حاملي اعاقات جسدية او ذهينة او ارامل ومن ذوي الدخل المحدود جدا. وقد تم تمتيعهم بهذه الرخصة الاجتماعية لانتشالهم من الفقر فتدخلت عدة عناصر على الخط ليتدهور حال اصحاب الرخص اكثر وتتخلى الدولة عنهم ويستغلهم بعض المحتكرين والمستكرشين الذين يستأجرون رخصهم مقابل ملاليم”.

وكانت صحيفة “الشارع المغاربي” قد تحولت يوم الجمعة الماضي الى قباضة توزيع التبغ بقصر السعيد وعاينت اوضاعا مزرية لاغلب “القمارقية”. كما عاينت ان من بين المتزودين معوقين قدموا على كراسي متحركة وآخرين على دراجات ثلاثية العجلات وفئة حتمت عليها اعاقتها البصرية الاستعانة باحد الاقارب.

استغلال هشاشة “القمارقية”

 ايهاب عواينية العضو بجمعية المحرومين من حق الشغل التي سبق لها ان شنت تحركات بولاية منوبة لكشف تجاوزات في ملف رخص التبغ اكد بدوره ان عددا من “القمارقية” يلجِؤون بدافع الحاجة الى كراء رخصهم لدخلاء عن القطاع بمبالغ شهرية لا تتجاوز 400 دينار لافتا في المقابل الى ان اصحاب الرخص يضطرون الى اقتناء كميات ضئيلة من السجائر من نفس الدخلاء وبأسعار باهظة حتى لا يغلقوا محلاتهم.

وابرز ايهاب ان المحتكرين عادة ما يفرضون شروطهم على اصحاب الرخص مستغلين اوضاعهم الاجتماعية الهشة والصعبة للاستحواذ على كميات كبيرة من السجائر ثم احتكارها وبيعها خارج المسالك القانونية.

وحمّل سامي من جانبه بعض مسؤولي الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد مسؤولية استشراء ظاهرة الاحتكار قائلا “لاحظنا في اكثر من مرة ان شاحنة ضخمة تغادر الوكالة بعد ان يتم شحنها بالسجائر وانها كانت تزوّد قرابة 40 تاجرا من الرؤوس الكبيرة بكم هائل من التبغ. ولا يخفى على احد ان هؤلاء المنتفعين يستأجرون رخصا خارج القانون بل هم معروفون وقد تمت الاشارة اليهم في قضية مرفوعة في الغرض. في المقابل تبرر الوكالة امر الشاحنة بأنها تحمل البضاعة المعروفة بـ “الذواقة” وبأنها عبارة عن منح عينية توفرها المؤسسة العمومية لاعوانها”.

صاحب رخصة فضّل عدم الكشف عن هويته تساءل بدوره عن مآل الاف علب السجائر المنضوية تحت مسمى “الذواقة” مشيرا الى ان اغلبها يدخل السوق الموازية أو يذهب الى مستودعات المحتكرين.

من جهة أخرى عرّج أحد “القمارقية” على تسلّل عدد من المتقاعدين من الوظيفة العمومية والنافذين الى ملف رخص التبغ داعيا سلطة الإشراف الى التحقق من هوياتهم.

واشار الى ان رخصة التبغ التي قال انها كانت تُمنح لاصحاب الاحتياجات الخصوصية والفئات الهشة لتأمين دخل لهم اصبحت “محل تنازع جهات نافذة وحيتان كبيرة”.

واستشهد المصدر بالقرار السابق القاضي بتمكين اصحاب المساحات التجارية الكبرى من بيع السجائر لافتا الى ان ضغط اصحاب رخص التبغ واستنجادهم برئاسة الجمهورية دفع السلطة الى التراجع عن القرار في اخر لحظة والى ان ذلك لم يتعزز بنص قانوني ما دام الرائد الرسمي لم ينشر اي مرسوم او قانون يمنع البيع بالمغازات الكبرى.

من جهته أفاد سامي ان تنسيقية اصحاب رخص التبغ شنت في منتصف سنة 2021 اضرابا عاما لمنع بيع السجائر بالمغازات الكبرى وللمطالبة بالترفيع في هامش الربح وتمكين “القمارقية” من قروض ميسرة حتى لا يبقوا رهائن لدى من وصفهم بـ “المحتكرين” مبرزا ان سلطة الإشراف اجتمعت بهم في اكثر من مناسبة وانها تحركت بعد ذلك لاقرار زيادة في اسعار السجائر عوض الترفيع في هامش الربح.

وأضاف سامي ان “وكالة التبغ والوقيد كانت تعقد اتفاقات وصفقات مع شركات دولية لتزويدها بمنتجاتها دون اجراء اية دراسة للسوق المحلية” وانها “تفرض على المتزودين انواعا جديدة من التبغ مقابل أسعار باهظة” ملاحظا ان ذلك يكبّد اصحاب الرخص خسائر فادحة بالنظر الى جدة المنتوج وتوفره بأسعار منخفضة جدا في السوق الموازية.

خسائر فادحة

مصدر فضل عدم ذكر اسمه كشف ان الوكالة تواجه صعوبات في خلاص مزودين عالميين وان باخرة على ذمة احدى الشركات تنتظر منذ مدة بأحد الموانىء دفع مستحقاتها قبل تفريغ شحنتها.

وقال ان هذه الشحنة تخص سجائر يابانية معروفة مرجحا ان يكون الطرف الياباني قد اقترح مؤخرا الدخول كشريك في اسهم وكالة التبغ والوقيد بالنظر لحجم الديون المتخلدة بذمة المؤسسة التونسية.

من جهة أخرى حصلت “الشارع المغاربي” على وثيقة تثبت تكبد الوكالة خسائر بمئات الملايين لتغطية أسعار السجائر الاجنبية، اذ يشير تقرير مراجع الحسابات للرقابة الداخلية بالوكالة لسنة 2016 الى ان وكالة التبغ والوقيد سجلت الى حدود موفى 2016 خسائر متراكمة قدرت بـ 185 مليون دينار.

وأرجع الخبير المحاسب الخسائر الى عدم تغطية أسعار السجائر الاجنبية كلفة الشراء مشيرا الى ان رقم معاملات السجائر الاجنبية بلغ 32 % من رقم معاملات الوكالة.

وابرز الخبير المالي ان الخسائر في السجائر الاجنبية تمنع تحقيق التوازن المالي صلب الوكالة.

وكانت أسبوعية “الشارع المغاربي” قد ارسلت الى الوكالة مطلب نفاذ الى المعلومة لاستفسارها عن الدعم المالي السنوي الذي سددته الوكالة بين 2016 و2020 لتغطية الفوارق بين اسعار شراء السجائر الاجنبية وبيعها بالسوق المحلية فكانت اجابة المؤسسة انها “لا تقوم بدعم السجائر الاجنبية وانما تقتنيها من المصنعين الاجانب حسب عقود شراءات بالعملة الصعبة ويقع تسعيرها من قبل سلطة الإشراف (وزارتا الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار) عند البيع عن طريق القباضات المالية ومراكز توزيع مواد الاختصاص.

كما توجهت الصحيفة بمراسلتين الكترونيتين الى وزارة المالية ووكالة التبغ والوقيد لاستفسارهما عن اسباب النقص الحاصل في كميات السجائر والارتفاع المشط في اسعارها ولم تحصل على أية اجابة منهما الى حدود كتابة المقال.

نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 18 اكتوبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING