الشارع المغاربي – قيادات نهضوية تهرع نحو حزب جديد: لا تأسيس قبل المحاسبة على الجرائم في حق تونس/ بقلم: أنس الشابي

قيادات نهضوية تهرع نحو حزب جديد: لا تأسيس قبل المحاسبة على الجرائم في حق تونس/ بقلم: أنس الشابي

قسم الأخبار

6 نوفمبر، 2021

الشارع المغاربي: بعد أن أُحكم الطوق على حركة النهضة واتضح أن الاتجاه إلى محاسبتها على الجرائم التي أتتها في العشرية التي حكمت خلالها البلاد آتية لا ريب فيها فضّل البعض من المنتسبين اليها تغيير وجهاتهم نحو أحزاب أخرى سواء بالانخراط في القائم منها أو التأسيس للجديد. وراج في الفترة الأخيرة أن عبد اللطيف المكي صحبة آخرين يفكرون في تأسيس حزب نهضوي جديد تحت لافتة أخرى وتسمية مغايرة مع تلميع صورته الخارجية ببعض المستقلين وهو ما يُعتبر نوعا من التحايل والتلاعب بالعملية السياسية برمّتها وجب الانتباه إلى خطورتها والتنبيه إلى محاذيرها.

أحالني هذا الذي يروج بين الناس إلى ظاهرة تفشّت بعد سنة 2011 وهي ظاهرة الإفلات من العقاب والتفصّي من تحمّل المسؤولية أو توزيعها على جهات متعددة ليضيع دم الوطن بين أحزاب مختلفة ولعلّ الحكومات المتعاقبة أبرز مثال على ذلك. فقد تعوّدنا أن اللاحق لمّا يتسلم المسؤولية لا يتسلم معها جردا بما كان عليه الوضع يوم تسلمها وما عليه يوم تسليمها وهو ما عايناه مع الحكومات التي تداولت على الحكم في العشرية الماضية حيث يطغى الطابع الاحتفالي في هذه المناسبات. من ذلك أن الشاهد سلم البلاد وهي على حافة الإفلاس لمن جاء بعده وهذا الأخير أحالها إلى غيره بحيث أصبح من المستحيل ضبط مسؤوليات الحكومات المتعاقبة وهو ما ساعد حركة النهضة على التخلص من مسؤوليتها الكاملة فيما آلت إليه الأوضاع بالبلاد بالادعاء أنها لا تمثل إلا طرفا في الحكم والحال أنه كان لا يتمّ تعيين في أي موقع من مواقع المسؤولية بالدولة إلا بعد أخذ الإذن من الغنوشي. كما أن السياسات الاقتصادية المدمّرة والفاشلة جميعها أشرف على صياغتها كهربائي منتم لحركة النهضة كان حاضرا كوزير أو كمستشار في دواوين كل رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا منذ سنة 2011 إلى حكومة المشيشي. هذا الذي حدث مع الحكومات المتعاقبة بالإفلات من تحديد المسؤوليات وتعويمها يجب أن يتغير حتي يصبح تحمل المسؤولية قاعدة في العمل السياسي خصوصا بالنسبة للأحزاب التي تخلط الدين بالسياسة وتمتنع عن أن تصرّح بحقيقة أهدافها وبرامجها التي تغلفها بشعار الهويّة والدفاع عن الإسلام. فمحاسبة الأحزاب المدنية ممكنة عبر برامجها التي تنشرها بين الناس. أما هذا النوع الذي نحن بصدده كحركة النهضة فهو قادر على الإفلات من المحاسبة لافتقاده البرنامج الذي يمكن أن يحتكم إليه المنتسبون اليها وعموم الناخبين. والمتأمل في العشر سنوات من حكم الحركة يلحظ أنها انقلبت من الموقع إلى نقيضه دون مقدمات. فالباجي كان أخطر من السلفية وإذا به يصبح حليفا وشعار “قسما بربّ العزة التجمع لن يعود” حوّله الغنوشي إلى تعيين آخر أمين عام للتجمع مستشارا لديه والأمثلة على ذلك تندّ عن الحصر وهو ما يعني أن الحركة ليست إلا الزعيم وما تبقى من المنتسبين اليها أيا كانت مواقعهم ليسوا إلا تُبَّعا يفعلون ما يؤمرون به. والسؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن أن يتغير هؤلاء الذين تربّوا على الطاعة في المنشط والمكره طوال نصف قرن عندما يعلنون استقالتهم من الحركة؟.

يعلم الجميع أن الحركة في أسوأ أوضاعها اليوم حيث غادرها العديد من قيادييها تبرئة للنفس ممّا حدث ونأيا بأنفسهم عن تحمل المسؤولية التي وضعوها جميعها على أكتاف راشد الغنوشي لوحده والحال أنه ما كان للسطوة التي مارسها هذا الأخير في العشرية الماضية أن تظهر وتشتدّ لولا الحزام البشري الذي كان سندا له في كل ما صنع. وتذكروا أن الذين يتبرؤون من الغنوشي اليوم هم الذين خرجوا للدفاع عن خياراته وسياساته مهما تضاربت وهم الذين استهدفوا معارضيهم بالدعوة إلى سحلهم في الشوارع ومنعهم من المشاركة في الحياة السياسية وهم الذين روّجوا للتسفير إلى سوريا واستقبلوا دعاة الإرهاب ومكنوهم من القاء الخطب في مساجد الجمهورية. اليوم لمّا يخرج البعض من هؤلاء ويدعون أنهم كانوا على خلاف مع الغنوشي لا يمكن أن يصدّقهم عاقل لأن الخروج من الحركة بالإنتماء إلى حزب أو تأسيس آخر جديد غير كاف لتبرئة الذمّة. فإن اعتبرنا الحزب شخصية اعتبارية فإن المنتسبين اليه يتحملون مسؤولية الجرائم التي قد ترتكب باسمه حسب مواقعهم في القيادة . فالتسفير إلى سوريا للانضمام إلى الدواعش اختيار سياسي من حركة النهضة نفذه المنتسبون اليها والمسؤولية هنا سياسية يتحملها الحزب ويتحملها كل الذين ساعدوا أو روّجوا أو ساهموا في التسفير وكذلك الحال في ملفات التنظيم السري والاغتيالات والهجوم على السفارة الأمريكية واللوبيينغ وتحريض القوى الأجنبية على الإساءة إلى البلاد وغيرها من الجرائم. إذ لا يكفي أن يعلن الانسان انسلاخه عن الحزب حتى تنتفي عنه المسؤولية لأن أي تأسيس جديد خصوصا من طرف الذين عرفهم الشعب وخبرهم طوال العشرية الماضية يستلزم منهم أخلاقيا الاعتراف بأخطائهم ونقدا ذاتيا يبرّر أسباب التحوّل الذي انتظر عشر سنوات كاملة ولم يظهر إلا بعد قرارات 25 جويلية.

قد يكون القول “فسخ وعاود من جديد” صالحا في الألعاب الشعبية كالكارطة والديمينو ولكنه جريمة في حق الوطن لأن فيه تلاعبا بمقدراته واستهتارا بمستقبل أبنائه. فقبل أي بناء حزبي جديد من طرف الذين ساهموا في حكم البلاد وأسندت لهم مراكز القرار كالوزارات وغيرها من المناصب العليا يجب أن يخضعوا إلى المساءلة والمحاسبة وكذلك الذين تصدّروا قيادة هذه الأحزاب لأنهم وإن لم يتولوا المناصب فقد كانوا من بين المساهمين في صياغة القرار وفي ما عليه البلاد اليوم من هوان. وخلاصة القول إن تأسيس حزب جديد بأدوات قديمة جُرّبت ولم تصحّ ليس إلا تحايلا يستلزم المحاسبة أولا وقبل كل شيء.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ 2 نوفمبر 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING