الشارع المغاربي – كتاب رئاسة الحكومة حول الاصلاحات: شبهة سرقة علمية / بقلم : مصطفى الجويلي

كتاب رئاسة الحكومة حول الاصلاحات: شبهة سرقة علمية / بقلم : مصطفى الجويلي

11 أبريل، 2018

الشارع المغاربي : في ندوة صحفية، نظمت يوم 19 فيفري 2016، عرض مجلس التحاليل الاقتصادية التابع لرئاسة الحكومة وثيقة بعنوان «البرنامج الوطني للإصلاحات الكبرى 20162020» الذي اعتبره السيد توفيق الراجحي، رئيس المجلس في ذلك الحين، بمثابة خارطة الطريق التي ستضع الاقتصاد التونسي على درب الانتعاش والخروج من الازمة.

إلا ان هذا «الانجاز» سرعان ما تحول الى «فضيحة» تداولتها العديد من وسائل الاعلام، بعدما اتضح أن الوثيقة المذكورة تضمنت ملحقا لم يكن في واقع الامر إلا نقلا حرفيا لتقرير صادر عن البنك الافريقي للتنمية سنة 2011 ويخص الاقتصاد المغربي. شبهة السرقة العلمية والسطو على اجزاء من التقرير المغربي اكدتها استقالة ثلاثة خبراء جامعيين من عضوية المجلس وذلك «تبعا للشكوك التي تحوم حول مصداقية المجلسودفاعا عن المصداقية العلمية وحفاظا على الشرف العلمي المعتاد لدى كل الجامعيين التونسيين» حسب ما جاء في نص الاستقالة.

السيد توفيق الراجحي، الذي نفى كل الاتهامات واعتبر ما حدث تضخيما من اطراف سياسية ونقابية ، لم يتخذ اي اجراء ضد «الخبير» المسؤول عن «السرقة العلمية» بل اكتفى بسحب النسخة الاولى من الوثيقة من موقع المجلس وتعويضها بنسخة ثانية لا تحتوي على الملحق المذكور. لكن يبدو ان المغالطات والسرقة العلمية اصبحت صفة ملازمة لملف «الاصلاحات الكبرى» المرتبط بشخص «الجامعي والخبير الدولي» توفيق الراجحي الذي تم تعيينه في سبتمبر 2017 وزيرا مكلفا بالإصلاحات الكبرى.

في خضم النقاش حول المؤسسات العمومية والضغوطات التي يمارسها صندوق النقد الدولي وبعض اللوبيات في الداخل من اجل الدفع نحو خوصصتها، نشرت رئاسة الحكومة ، في الاسبوع الاخير من شهر مارس، وثيقة بعنوان «الكتاب الابيض : تقرير تأليفي حول اصلاح المؤسسات العمومية في تونس». الوثيقة الصادرة باللغة الفرنسية (Livre blanc : Rapport de synthèse sur la réforme des entreprises publiques en Tunisie) التي لن نناقش محتواها في هذا المقال، مكونة من 58 صفحة وتضمنت الى جانب التوطئة والمقدمة تشخيصا لواقع المؤسسات العمومية وبرنامجا لإصلاحها.

في الفقرة الثانية من التوطئة الممضاة من طرف الوزير المكلف بالإصلاحات الكبرى نقرأ ما يلي : « هذا الكتاب الابيض هو نتيجة لعمل متضافر انطلق منذ اكثر من سنتين على اثر استشارة عامة مع الخبراء والاحزاب السياسية والاطراف المعنية، الاتحاد العام التونسي للشغل، اتحاد الصناعة والتجارة، كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية». ومن هنا تبدأ أولى المغالطات.

كان من المفروض (وهو المعمول به) ان تتضمن الوثيقة ملحقا يبين قائمة الخبراء والاحزاب والمنظمات التي شاركت في الاستشارة. إلا ان هذا الملحق كان غائبا وذلك لسبب بسيط هو أن الحكومة لم تقم بأية استشارة وطنية (ولو مضيقة) حول المؤسسات العمومية. ما ورد اذن في توطئة الكتاب الابيض ليس إلا مغالطة سخيفة اراد من خلالها الوزير المكلف بالإصلاحات الكبرى ايهام الرأي العام ان ما يقترحه من اجراءات بخصوص المؤسسات العمومية ليس اذعانا لاملاءات صندوق النقد الدولي بل نتيجة لـ  «توافق وطني».  هذه المغالطة اللتي تكشفها معارضة الاتحاد العام التونسي للشغل الكلية لخوصصة المؤسسات العمومية واحتجاجه المتصاعد على اثر صدور هذا الكتاب الابيض.

في الحقيقة، ليست الوثيقة المسماة الكتاب الابيض إلا نقلا حرفيا لتقرير من 45 صفحة صادر عن شبكة برايس واترهاوس كوبر PricewaterhouseCoopers  تحت عنوان « تقرير تأليفي حول اصلاح الحوكمة والمؤسسات العمومية في تونس (Rapport de synthèse sur la réforme de la gouvernance et des entreprises publiques enTunisie) بتاريخ 18 اكتوبر 2017 ويكفي ان نتصفح الوثيقتين لنتبين مدى التطابق بينهما. فباستثناء التوطئة الممضاة من طرف السيد الوزير ومقدمة الكتاب الابيض التي استعادت بشكل شبه كلي الملخص التنفيذي لتقرير برايس واترهاوس فان ما تبقى (38 صفحة) يبين تطابقا كليا بين الوثيقتين.

من الواضح، بل من المؤكد، ان المؤسسة المذكورة اعدت تقريرها في اطار تعاقد مع رئاسة الحكومة إلا ان هذا لا يمنعنا من ابداء الملاحظات التالية:

من الطبيعي جدا ان تتعاقد الحكومة او احدى مؤسساتها مع مؤسسة او مكتب دراسات او خبير لانجاز دراسات فنية في مجالات محددة، إلا ان  صياغة السياسات  وبرامج العمل (التي تعتمد ضرورة على هذه الدراسات الفنية) تبقى حصريا مهمة الحكومة ومؤسساتها. ان تترك رئاسة الحكومة لمؤسسة اجنبية خاصة عن طريق المناولة مهمة صياغة تقرير تأليفي وصياغة برنامج في علاقة بالمؤسسات العمومية  امر خطير ويشكل احتقارا للكفاءات التونسية وتعديا على السيادة الوطنية ويعكس محدودية الرؤية التكنوقراطية التي تدير اقتصاد البلاد على شاكلة ادارة الشركات الخاصة.

كان من المفروض ان يشير الكتاب الابيض ولو بشكل مختصر الى الجهة التي اعدت التقرير التأليفي وهى برايس واترهاوس. إلا ان السيد الوزير تغافل عن هذا الامر بل اصدر الكتاب بتوطئة تحتوي العديد من المغالطات وينسب فيها لنفسه عملا لم يقم به ومجهودا لم يبذله وهو ما يذكرنا بشبهة السطو او السرقة الادبية او العلمية التي التصقت بـ «البرنامج الوطني للإصلاحات الكبرى» السابق الذكر.

ان لا يتضمن الكتاب الابيض اشارة الى التقرير الذي اعدته برايس واتر هاوس لم يكن خطأ او سهوا بل امرا مقصودا. فالسيد الوزير المكلف بالاصلاحات الكبرى او بالاحرى بتنفيذ املاءات صندوق النقد الدولي يسعى الى الظهور في صورة «التلميذ النجيب» المصمم (اكثر من غيره) على القيام بـ «واجباته» حتى ينال رضا السيدة لاغارد. وزير « الاصلاحات بالمناولة» يحاول ايضا ان يصنع لنفسه صورة الوزير المجتهد والكفاءة العليا دفاعا عن موقعه في حكومة يلازمها الفشل وقد تشهد تحويرات كبرى في الايام القليلة القادمة. السيد الوزير تدخل مؤخرا على احدى الاذاعات ليؤكد ان «اصلاح الاقتصاد التونسي» يتطلب بعث وزارة للاصلاحات مستقلة بذاتها (وليست تحت اشراف رئاسة الحكومة كما هو الحال). يبدو انه يسعى جاهدا الى ان يكون في علاقة مباشرة مع اسياده في صندوق النقد الدولي (و المؤسسات العالمية الاخرى) والى تحويل الوزارة الى مكتب خاص للمناولة مع الشركات العالمية.   

برايس واترهاوس كوبر ، شركة متعددة الجنسيات، مقرها الاجتماعي في لندن وتتوزع فروعها على حوالي 157 دولة وهى احدى اربع اكبر الشركات في العالم في مجال التدقيق المالي والاستشارة الجبائية. الا ان اسم هذه المؤسسة ارتبط في السنوات الاخيرة بالعديد من قضايا الفساد وتبييض الاموال.

لكن هل يوجد سبب أخر لإخفاء التعامل مع مؤسسة برايس واترهاوس ؟ 

في سنة 2009 مكنت برايس واتر هاوس الرئيس المدير العام لشركة ماهيندرا ستايام Mahindra Satyam الهندية من الاستيلاء على 1،47 مليار دولار عبر التلاعب بدفاتر محاسبات الشركة وقد دعت الحكومة الهندية بتاريخ 7 جوان 2009 الى عدم التعامل مع هذه المؤسسة.  في أوت 2014  قررت مصالح المراقبة المالية بنيويورك تغريم مؤسسة برايس واترهاوس بـ 25 مليون دولار بسبب مساعدتها بنك طوكيوميتسيبيتشي على اخفاء جزء من معاملاته المالية.  في نوفمبر 2014 كشف الاتحاد الدولي للصحفيين الدوليين ضمن ما يعرف بـ «لكسمبورغ ليكس Luxembourg Leaks» تورط برايس واترهاوس في عملية فساد مالي مكنت حوالي 340 شركة من التهرب من الضرائب عبر انشاء شركات وهمية بلكسمبورغ. أخيرا في مارس 2015 تقدمت مدينة لوس انجلس بشكوى على اثر اكتشاف تلاعب في التصرف في فواتير الماء والطاقة (بمبلغ قدره 70 مليون دولار) الذي كانت قد كلفت به مؤسسة برايس واترهاوس.

لا اعتقد ان السيد الوزير ورئاسة الحكومة على غير علم بكل هذه المعطيات وبتورط مؤسسة برايس واترهاوس المؤكد في الفساد. ومن المؤكد ان شبهة الفساد المتعلقة بهذه المؤسسة هي احد الاسباب التي تفسر عدم ذكر اسمها في الكتاب الابيض  ذلك ان مجرد التعاطي مع هذه المؤسسة  في حد ذاته مثير للشبهات.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING