الشارع المغاربي – كشف تفصيلي: أين‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬انتاج‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة؟

كشف تفصيلي: أين‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬انتاج‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة؟

قسم الأخبار

20 مايو، 2023

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: يقف‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمي‭ ‬حاليًا‭ ‬عند‭ ‬مفترق‭ ‬الطرق،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬بشكل‭ ‬فعلي‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬أنها‭ ‬طاقة‭ ‬المستقبل‭. ‬وتتمتع‭ ‬تونس،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬بإمكانات‭ ‬كبيرة‭ ‬للتحول‭ ‬إلى‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تحديات‭ ‬كبرى‭ ‬تجابه‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬مما‭ ‬يتطلب‭ ‬تغييرات‭ ‬هيكلية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إنتاج‭ ‬الطاقة‭ ‬والتحكم‭ ‬فيها‭.‬

عجز‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬

يتّسم‭ ‬وضع‭ ‬الطاقة‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بتراجع‭ ‬في‭ ‬موارد‭ ‬الطاقة‭ ‬الأولية‭. ‬فمن‭ ‬2010‭ ‬إلى‭ ‬2019‭ ‬انخفضت‭ ‬هذه‭ ‬الموارد‭ ‬بنحو‭ ‬7٪‭ ‬سنويًا،‭ ‬من‭ ‬7‭.‬8‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬مكافئ‭ ‬نفط‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬إلى‭ ‬3‭.‬9‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬مكافئ‭ ‬نفط‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭.‬

وشهد‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬تضاعف‭ ‬عجز‭ ‬الطاقة‭ ‬تقريبًا‭ ‬10‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬الثماني‭ ‬سنوات،‭ ‬حيث‭ ‬انتقل‭ ‬من‭ ‬0‭.‬6‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬نفط‭ ‬مكافئ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬إلى‭ ‬5‭.‬7‭ ‬ملايين‭ ‬طن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬وطرح‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬إشكالات‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬بتأمين‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬احتياجات‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الأولية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الواردات،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬أمن‭ ‬التزويد‭ ‬أكثر‭ ‬هشاشة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الآثار‭ ‬الثانوية‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بارتفاع‭ ‬نفقات‭ ‬دعم‭ ‬الدولة‭ ‬لقطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬ومزيد‭ ‬استنزاف‭ ‬الرصيد‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬الأجنبية‭ ‬بسبب‭ ‬الاستيراد‭ ‬المكثف‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬مزيج‭ ‬الكهرباء‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬بالـ‭ ‬Mix électrique‭ ‬غير‭ ‬متنوّع‭ ‬بسبب‭ ‬الاعتماد‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬حاليًا‭ ‬حوالي‭ ‬97‭ ‬٪‭ ‬من‭ ‬استهلاك‭ ‬قطاع‭ ‬الكهرباء،‭ ‬مما‭ ‬يشكل‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬إنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬محدودية‭ ‬إنتاج‭ ‬موارد‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬الوطنية‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تمكّن‭ ‬حاليًا‭ ‬من‭ ‬تغطية‭ ‬سوى‭ ‬حوالي‭ ‬نحو‭ ‬ثلث‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الوطنية‭ ‬فيما‭ ‬تأتي‭ ‬البقية‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬واردات‭.‬

ولمعالجة‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المقلق،‭ ‬وضعت‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬استراتيجية‭ ‬جديدة‭ ‬للانتقال‭ ‬الطاقي‭ ‬تهدف‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬عجز‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الاجراءات‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تطوير‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬وتسريع‭ ‬مشاريع‭ ‬الاستخدام‭ ‬المجدي‭ ‬للطاقة‭.‬

الاستراتيجية‭ ‬التونسية‭ ‬للطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬

وضعت‭ ‬تونس‭ ‬خطة‭ ‬لخفض‭ ‬انبعاثات‭ ‬الكربون‭ ‬بنسبة‭ ‬45٪‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030‭ ‬وتحقيق‭ ‬الحياد‭ ‬الكربوني‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2050‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬اجراءات‭ ‬كفاءة‭ ‬الطاقة‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬إنتاج‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭. ‬وتهدف‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬30٪‭ ‬من‭ ‬احتياجاتها‭ ‬من‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030‭. ‬وسنّت‭ ‬السلطات‭ ‬التونسية‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2015‭ ‬قانونا‭ ‬جديدا‭ ‬ينظم‭ ‬إنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬من‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬ويحدد‭ ‬أنظمة‭ ‬الإنتاج‭ ‬المختلفة‭ ‬وتفويض‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬للعب‭ ‬دور‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬حدّدتها‭ ‬الدولة‭ ‬عبر‭ ‬مخططات‭ ‬الإنتاج‭ ‬التالية‭: ‬نظام‭ ‬اللزمات‭ ‬للمشاريع‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬طاقتها‭ ‬10‭ ‬ميغاواط‭ ‬للطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬و30‭ ‬ميغاواط‭ ‬لطاقة‭ ‬الرياح،‭ ‬و15‭ ‬ميغاواط‭ ‬للكتلة‭ ‬الحيوية‭ ‬و5‭ ‬ميغاواط‭ ‬للأشكال‭ ‬الأخرى‭ ‬ونظام‭ ‬التراخيص‭ ‬للمشاريع‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬قوتها‭ ‬الحدود‭ ‬المذكورة‭ ‬ونظام‭ ‬الإنتاج‭ ‬الذاتي‭ ‬لكافة‭ ‬أصناف‭ ‬الحرفاء‭.‬

الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬

تم‭ ‬تحديث‭ ‬الخطة‭ ‬التونسية‭ ‬للطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬معدل‭ ‬تكامل‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬في‭ ‬مزيج‭ ‬الكهرباء‭ ‬الوطني‭ ‬إلى‭ ‬30‭ ‬٪‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2030‭ ‬وتسريع‭ ‬إجراءات‭ ‬ترشيد‭ ‬استخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬بهدف‭ ‬تقليل‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الوطني‭ ‬للطاقة‭ ‬الأولية‭ ‬بنسبة‭ ‬30٪‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2030‭ ‬مقارنة‭ ‬بعام‭ ‬2010‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬بدأت‭ ‬الشركة‭ ‬التونسية‭ ‬للكهرباء‭ ‬والغاز‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬بناء‭ ‬أول‭ ‬محطة‭ ‬للطاقة‭ ‬الكهروضوئية‭ ‬في‭ ‬توزر‭ ‬بطاقة‭ ‬10‭ ‬ميغاواط‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬تشغيلها‭ ‬في‭ ‬الثلاثي‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2021‭. ‬فيما‭ ‬دخلت‭ ‬محطة‭ ‬ثانية‭ ‬الخدمة‭ ‬بقدرة‭ ‬10‭ ‬ميغاواط‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الموقع‭ ‬خلال‭ ‬نوفمبر‭ ‬2021‭.‬

طاقة‭ ‬الرياح

بدأت‭ ‬الشركة‭ ‬التونسية‭ ‬للكهرباء‭ ‬والغاز‭ ‬تطوير‭ ‬طاقة‭ ‬الرياح‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أول‭ ‬مشروع‭ ‬لطاقة‭ ‬الرياح‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بسيدي‭ ‬داود‭ ‬بولاية‭ ‬نابل‭. ‬وتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬مراحل‭: ‬10‭.‬65‭ ‬ميغاواط‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2000‭ ‬و8‭.‬72‭ ‬ميغاواط‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2003‭ ‬و34‭.‬32‭ ‬ميغاواط‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2009،‭ ‬وبذلك‭ ‬يبلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬الانتاج‭ ‬54‭.‬5‭ ‬ميغاواط‭ ‬مع‭ ‬حجم‭ ‬استثمار‭ ‬إجمالي‭ ‬يبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬162‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭.‬

كما‭ ‬تم‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشروع‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الشركة‭ ‬التونسية‭ ‬للكهرباء‭ ‬والغاز‭ ‬في‭ ‬2012‭-‬2013‭ ‬في‭ ‬الكشابطة‭ ‬وماتلين‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬بنزرت‭ ‬بطاقة‭ ‬إجمالية‭ ‬تبلغ‭ ‬190‭ ‬ميغاواط‭ ‬وباستثمار‭ ‬بقيمة‭ ‬580‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭.‬

الطاقة‭ ‬الكهرومائية

شرعت‭ ‬الشركة‭ ‬التونسية‭ ‬للكهرباء‭ ‬والغاز‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬محطات‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهرومائية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬وكانت‭ ‬آخر‭ ‬محطة‭ ‬طاقة‭ ‬تم‭ ‬بناؤها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003‭. ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الإمكانات‭ ‬المنخفضة‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬الهيدروليكية،‭ ‬فإن‭ ‬السعة‭ ‬الإجمالية‭ ‬المركبة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬62‭ ‬ميغاواط‭.‬

الهيدروجين‭ ‬الأخضر

يرى‭ ‬خبراء‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الرمادي،‭ ‬الذي‭ ‬يتسبب‭ ‬إنتاجه‭ ‬في‭ ‬افراز‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الغازات‭ ‬الدفيئة،‭ ‬فان‭ ‬إنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التحليل‭ ‬الكهربائي،‭ ‬يشكل‭ ‬عملية‭ ‬اقل‭ ‬تلوثا‭ ‬بحكم‭ ‬استخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬لتفكيك‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مختلف‭ ‬مراحل‭ ‬الإنتاج‭.‬

ويعتقد‭ ‬الخبراء‭ ‬ان‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬طاقة‭ ‬فعال‭ ‬للغاية‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬كيلوغراما‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬ينتج‭ ‬طاقة‭ ‬تزيد‭ ‬بأربعة‭ ‬أضعاف‭ ‬عن‭ ‬كيلوغرام‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬البنزين‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي‭ ‬للهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬يمثل‭ ‬حاليًا‭ ‬5‭ ‬٪‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬94‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬تم‭ ‬إنتاجها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بفضل‭ ‬خطط‭ ‬التعافي‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المختلفة‭ ‬بعد‭ ‬الجائحة‭ ‬وكذلك‭ ‬استراتيجيات‭ ‬التوريد‭ ‬الطاقي‭ ‬البديلة‭ ‬للغاز‭ ‬الروسي‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تعمل‭ ‬تونس‭ ‬حاليًا‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬الخاصة‭ ‬لاستغلال‭ ‬هذا‭ ‬المصدر‭ ‬المبتكر‭ ‬للطاقة‭. ‬وسيتم‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬الأولية،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬سنة‭ ‬2022،‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2024‭. ‬وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬السلطات‭ ‬التونسية‭ ‬عن‭ ‬نيتها‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬استهلاكه‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭. ‬وهكذا،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تتشكل‭ ‬فيه‭ ‬سوق‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬تتخذ‭ ‬تونس‭ ‬خطواتها‭ ‬الأولى‭ ‬لوضع‭ ‬نفسها‭ ‬كلاعب‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭.‬

ويرى‭ ‬خبراء‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬إلا‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأنواع،‭ ‬خاصة‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭. ‬وذلك‭ ‬يتطلب‭ ‬إنشاء‭ ‬محطات‭ ‬لإنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬من‭ ‬طاقة‭ ‬الرياح‭ ‬ومشاريع‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬العملاقة‭ ‬الضرورية‭ ‬لإنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعبئة‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬استثمارات‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الضرورية‭. ‬

التحديات‭ ‬

نبّهت‭ ‬الدراسات‭ ‬الحديثة‭ ‬إلى‭ ‬تداعيات‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬للبلدان‭ ‬المنتجة،‭ ‬المهددة‭ ‬بشكل‭ ‬خطير‭ ‬جراء‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬تظهر‭ ‬شكوك‭ ‬حول‭ ‬المساهمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لهذا‭ ‬القطاع‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الالتزامات‭ ‬المناخية‭ ‬التونسية‭. ‬فرغم‭ ‬الاعتماد‭ ‬الحالي‭ ‬بنسبة‭ ‬97٪‭ ‬على‭ ‬الغاز‭ ‬الجزائري‭ ‬لإنتاج‭ ‬الكهرباء،‭ ‬تخطّط‭ ‬البلاد‭ ‬لإنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬لتصديره‭ ‬إلى‭ ‬الخارج،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭. ‬ويثير‭ ‬هذا‭ ‬الاختيار‭ ‬مشكلة‭ ‬أساسية‭ ‬أخرى‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬النموذج‭ ‬الاستخراجي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الاستغلال‭ ‬المفرط‭ ‬للموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬المعدة‭ ‬للتصدير‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬تطوير‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬يمثّل‭ ‬أولوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للشركة‭ ‬التونسية‭ ‬للكهرباء‭ ‬والغاز‭.  ‬فقد‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬للشركة‭ ‬عن‭ ‬تكوين‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬المهندسين،‭ ‬الذين‭ ‬يخضعون‭ ‬حاليًا‭ ‬لتكوين‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أوروبية،‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬البلاد‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعتمد‭ ‬بنسبة‭ ‬97٪‭ ‬على‭ ‬الغاز‭ ‬الجزائري‭ ‬لإنتاج‭ ‬الكهرباء،‭ ‬فمن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تصدير‭ ‬معظم‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬المنتج‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭. ‬ويثير‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الطموح،‭ ‬أيضًا‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬مساهمته‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬التزامات‭ ‬تونس‭ ‬المناخية‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬آثاره‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والبيئية‭.‬

وباختصار،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬سلعة‭ ‬بسيطة‭ ‬يمكن‭ ‬تصديرها،‭ ‬ولكن‭ ‬بالأحرى‭ ‬طاقة‭ ‬متجددة‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬تلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬الطاقة‭ ‬المحلية‭ ‬مع‭ ‬احترام‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬ومكافحة‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭.‬

حتى‭ ‬ينجح‭ ‬الانتقال‭ ‬الطاقي

لضمان‭ ‬أمن‭ ‬الطاقة‭ ‬وسيادة‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬الحيوي،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬تعزيز‭ ‬وتجسيد‭ ‬نهج‭ ‬التحول‭ ‬الأخضر‭ ‬والانتقال‭ ‬الطاقي‭ ‬العادل‭ ‬بتبني‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬شفافة‭ ‬وفعالة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة‭ ‬وتعزيز‭ ‬الأنظمة‭ ‬اللامركزية‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ممكنًا،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الريفية،‭ ‬وتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬مصالح‭ ‬مختلف‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬لضمان‭ ‬تنمية‭ ‬مستدامة‭ ‬حقيقية‭.‬

وبالتالي،‭ ‬يعد‭ ‬تطوير‭ ‬البرامج‭ ‬الجهوية‭ ‬والهياكل‭ ‬المؤسسية‭ ‬ونماذج‭ ‬الأعمال‭ ‬لدعم‭ ‬انتقال‭ ‬الطاقة‭ ‬أمرًا‭ ‬حيويًا‭ ‬لاستدامة‭ ‬المبادرات‭ ‬الحكومية‭ ‬بمشاركة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬لإنشاء‭ ‬استراتيجية‭ ‬لانتقال‭ ‬طاقي‭ ‬ناجح‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 16 ماي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING