الشارع المغاربي-منى المساكني : يعود أوّل قرض خارجي تحصّلت عليه البلاد التونسية إلى سنة 1863. وكان هذا القرض عمليّة تحيل حقيقية أدّت إلى استعمار فرنسا تونس بعد 18 عاما اذ انه بمجرد اعلان محمد الصادق باي، انه يريد اقتراض 25 مليون فرنك من الخارج، عرض العديد من أصحاب المصارف والسماسرة تقديم خدماتهم، ومنهم البارون جيمس دي روتشيلد، والكريدي موبيليي من باريس واميل ايرلانجي، وهو صاحب مصرف من مدينة فرانكفورت الألمانية ومستقرّ في العاصمة الفرنسية.
تحصّل ايميل ايرلانجي، على إذن الحكومة الفرنسية لبيع سندات التداين التونسية في بورصة باريس. ووفقا لتقرير، تمّ نشره في 1873، فإنّ هذا القرض هو عملية احتيال حقيقي. و لمعرفة الحجم الحقيقي لعملية الاحتيال، يجب اخذ جزئيات خطيرة بعين الاعتبار فقد قال ايرلانجي أنه باع أكثر من 38.000 من السندات في باريس و40.000 في تونس (و لكن مجموع السندات المصدرة بلغت 692 78 سندا). ويبدو أنّ المبيعات ببورصة باريس كانت أقلّ بكثير مما صرّح به، إذ لم تجد أكثر من 30.000 سندا مَن يشتريها وبقيت في حوزة ايرلانجي. ولكنه تحصّل على عمولة فاقت الـ 5 ملايين فرنك سويسري كما لو أنّه قد قام ببيع كل السندات. ويبدو أنّ ايرلانجي قام باقتراض المبلغ المزمع دفعه للخزينة التونسية من بنوك أخرى.
والدليل الواضح على قوّة هذه الفرضية هو أن ايرلانجي كان يدّعي أنه قد اشترى في جانفي 1864 على السوق الثانوية للقروض 20.962 سندا و8.000 أخرى في سنة 1865. ولكنّ عمليات الشراء هذه لم تفض إلى أيّ ارتفاع في سعر هذه الأوراق الماليّة.
وكان من المفترض أن يتمّ توظيف هذا القرض الخارجي في إعادة هيكلة الديون الداخليّة التونسية والتي تقدّر بـ 30 مليون فرنك فرنسي. وكان ذلك، في الحقيقة، لتسوية السندات القديمة بأموال مقترضة من الخارج. وفي الواقع، ففي ذات الوقت الذي تمّت تسوية السندات القديمة، أصدرت السلطات تساكر جديدة (أو رقاع خزينة) بمبلغ مساو. وتمّ تحويل أرباح بيع هذه التساكر الجديدة إلى خزائن كبار الشخصيات والمقيمين الأوروبيين الأثرياء.
وفي أقل من سنة، وقع تبديد قرض عام 1863. وفي الآن نفسه، وجدت الدولة نفسها ولأوّل مرة في تاريخ تونس مدينة للخارج بمبلغ كبير جدا. وكانت المستحقّات السنوية للدول الأجنبية غير محتملة. أما بالنسبة إلى التداين الداخلي الذي كان من المفروض أن تتمّ تسويته بالاقتراض الخارجي، فقد تضاعف مرتين.
المصدر : مقال “المديونية، السلاح الذي مكن فرنسا من السطو على تونس”، ماي 2016 – بقلم اريك توسان – ترجمة محمّد أسامة الأخزوري ومختار بن حفصة.