الشارع المغاربي – قسم الرياضة: على غفلة من الجميع ودون سابق إشعار أعلنت الجامعة التونسية لكرة القدم في بلاغ رسمي لها عن انطلاق المدرّب الوطني الجديد لمنتخب الأًصاغر «2003» في مباشرة مهامه رسميا على رأس المقاليد الفنّية حيث كشفت الجامعة في بلاغها المقتضب عن برنامج تحضيرات المنتخب خلال الفترة القادمة والشروع في اختيار العناصر التي ستؤثّث تركيبة هذا الجيل الصاعد والواعد والذي يعتبر النواة الأولى لتشكيل المنتخب الأوّل في السنوات القادمة.
المهمّ في كلّ هذا وبعيدا عن برنامج التحضيرات والتربصات وقائمة اللاعبين المدعوين وبعيدا عن الخوض في التفاصيل وفي بعض الجوانب الفنية التي لا تسمن ولا تغني من جوع على الأٌقلّ في الوقت الراهن فإنّ الأمر الملفت للانتباه حقا في هذا الموضوع هو بلا أدنى شكّ يتعلّق باسم الناخب الوطني الجديد الذي تمّ تعيينه في هذه المهمّة وبهذا التكليف الذي يلامس في رمزيته سقف التشريف… الحديث هنا يخصّ قيدوم المدرّبين وشيخهم المبجّل يوسف الزواوي الذي وجد نفسه وبقدرة قادر وبعد بطالة فنية إجبارية بحكم تقدّم مداركه الفنية والعقلية في السنّ على بنك المنتخب من جديد…
يوسف الزواوي الذي بلغ من العمر عتيا ويحتفل هذا العام بمرور 75 سنة على «تأسيسه» سيكون هو المدرّب الجديد لمنتخب الأصاغر وسيكون ربّان هذه السفينة التي بالكاد بدأت تغادر ميناء الطفولة باتجاه شاطئ «الرجولة»… وقد اختارت الجامعة مكافأته على سنوات السمع والطاعة بتكليفه بهذه الخطّة وهو على مشارف سنّ اليأس الكروي بمأمورية جديدة جاءت هذه المرّة على شاكلة فسحة تقاعد.
قد يكون تفكير الجامعة في تنصيب كفاءة فنيّة قديرة وصاحبة تجارب تدريبية كبيرة على رأس هذا الجيل الفتيّ أمرا صائبا باعتبار أن هذه الفئات السنّية تستحق قيادة حكيمة ورصينة وتستحق مدرّبا كبيرا وبمواصفات خاصة بعد أن أثبتت التجارب السابقة أنّ الاستنجاد بمدربي الصفّ الثاني لم يعط ثماره بدليل النتائج التي تحققت كما أنه من الصواب الاعتقاد بأنّ بناء هذا الجيل على أسس فنيّة وأكاديمية صحيحة ضمانة كافية لميلاد منتخب عتيد في السنوات القادمة يكون قوامه وعتاده من عناوين هذا الجيل الذي ننتظر منه الكثير… ولكن المدرّب الكبير في المفهوم الفنّي والأكاديمي لا يعني بالضرورة التقدّم في السنّ وتعدّد التجارب والانجازات وهو الخلط الذي وقعت فيه الجامعة أو ربّما التعلّة التي اعتمدتها لتمرير قرار التنصيب الغريب…
التفكير في يوسف الزواوي بعد كل هذه السنوات دونا عن غيره ليس جريمة تسأل عنها الجامعة فالرجل يعتبر من العناوين الرئيسية في كرة القدم التونسية ولكن المنطق كان يفترض التفكير هذه المرّة على الأقلّ في أسماء أخرى بعيدة كلّ البعد عن عالم الزواوي الذي لم يعد العيش فيه ممكنا ومتاحا فالرجل ورغم أننا لا نشك لحظة في إمكاناته وكفاءته لم يعد الاسم المناسب للمكان المناسب لعدّة اعتبارات أوّلها أنه في قطيعة كليّة مع الجيل الحالي وطقوسه التدريبية لا تتناسب مع طاقات وإمكانات مواهب في عمر أحفاده وهو ثانيا بلغة السنّ وبقانون الطبيعة بات غير متاح ذهنيا وبدنيا وخارج نطاق الخدمة وثالثا وهذا الأهمّ فهو ناخب وطني متعاقد مع عناوين الفشل بامتياز ومروره السابق على رأس المنتخب يكفي مؤونة التعليق وحتى تكليفه بحقيبة الادارة الفنية صلب الجامعة لم يؤت أكله بما أنه كان مجرّد ديكور وفي كثير من الأحيان شاهد زور… ومن يعرف يوسف الزواوي جيّدا يعرف أكثر من غيره أنّ الرجل ليس صاحب مواقف صاخبة ولا صاحب قرارات حاسمة ولم نسمع له صوتا عاليا الاّ عند مراسم التقييم و»التفيلم» حينها فقط يستعيد «البابا» عنوانه ويطلق لسانه وعنانه لجلد المغضوب عليهم من الفارين من جحيم الجامعة والمنتخب والجميع يتذكّر مروره الباهت بالإدارة الفنية للجامعة وما حصل قبلها خلال كاستينغ اختيار المدرّب الوطني عندما كان القرار يتأرجح بين نبيل معلول وخالد بن يحيى.
الخوض في مسيرة يوسف الزواوي التدريبية ليس استنقاصا من قيمة الرجل الفنيّة ولا تهكّما على ثراء محطاته الرياضية ولكن الرجل وهو في هذا السنّ المتقدّمة جدّا جدّا استهلك نفسه ونفذ رصيده ولم يعد رجل المرحلة وكان لزاما على جامعة الجريء تكريمه بطريقة أخرى من خلال تنصيبه في خطّة أخرى بعيدة كلّ البعد عن الميادين وعن بنك المنتخبات الوطنية خاصة الفتيّة منها التي تستحقّ اسما يكون قادرا على احتوائها والسيطرة عليها وتوجيهها بالشكل المطلوب وليس مدرّبا قادما من زمن بعيد جدّا لا يعرف عنه هؤلاء سوى بعض الذكريات وبعض البطولات العابرة التي لا وجود لها سوى في مخيّلة أًصحابها.
الغريب في الأمر أنّ الزواوي لم يرفض الهديّة بل برّر قبوله بهذه المهمّة بأن هذه التجربة تعد إضافة كبيرة لمسيرته الطويلة بعد أن تولى أكثر من خطة صلب الإدارة الفنية الوطنية مضيفا أن هذا الصنف يعد الحلقة الأضعف في مسلسل التكوين وهو النقطة المفصلية التي تصنع الفارق بين اللاعب التونسي والأجنبي موضّحا أنه ومن أجل تولّي مهمته الجديدة فقد أجرى تربصات بألمانيا واسبانيا ومحور هذه التربّصات كيفية الإحاطة بلاعبي النخبة. وهذه التصريحات تكشف أن «البابا يوسف» متحمّس ومتعطّش جدّا لخوض هذا التحدّي الجديد وإذا كان من حقّه أن يكون شيخا بقلب شاب وطموح على الدوام فإنه ليس من حقّ الجامعة احتكار هذه المناصب وتخصيصها فقط لأبناء الدار…
رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم وديع الجريء وفّر كل ظروف النجاح للمنتخبات الوطنية ماديا وتنظيميا ولوجيستيا ومن يتابع جيّدا تحرّكات الجامعة في هذا الاتجاه يقف على هذه الحقيقة فالجريء أكثر المقتنعين بأن المنتخبات الوطنية بكل أصنافها هي واجهته المفضلة والمحبّذة لتمرير نجاحاته وتلميع صورته الناصعة لذلك هو يضع كل امكانيات الجامعة تحت تصرّف الأطر الفنّية على أمل التعاقد مع التتويجات والنجاحات ولكن الجريء رغم يقظته وفطنته فاته على ما يبدو أنّ صكوك الغفران والنجاح ليست حكرا فقط على المرابطين صباحا مساء تحت أسوار الجامعة والمصلحة الوطنية تقتضي أحيانا البحث عن وصفة النجاح حتى لو كانت بعيدة عن جدران الحرم الجامعي والمنتخب ليس طوافا أصمّا وليس طقوسا من السمع والطاعة والمنتخب هو كذلك ليس يوسف الزواوي حتى يرقص على بنكه كل هذه السنوات وكأنه فارس عصره وكل العصور ثمّ إنه ليس كلّ من اسمه «يوسف هو عزيز علينا»… فهل ضاق رحم هذا الوطن لتبقى الكراسي حكرا فقط على عرّابي الفشل…؟
نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ 23 فيفري 2021