الشارع المغاربي – في عظمة وثورية إنجازات دولة الاستقلال/ بقلم الأستاذ عبد السلام القلّال

في عظمة وثورية إنجازات دولة الاستقلال/ بقلم الأستاذ عبد السلام القلّال

قسم الرياضة

15 ديسمبر، 2019

الشارع المغاربي: كان خطاب رئيس الجمهوريّة السيّد قيس سعيد، بمناسبة أداء اليمين أمام مجلس الشعب، خطاب قيَم ومبادئ جسّمها جيل الاستقلال ونحن في أمس الحاجة إليها في هذه الظروف العصيبة التي تمرّ بها تونس.نتمنى من الحكومة الجديدة أن تعمل على ضوئها لمواجهة تحدّيات الإصلاح والتنمية التي تنتظرها لإنقاذ تونس ممّا هي عليه من تردّ وتدهور.

غير أنّه غابت عن هذا الخطاب المرجعيّة التاريخيّة لدولة الاستقلال التي تبقى حاضرة في الأذهان والوجدان وتُلقي بظلالها دوما وفي كلّ المناسبات الوطنيّة على كلّ المسؤولين في الحكم حاضرا ومستقبلا.

كم وددت، وأنا من جيل الاستقلال وبناء الدولة أو ممن بقي منه على قيد الحياة، أن يترحّم السيد الرئيس في خطابه على الزعيم الحبيب بورقيبة وصحبه وهم الآباء المؤسسون حتّى نبقي على ذكراهم ولا ننسى المراحل المجيدة والمفصليّة في تاريخ تونس المعاصر.

كما كنت أودّ أيضا ألا يستجيب لرغبة المتنكرين لتاريخهم القديم والحديث والمتمثّلة في حجب صورة الزعيم الحبيب بورقيبة وتمثال القائد حنبعل وعدم ظهورهما بمناسبة اللقاءات الرسميّة.

آلمني أيضا ما شاهدت واستمعت إليه في الحصة التلفزيّة لسماح مفتاح مساء يوم 3 نوفمبر 2019 على قناة حنبعل، وانتابني شعور بالإحباط لما آل إليه شبابنا من جهل مدقع بتاريخ بلاده، وهو ما يدعو إلى الحيرة والتساؤل والجواب يكمن في سياسة التعتيم، التي انتهجها نظام بن علي مدّة ثلاثة وعشرين سنة، على شخصيّة الزعيم بورقيبة ودوره المحوري في تحرير تونس وبناء الدولة العصريّة، وكذلك في تنكر بعض المسؤولين، من الطبقة السياسّية التي جاءت بعد الثورة، لمنجزات ومكتسبات دولة الاستقلال وشيطنة الرئيس بورقيبة بالمغالطات وتزييف الحقائق التاريخيّة وذلك بالاعتماد على خطاب الحقد والكراهيّة.

فعلينا أن نتفهّم، ولا نستغرب من أنّ أغلبيّة الشباب التونسي تجهل تاريخ بلاده وما فعل بها الاستعمار الفرنسي، ومن قاد معركة التحرّر والاستقلال، ومن أصلح المجتمع وبنى الدولة الحديثة، ومن قدّم التضحيات من أجل كلّ ذلك، فالشباب التونسي نشأ وكبر بداية من 7 نوفمبر 1987 خارج التاريخ فهو لم يسمع ببورقيبة ولم يعرفه إلا من خلال خطاب الحقد والكراهية، وهذا يفسّر ما أنتجت الحصّة التلفزيّة بقناة حنّبعل.

فإن أردنا المحافظة على رموزنا، فلابدّ من تشجيع الشباب على القراءة والمطالعة وإيجاد برامج تربويّة وإذاعية وتلفزيّة، تساعد على مصالحته مع تاريخ بلاده حتّى لا ننسى ولا نتنكّر.

عاش جيلنا جيل الاستقلال في مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي ثورة أسقطت النظام الاستعماري وبنت على أنقاضه دولة عصريّة سخّرت كلّ إمكاناتها لخدمة الشعب والنهوض به، هذه الثورة التّي عاشتها تونس في تلك المرحلة من تاريخها، كُتب حولها الكثير ومازالت تلهم حاضرا ومستقبلا العديد من الأقلام لسبر أغوارها، وهي في نظري أهمّ ثورة عرفتها تونس في تاريخها من أجل تحرير البلاد من ربقة الاستعمار وبناء الدولة الوطنيّة.

بعـــد مـــدّة وجيـــزة مــن تكويــن حكومــة الاستقلال فــي شهـر أفريـل 1956 وفي الثلاث سنـــوات الأولى من حكمـــها، وضعـــــت الدولــة الفتيّــة أسس المجتمع الجديد بقوّة القانون والخطاب، فحرّرت المرأة بإصدار مجلة الأحوال الشخصيّة، ووحّدت القضاء، وحلّت الأحباس الخاصّة والعامّة، واستصلحت الأراضي الزراعيّة في عدّة جهات، وبعثت دواوين الإحياء والاستثمار، وتونست الإدارة والمؤسّسات الاقتصاديّة، وأعادت تنظيم الإدارة الجهويّة وبعثت سلك الولاة، ووحدت التعليم وعصّرته وجعلته إجباريّا ومجانيّا وخصّصت له ثلث الميزانيّة وأحدثت المدارس والمعاهد والجامعات، ووفّرت وسائل المعالجة الصحيّة للجميع ببناء المستوصفات والمستشفيات، وأنشأت الحرس الوطني، وبعثت الجيش الوطني، وأعادت هيكلة الديوانة وتونستها، وأنشأت البنك المركزي وتونست العُملة بتعويض الفرنك بالدينار، وتونست البنوك التجاريّة، وفتحت السفارات، وأطاحت بالنظام الملكي وصادقت على دستور جديد وأقامت النظام الجمهوري والقائمة تطول.

كما بادرت حكومة الرئيس الحبيب بورقيبة بعد بضعة أيّام من الإعلان عن الاستقلال باتخاذ قرارات جريئة لفائدة الطبقة الضعيفة من المجتمع التونسي، كإصدار قانون العملة الفلاحيين، وتحديد عدد ساعات العمل لليوم الفلاحي بتسع ساعات بعدما كان بلا حدود، وتحديد الأجر اليومي الأدنى ليصبح ضعف ما كان عليه، وتمتيع العامل بحقّ منح الساعات الزائدة، وفرضت على المؤجّر الإعلام المسبق بالطرد وحدّدته بأسبوع مـــــن تاريخ الإعلام، كما أصـــدرت قانون الضمــان الاجتماعي وقانون لجان المصانع كأداة تخوّل للعامل المساهمة في تسيير المؤسّسة.

وواصلت حكومة الاستقلال في الستّينــــات رغم محدوديـــــة الإمكانات مجهوداتـــــها بإعـــــــــــــــــداد دراسات ومخطّطات في نطاق منوال للتنمية عرف تحت مصطلح ” الاشتراكيّة الدستوريّة”[1]، فأنشأت المصانع في مختلف جهات الجمهوريّة، وبعثت القطاع السياحي، وطوّرت طرق استغلال الأراضي الفلاحيّة، وركّزت وحدات الإنتاج الفلاحي على الأراضي المسترجعة من المعمّرين بتمويل من البنك الدولي، واستثمرت في البنية التحتيّة بمد الطرقات، وبناء الجسور، والسدود، والموانئ، والقرى الريفيّة، والجوامع، وتعصير المدن، وتهذيب النسل، ومقاومة العروشيّة، فكانت مرحلة الخمسينات والستينات مرحلة الإصلاح والاستثمار من أجل بناء تونس المستقبل والتقشّف والحرمان من أجل ضمان ازدهارها ومناعتها.

عاش الشعب التونسي في تلك المرحلة ثورة بحقّ وفي العمق على الأوضاع الفاسدة، والعقليات البالية، من أجل التغيير والإصلاح والتنمية، والبعث من جديد شعبا موحّدا متضامنا، سيّدا في وطنه ومتحرّرا من القيود التّي كبّلته سنين الانحطاط وهيمنة المستعمر، إنّها ثورة لها قيادة وقاعدة شعبيّة ومشروع مجتمعي، آليتها قوّة القانون والخطاب.

من المؤسف أن ذاكرة المواطن التونسي قصيرة، بالنّسبة لمن ضحّى من أجله، ليعيش حرّا كريما وسيّدا في بلده، فكلّ شعوب الدنيا تكرّم زعماءها وتحفظ صورهم وتحيي ذكراهم من باب الاعتراف بالجميل لما قدّموا من تضحيات، وما أنجزوا لفائدة بلدانهم وشعوبهم، رغم أخطائهم وعدم التوفيق في البعض من اختياراتهم.

إنّ حزب العدالة والتنمية الاسلامي بتركيا لم يجرؤ على المسّ من رمزيّة “مصطفى كمال أتاتورك” ” أب تركيا الحديثة” وصانعها، رغم أنه قطع بالسيف علاقة الدولة بالدين، وكذلك الشأن بالنّسبة للعديد من الزّعماء (رغم الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها بعضهم)، أمثال لينين، ماوتسيتونغ، غاندي، نلسن مانديلا، سنغور، تشرشل، ديغول، هوشي منه، هؤلاء جميعا بقيت ذكراهم حيّة لدى شعوبهم ومحل احترام وتبجيل من كل المسؤولين السياسيين المتعاقبين على الحكم مهما كانت توجّهاتهم ومشاربهم.

الزّعيم الحبيب بورقيبة رغم أخطائه والعصمة لله هو من زمرة هؤلاء الذين صنعوا الأحداث وأثّروا في مجرى التاريخ، وهم الزّعماء الذين قادوا شعوبهم في مرحلة من تاريخ بلادهم نحو التحرير والسيادة والبناء، ممّا يفرض احترامهم والحفاظ على رمزيّتهم وذكراهم، وهذا ما كان على الشعب التونسي وعلى كلّ مسؤول سياسي أن يعيه.

وأحسن ما أختم به، هي الكلمة المأثورة للمفكّر والشاعر الفرنسي أصيل المارتينيك ” إيمي سيزار” ” Aimé Césaire” :

” الشعب بدون ذاكرة لا مستقبل له “

[1] راجع كتابي ” الحلم والمنعرج الخطأ ” الصادر عن دار الجنوب للنشر


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING