الشارع المغاربي – في‭ ‬غياب‭ ‬خطة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأمن‭ ‬الاقتصادي: وسائل اعلام خاصة ومؤسسات سيادية تحوّلت الى ابواق دعاية لصالح الاتحاد الاوروبي

في‭ ‬غياب‭ ‬خطة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأمن‭ ‬الاقتصادي: وسائل اعلام خاصة ومؤسسات سيادية تحوّلت الى ابواق دعاية لصالح الاتحاد الاوروبي

قسم الأخبار

22 مارس، 2023

الشارع المغاربي: تعبر‭ “‬المصالح‭ ‬العليا‭ ‬الوطنية‭” ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬الأساسية‭ ‬لضمان‭ ‬وحدة‭ ‬واستمرارية‭ ‬الدولة‭. ‬والمقصود‭ ‬بهذا‭ ‬المصطلح‭ ‬في‭ ‬بعده‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬هو‭ “‬تكريس‭ ‬استقلال‭ ‬البلاد‭ ‬وسلامة‭ ‬أراضيها‭ ‬وأمنها،‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬مؤسساتها‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬خيار‭ ‬شعبها،‭ ‬وتوفير‭ ‬وسائل‭ ‬دفاعها‭ ‬وديبلوماسيتها‭ ‬وحماية‭ ‬مواطنيها‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭ ‬وخارجها‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬توازناتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬والبيئية‭. ‬كما‭ ‬يشمل‭ ‬ضرورة‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬العناصر‭ ‬الأساسية‭ ‬لإمكاناتها‭ ‬العلمية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬وتراثها‭ ‬الثقافي‭”.‬

وقد‭ ‬فُوّضت‭ ‬إلى‭ ‬مصالح‭ ‬الاستعلامات‭ ‬الوطنية‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬العليا‭ ‬للوطن‭ ‬وفي‭ ‬استراتيجية‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ “‬تشخيص‭ ‬وتحديد‭ ‬جميع‭ ‬التهديدات‭ ‬والمخاطر‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الأمة‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بحماية‭ ‬السكان،‭ ‬وسلامة‭ ‬التراب‭ ‬الوطني‭ ‬وتحديد‭ ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬العامة‭ ‬أن‭ ‬توفرها‭ ‬لمجابهة‭ ‬التهديدات‭”.‬

زيادة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم‭ ‬الجوهرية‭ ‬وتفاعلا‭ ‬مع‭ ‬المستجدات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬التكنولوجيات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الاتصالات‭ ‬والمعلومات‭ ‬والرقمنة‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬بروز‭ ‬ظاهرة‭ ‬العولمة‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬شهد‭ ‬العالم‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المتطورة‭ ‬تحرك‭ ‬هام‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬حماية‭ “‬الأمن‭ ‬الاقتصادي‭” ‬الذي‭ ‬يتجسم‭ ‬عبر‭ ‬خطة‭ ‬سياسية‭ ‬للدولة‭ ‬هدفها‭ ‬حماية‭ ‬وتعزيز‭ ‬المصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للوطن‭.”‬

وقد‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬سباقة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الميدان‭ ‬حيث‭ ‬شرعت‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين‭ ‬في‭ ‬تحصين‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬اقتصادها‭ ‬الداخلي‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬داعي‭ ‬للعولمة‭ ‬ولتشجيع‭ ‬حرية‭ ‬تنقل‭ ‬البضائع‭ ‬ورؤوس‭ ‬الأموال‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حلال‭ ‬لها‭ ‬يصبح‭ ‬حرام‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بأمنها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الداخلي‭.‬‭ ‬لذلك‭ ‬رسمت‭ ‬حدود‭ ‬لكل‭ ‬استثمار‭ ‬خارجي‭ ‬داخل‭ ‬التراب‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬صنفتها‭ ‬استراتيجية‭ ‬وهي‭ ‬الطاقة‭ ‬والمالية‭ ‬والنقل‭ ‬البحري‭ ‬والجوي‭ ‬والبري‭ ‬وقطاع‭ ‬التكنولوجيات‭ ‬المتقدمة‭. ‬

وقد‭ ‬نسجت‭ ‬على‭ ‬منوالها‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬بريطانيا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وفرنسا‭. ‬حيث‭ ‬صدرت‭ ‬دراسة‭ ‬عن‭ ‬جمعية‭ ‬قدماء‭ ‬مدرسة‭ ‬الحرب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ “‬Association des Anciens de l’Ecole de Guerre Economique‭ ”  ( (‬https‭://‬www.ege.fr/infoguerre/2014/05‭/‬france-etats-unis-allemagne-face-aux-investissements-etrangers

تحت‭ ‬عنوان‭ “‬فرنسا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وألمانيا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭”. ‬وجاء‭ ‬فيها‭ ‬بالخصوص‭ ‬أنه‭ “‬منذ‭ ‬الثمانينات‭ ‬برز‭ ‬توافق‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬أنه‭ ‬بالنظر‭ ‬لمستوى‭ ‬النمو‭ ‬والابتكار‭ ‬يعتبر‭ ‬خيار‭ ‬الليبرالية‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬الحماية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التوافق‭ ‬المصرح‭ ‬به‭ ‬تلقائيا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬المجمل‭ ‬مبدأ‭ ‬إجباريا‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬عديد‭ ‬الدول‭ )‬الكبرى‭ ‬طبعا‭ .( ‬بحيث‭ ‬تحافظ‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬قراراتها‭ ‬السيادية‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬الترخيص‭ ‬للاستثمارات‭ ‬الخارجية‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬داخل‭ ‬بلدانها‭ ‬وفي‭ ‬فضائها‭ ‬الاقتصادي‭.” ‬حيث‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬سياسة‭ ‬حمائية‭ ‬وتعززت‭ ‬بين‭ ‬سنة‭ ‬1999‭ ‬وسنة‭ ‬2008‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬عملية‭ ‬تحرير‭ ‬الأسواق‭ ‬تتفاقم‭ ‬في‭ ‬العالم‭      ‬

للتذكير‭ ‬فإن‭ ‬المساهمات‭ ‬الخارجية‭ ‬تتم‭ ‬عبر‭ ‬الصناديق‭ ‬السيادية‭ ‬أو‭ ‬العرض‭ ‬العمومي‭ ‬للشراء‭ (‬OPA‭). ‬وهي‭ ‬عمليات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬نفوذ‭ ‬مؤسسات‭ ‬الطرف‭ ‬المستثمر‭ ‬شركات‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬او‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬وتثبيت‭ ‬مواقعها‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬معين‭ ‬مما‭ ‬لهذا‭ ‬التثبيت‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬على‭ ‬التشغيل‭ ‬ومن‭ ‬تحسين‭ ‬قدرة‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬المزودين‭ ‬ومع‭ ‬الحرفاء‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭ ‬بمعنى‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬السوق‭. ‬لذلك‭ ‬يتبين‭ ‬أن‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬القطاعات‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ (‬وهو‭ ‬مخالف‭ ‬لحرية‭ ‬السوق‭) ‬يعتبر‭ ‬هدفا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬والتكتلات‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭. ‬

وقد‭ ‬قدمت‭ ‬الدراسة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬في‭ ‬الثلاثة‭ ‬بلدان‭ ‬المذكورة‭ ‬منها‭ ‬مثلا‭ ‬رفض‭ ‬عرض‭ ‬مؤسسة‭ “‬مواني‭ ‬دبي‭” ‬للمساهة‭ ‬والتصرف‭ ‬في‭ ‬المواني‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ميناء‭ ‬نيويورك‭.  ‬والردود‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬إليها‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬سنة‭ ‬2005‭ ‬عندما‭ ‬عارضت‭ ‬تحويل‭ ‬شركة‭ “‬دانون‭” ‬صاحبة‭ ‬المرتبة‭ ‬الاولى‭ ‬عالميا‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الحليب‭ ‬ومشتقاته‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬مجموعة‭ “‬ببيبسي‭” ‬الامريكية‭.  ‬

طبعا‭ ‬هذه‭ ‬التجاذبات‭ ‬لقت‭ ‬تضارب‭ ‬مصالح‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬البلدان‭ ‬المعنية‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬لوبيات‭ ‬مناصرة‭ ‬للعولمة‭ ‬تساندها‭ ‬أطراف‭ ‬سياسية‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬ترشيح‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يشتغل‭ ‬في‭ ‬بنك‭ ‬روتشيلد‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬التفويت‭ ‬في‭ ‬شركة‭ “‬ألستوم‭ ‬للطاقة‭” “‬Alstom Energie‭” ‬إحدى‭ ‬أهم‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ “‬جينيرال‭ ‬إلكتريك‭” “‬General Electric‭ ” ‬الأمريكية‭. ‬

الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الصناعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬أصبح‭ ‬محور‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬السيادية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭- ‬19

منذ‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬سنة‭ ‬2008‭ ‬والتي‭ ‬كادت‭ ‬تؤدي‭ ‬بانهيار‭ ‬المنظومة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬إثر‭ ‬انهيار‭ ‬بنك‭ “‬ليمان‭ ‬براذرز‭” ‬العملاق‭. ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬بالحكومة‭ ‬الأمريكية (معبد‭ ‬الليبرالية)‭ ‬للتدخل‭ ‬بأموال‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬لإنقاذ‭ ‬هذا‭ ‬البنك‭ ‬الخاص؟‭  ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬تداعيات‭ ‬هذه‭ ‬الازمة‭ ‬دفعت‭ ‬إلى‭ ‬بروز‭ ‬حركات‭ ‬سياسية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬الأسواق‭ ‬الداخلية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬التوازنات‭ ‬المالية‭ ‬الخارجية‭ ‬وعلى‭ ‬مواطن‭ ‬الشغل‭. ‬وقد‭ ‬تجسد‭ ‬بعد‭ ‬وصول‭ “‬رونالد‭ ‬ترامب‭” ‬إلى‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2016‭ ‬حيث‭ ‬بدأ‭ ‬حكمه‭ ‬باتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬حمائية‭ ‬صارمة ‭)‬قطاع‭ ‬الحديد‭ ‬والصلب‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬صناعة‭ ‬السيارات‭ ‬الذي‭ ‬منحه‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الحماية‭ ‬ليسترجع‭ ‬قدرته‭ ‬التنافسية) ضد‭ ‬من‭ ‬اعتبرهم‭ ‬أعدائه‭ )‬الصين) ‬وضد‭ ‬أصدقائه‭ ‬أيضا‭ )‬البلدان‭ ‬الأوروبية ).

هذا‭ ‬التحول‭ ‬تعمق‭ ‬إثر‭ ‬اندلاع‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭ ‬بداية‭ ‬سنة‭ ‬2020‭ ‬حيث‭ ‬تجلت‭ ‬بالكاشف‭ ‬خطورة‭ ‬العولمة‭ ‬والمناولة‭ ‬الخارجية‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والصحي‭ ‬للشعوب‭. ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المنتج‭ ‬وخاصة‭ ‬منه‭ ‬الصناعي‭ ‬داخل‭ ‬البلدان‭ ‬المتطورة‭. ‬حيث‭ ‬تعطلت‭ ‬سلسلة‭ ‬الإنتاج‭ ‬وأصبحت‭ ‬تهدد‭ ‬صناعة‭ ‬السيارات‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬وفي‭ ‬فرنسا‭ ‬وكذلك‭ ‬قطاع‭ ‬صناعة‭ ‬الأدوية‭ ‬حيث‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ “‬المكونات‭ ‬النشطة‭” ‬وهي‭ ‬الأساسية‭ ‬أصبحت‭ ‬تُستورد‭ ‬بنسبة‭ %‬80‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬السلامة‭ ‬الصحية‭ ‬الوطنية‭. ‬وقد‭ ‬سارعت‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬باتخاذ‭ ‬تشريعات‭ ‬سريعة‭ ‬وفعالة‭ ‬لإعادة‭ ‬تركيز‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصناعية‭ ‬الوطنية‭ ‬داخل‭ ‬بلدانها‭ ‬عبر‭ ‬تشجيعات‭ ‬مالية‭ ‬وجبائية‭ ‬هامة‭. ‬

اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الأطلسية‭-‬الروسية‭ ‬أعلنت‭ ‬نهاية‭ ‬العولمة‭ ‬بمفهومها‭ ‬الغربي‭ ‬الأحادي

وقد‭ ‬تداولت‭ ‬الاحداث‭ ‬بسرعة‭ ‬إثر‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الأطلسية‭-‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وتصاعد‭ ‬حدة‭ ‬المواجهة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصينية‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬نهاية‭ ‬العولمة‭ ‬بمفهومها‭ ‬الغربي‭ ‬الأحادي‭ ‬الذي‭ ‬أضر‭ ‬بالدول‭ ‬النامية‭ ‬مثل‭ ‬تونس‭.‬

في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬سارعت‭ ‬البلدان‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬أساليب‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬امنها‭ ‬الاقتصادي‭. ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬قامت‭ ‬السلطات‭” ‬الإشراف‭ ‬والتدخل‭ ‬لحماية‭ ‬الأصول‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬الخارجية‭”.‬

‭ ” ‬Le Service de l’information stratégique et de la sécurité économiques‭ ‬–Sisse‭ “‬

‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬الهام‭ ‬حول‭ ‬التغيرات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬واجبنا‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭ ‬أين‭ ‬الخطة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأمن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لتونس‭ ‬ولشعبها؟‭  ‬

في‭ ‬تونس‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬خاصة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬سيادية‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬أبواق‭ ‬دعاية‭ ‬لصالح‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬فيه‭ ‬البلدان‭ ‬الغربية‭ ‬لحماية‭ ‬الأصول‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لاقتصادها‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬الخارجية‭ ‬وفي‭ ‬غياب‭ ‬تام‭ ‬لخطة‭ ‬استراتيجية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأمن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الوطني،‭ ‬تحولت‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬خاصة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬سيادية‭ ‬إلى‭ ‬أبواق‭ ‬دعاية‭ ‬لصالح‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وتمعن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بكل‭ ‬استخفاف‭ ‬بالشعب‭ ‬التونسي‭ ‬وفي‭ ‬خرق‭ ‬للقوانين‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحماية‭ ‬الامن‭ ‬القومي‭ ‬الوطني‭. ‬

حول‭ ‬حيثيات‭ ‬هذا‭ ‬التصرف‭ ‬إعلاميا‭ ‬نُذكّر‭ ‬أننا‭ ‬نشرنا‭ ‬مقالا‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬أسبوعية‭ ‬الشارع‭ ‬المغاربي‭ ‬عدد‭ ‬330‭ ‬بتاريخ‭ ‬11‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‭”‬الرد‭ ‬على‭ ‬تدخل‭ ‬السفير‭ ‬الفرنسي‭ ‬عبر‭ ‬إذاعة‭ ‬خاصة‭ )‬إذاعة‭ ‬موزاييك‭ ‬ف‭ ‬م‭ ( ‬حول‭ ‬التجارة‭ ‬الخارجية‭: ‬كفى‭ ‬مغالطات‭ ‬وتدليسا‭ ‬مفضوحا‭ ‬للمؤشرات‭ ‬الاقتصادية‭. ‬

‭ ‬وقد‭ ‬تعرضنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬لما‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬السفير‭ ‬الفرنسي‭ ‬وبتهليل‭ ‬من‭ ‬منشط‭ ‬الإذاعة‭ ‬بأن‭ ‬تونس‭ ‬لديها‭ ‬فائضا‭ ‬تجاريا‭ ‬في‭ ‬مبادلاتها‭ ‬التجارية‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬وذلك‭ ‬باحتساب‭ ‬مبادلات‭ ‬الشركات‭ ‬غير‭ ‬المقيمة‭ ‬والمصدرة‭ ‬كليا‭. ‬وهو‭ ‬احتساب‭ ‬مخالف‭ ‬للطريقة‭ ‬المعتمدة‭ ‬دوليا‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2010‭.  ‬وهو‭ ‬إذا‭ ‬تصريح‭ ‬عار‭ ‬عن‭ ‬الصحة‭ ‬يفنده‭ ‬قانون‭ ‬الصرف‭ ‬للبنك‭ ‬المركزي‭ ‬الذي‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬أن‭ “‬الشركات‭ ‬غير‭ ‬المقيمة‭ ‬والمصدرة‭ ‬كليا‭ ‬غير‭ ‬ملزمة‭ ‬باسترجاع‭ ‬مداخيل‭ ‬التصدير‭” ‬خلافا‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬به‭ ‬العمل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للشركات‭ ‬المقيمة‭”. ‬كما‭ ‬يفنده‭ ‬المعهد‭ ‬الفرنسي‭ ‬للإحصائيات‭ ‬والدراسات‭ ‬الاقتصادية‭ (‬INSEE‭) ‬بصريح‭ ‬النص‭.  ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الإذاعة‭ ‬المعنية‭ ‬لم‭ ‬ترد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬قدح‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المغالطات‭ ‬بالدليل‭ ‬والحجة‭ ‬والتزمت‭ ‬بالصمت‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬ضيفها؟

وحول‭ ‬نفس‭ ‬الموضوع‭ ‬وبالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬نص‭ ‬البيان‭ ‬الذي‭ ‬اصدره‭ ‬البرلمان‭ ‬الاوروبي‭ ‬يوم‭ ‬16‭ ‬مارس‭ ‬2023‭ ‬حول‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وبقطع‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬السياسي‭ ‬منه،‭ ‬يتبين‭ ‬أن‭ ‬البيان‭ ‬اقتصر‭ ‬في‭ ‬صدارته‭ ‬على‭ “‬مطالبة‭ ‬السلطات‭ ‬التونسية‭ ‬بإطلاق‭ ‬السراح‭ ‬الفوري‭ ‬لنورالدين‭ ‬بوتار‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬أكبر‭ ‬إذاعة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ …” ‬بدون‭ ‬ذكر‭ ‬غيره‭. ‬ونحن‭ ‬نتمنى‭ ‬له‭ ‬ولغيره‭ ‬ذلك‭.‬

والغريب‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الموالي‭ ‬بادرت‭ ‬إذاعة‭ “‬موزاييك‭ ‬ف‭ ‬م‭ ” ‬في‭ ‬حصة‭ ‬ميدي‭ ‬شو‭” ‬بتقديم‭ ‬تعليق‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬المبادلات‭ ‬التجارية‭ ‬للشهرين‭ ‬الأوليين‭ ‬لسنة‭) ‬2023‭ (‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬منذ‭ ‬تاريخ‭ ‬10‭ ‬مارس‭( ‬ على‭ ‬لسان‭ ‬منشط‭ ‬الحصة‭ ‬زياد‭ ‬كريشان‭ ‬مهللا‭ ‬بتحقيق‭ ‬فائضا‭ ‬تجاريا‭ ‬لفائدة‭ ‬تونس‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تفاقم‭ ‬فيه‭ ‬العجز‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬5‭,‬47‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬نصفه‭ ‬تقريبا‭ ‬متأت‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬وهو‭ ‬موضوع‭ ‬يعلم‭ ‬منشط‭ ‬الحصة‭ ‬أنه‭ ‬ثابت‭ ‬بثبوت‭ ‬وجود‭ ‬الرقم‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬إحصائيات‭ ‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للإحصاء‭ ‬ويعتمد‭ ‬تجاهله‭ ‬والحال‭ ‬أنه‭ ‬مطالب‭ ‬بكشف‭ ‬الحقائق‭ ‬بمقتضى‭ ‬مهنته‭ ‬ودوره‭ ‬الإعلامي‭ ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬مسؤوليته‭ ‬ومسؤولية‭ ‬الإذاعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭.  ‬

كذلك‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬للبنك‭ ‬المركزي‭ ‬الذي‭ ‬يمعن‭ ‬في‭ ‬التستر‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬نتائج‭ ‬التجارة‭ ‬الخارجية‭ ‬وهي‭ ‬حقيقة‭ ‬كارثية‭ ‬دفعت‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬مديونية‭ ‬خارجية‭ ‬فادحة‭ ‬نتيجة‭ ‬التوريد‭ ‬الفوضوي‭. ‬وقانون‭ ‬الصرف‭ ‬صريح‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭. ‬وكذلك‭ ‬تقارير‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬تؤكد‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬أن‭” ‬المبادلات‭ ‬التجارية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬غير‭ ‬المقيم‭ ‬لا‭ ‬تسترجع‭ ‬مداخيلها‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬التونسية‭ ‬بحكم‭ ‬أن‭ ‬ملكيتها‭ ‬غير‭ ‬مقيمة‭ ‬وأنها‭ ‬بذلك‭ ‬لا‭ ‬تعزز‭ ‬رصيد‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬الأجنبية‭”. ‬وقد‭ ‬طالب‭ ‬تقرير‭ ‬البنك‭ ‬حول‭ ‬التجارة‭ ‬لسنة‭ ‬2016‭ ‬بضرورة‭ ‬تغيير‭ ‬المنوال‭ ‬التنموي‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬تشجيع‭ ‬المؤسسات‭ ‬المقيمة‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬رصيد‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬الأجنبية‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬تعزز‭ ‬خلق‭ ‬الثروة‭ ‬والقيمة‭ ‬المضافة‭”. ‬لا‭ ‬ندري‭ ‬هل‭ ‬اطلع‭ ‬عليه‭ ‬محافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الحالي؟‭  ‬

خطير‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬مغالطات‭ ‬ومن‭ ‬تستر‭ ‬حول‭ ‬المؤشرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬وإلى‭ ‬دفع‭ ‬البلاد‭ ‬نحو‭ ‬إفلاس‭ ‬غير‭ ‬معلن‭ ‬وإلى‭ ‬ابتزاز‭ ‬البلاد‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭. ‬أين‭ ‬دور‭ ‬مصالح‭ ‬الاستعلامات‭ ‬الوطنية‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬العليا‭ ‬للوطن‭ ‬وفي‭ ‬استراتيجية‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬كشف‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يتورط‭ ‬في‭ ‬التستر‭ ‬وفي‭ ‬الدعاية‭ ‬لصالح‭ ‬دول‭ ‬اجنبية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مصالح‭ ‬الوطن‭ ‬العليا؟‭ 

  ‬* نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 21 مارس 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING