الشارع المغاربي – كفى مغالطة..لا بدّ من إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية والبلاد مهدّدة بالإفلاس/ بقلم :جمال الدين العويديدي

كفى مغالطة..لا بدّ من إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية والبلاد مهدّدة بالإفلاس/ بقلم :جمال الدين العويديدي

24 مايو، 2018

الشارع المغاربي:يمكن مغالطة جزء من الشعب كل الوقت وكل الشعب جزء من الوقت ولكن لا يمكن مغالطة كل الشعب كل الوقتأبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية (1860-1868).

بالرجوع إلى الوقائع يتبين أنه في الوقت الذي تخطى فيه الدينار الحاجز الرمزي لثلاثة دنانير للأورو الواحد وفي الوقت الذي تعمق فيه العجز التجاري في الربع الأول من هذه السنة من 8,1 مليار دينار إلى 8,7 مليار دينار (زيادة ب7,4 بالمائة) حسب المعهد الوطني للإحصاء مما يفسر تقلص رصيدنا  من العملة الأجنبية إلى 73 يوما فقط بعدما كان يفوق 90 يوما في نفس المدة من السنة الفارطة وفي الوقت الذي تخطى فيه سعر البترول (البرنت) حاليا حاجز 80 دولارا للبرميل مقابل تقييم للميزانية السنوية باحتساب سعر البترول في حدود 54 دولار للبرميل رغم التنبيه الذي قدمه عديد الخبراء مما سينجر عنه عجز استثنائي سيتراوح بين 2,5 مليار دينار في أقل تقدير و مليار دينار خاصة أن الدولة التونسية ملتزمة بدفع مشتريات الغاز الطبيعي من الشركة المستغلة للحقول الوطنية بالعملة الأجنبية و بالأسعار العالمية و التي تمثل حاجات البلاد بنسبة 48 بالمائة تقريبا ارتأت الحكومة أن تعلن عن ارتفاع في نسبة التصدير بـ35 بالمائة نتيجة تصدير الصناعات المعملية للشركات غير المقيمة في الربع الأول من سنة 2018؟ كما أعلنت عن نسبة نمو بـ2,5  بالمائة في نفس المدة؟.

انطلاقا من تصريحات الحكومة، بارك رئيس الجمهورية هذه المؤشرات و بعث رسالة أمل للشعب التونسي بمناسبة حلول شهر رمضان بأن تصل هذه نسبة إلى 3 بالمائة في سنة 2018 !

أمام هذه التناقضات يحق للشعب التونسي بكافة أطيافه أن يتساءل أين الحقيقة والحال أن الواقع يبين المعاناة اليومية من غلاء للأسعار (نسبة التضخم بلغت 7,7 بالمائة في أواخر شهر أفريل الفارطوانعدام مواطن الشغل خاصة بعد تصريح رئيس الحكومة الأخير الذي أكد  قرار الحكومة تعليق الانتدابات في القطاع العام لسنة 2019. هذا زيادة على أن الحكومات التي تعاقبت على السلطة منذ سنة 2014 لم تستغل كما يجب فرصة انخفاض سعر البترول من 112 دولار للبرميل في أواسط 2014 إلى ما بين 30 و 40 دولار بداية من السنوات 2015 و 2016.  خاصة إذا علمنا أن سعر البترول يمكن أن يرتفع إلى 100 دولار في الأشهر القليلة القادمة حسب مصدر جدير بالثقة وهو تصريح باتريك بوياني الرئيس المدير العام لشركة طوطال العالمية الفرنسية اثر خروجه من الاجتماع الأخير لمركز الدراسات الإستراتيجية العالمية المنعقد بواشنطن حول هذا الموضوع.

إذا أضفنا إلى ذلك ما يجري من تضخيم غير مبرر وبعيدا عن أي موضوعية لنسبة الوظائف العمومية في تونس. حيث تبين كل الأدلة التي تحصلنا عليها أن هذه النسبة تبدو أقل مما هي عليه في فرنسا وفي ألمانيا البلدين اللذين يعتبران من أكثر البلدان حرصا على تقليص الوظائف العمومية. من ذلك نؤكد أن في تونس يوجد 51 موظف لكل ألف مواطن بينما يوجد في فرنسا 84 موظفا عموميا لكل ألف مواطن و في ألمانيا يوجد 61 موظف عمومي لكل ألف مواطن. هذا علاوة على التفاوت في الإمكانات المادية وفي التكوين العلمي والمهني لهذه البلدان مقارنة ببلادنا

لاشك إذا أن تونس تعيش منذأكثر من ثلاثين سنة أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية حادة وهيكلية في علاقة داخليا بمنوال تنمية اعتمد بالأساس على المناولة لفائدة شركات أجنبية وصل إلى درجة من التكلس لم يعد من خلالها قادرا  على خلق  القيمة المضافة والثروة لبناء التنمية الوطنية الشاملة لكل الفئات ولكل الجهات وذلك بشهادة البنك الدولي في تقريره الصادر في أفريل 2014 تحت عنوانالثورة غير المكتملةوبشهادة تقارير البنك المركزي التونسي خاصة منها المتعلقة بتحاليل المبادلات التجارية.

كما أنه لابد من الاعتراف بأن لهذه الأزمة علاقة مباشرة أيضا بما جرى من تحولات عالمية في الثمانينات تتلخص بالأساس في تداعيات انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين وهيمنة القطب الواحد وبروز ظاهرة العولمة التي اعتمدت تفكيكالدولة الوطنيةعبر تنضيب مواردها المالية بوسائل عديدة كانت و ما زالت الخوصصة احد أدواتها الأساسية.

هذا المنوال الذي اعتمدتفكيك الدولة و تحرير التجارة بطريقة اعتباطية وغير مدروسة و تحرير رؤوس الأموال لتسهيل ولوج الشركات العالمية إلى النيل من المؤسسات الإستراتيجية الوطنية خاصة منها المربحة أدى إلى انحرافات اقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة ومتشابهة الصفات والعواقب في كل البلدان التي تضررت منها .تم تلخيص أهم هذه التداعيات التي تُعتبر قاسما مشتركا لكل البلدان التي رضخت لبرنامج إصلاح هيكلي من طرف صندوق النقد الدولي  في تقريرمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” “CNUCEDالصادر في سنة 2005 تحت عنوانالتنمية الاقتصادية في إفريقيا : إعادة النظر في دور الاستثمار الخارجي المباشر“. حيث ذكر التقرير أنالتدهور الكبير للوضع الاقتصادي الخارجي في بداية الثمانينات أدى إلى إضعاف مردودية القطاع الصناعي الناشئ في البلدان الحديثة العهد بالاستقلال كما عطل في نفس الوقت إمكانياته الاستثمارية مما جعله غير قادر على تحمل أية  هزة جديدة مثل التي حصلت نتيجة برامج الإصلاحات الهيكلية والتي فرضت عليها المنافسة المباشرة عبر التفكيك الديواني وتحرير التجارة“. هذا الوضع الذي اعتقد الكثير من البلدان أنه ربما يكون عرضيا دفع الكثير منها نحو مزيد التداين لسد الحاجات الملحة لميزان الدفوعات لتوريد مواد استهلاكية وعلى حساب الاستثمارات الكبرى في البنية التحتية  والبنية الاجتماعية مثل الصحة والتعليم وغيرها مما عطل الاستثمار الداخلي. فدخلت بذلك جل البلدان المعنية (ومن بينها تونس) في دوامة خطيرة عطلت المنظومة الإنتاجية الوطنية وخاصة منها الصناعية التي كانت توفر القيمة المضافة القادرة على تغطية الواردات خاصة تلك المتعلقة بالاستثمار“. وأضاف التقرير أنهذا الوضع أدى إلى تصحر صناعيdésindustrialisationفي غالبية البلدان المعنية حيث تقلصت نسبة إنتاج القطاع الصناعي  في الناتج الإجمالي المحلي بداية من التسعينات إلى أقل ما كانت عليه في بداية الاستقلال أي في الستينات (في تونس نسبة القيمة المضافة للقطاع الصناعي الوطني انخفضت من 23 بالمائة في الثمانينات إلى ما بين 16 و17 بالمائة حاليا في الوقت الذي كان يجب أن ترتفع إلى أكثر من 33 بالمائة ليكون هذا القطاع القاطرة الدافعة لنسبة النمو الإجمالي بصفة قوية و مستدامة)  مما نتج عنه ارتفاع كبير في نسبة البطالة  وفي نسبة الفقر أدت مباشرة إلى تنامي ظاهرة الهجرة السرية من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء وكذلك من تونس ومن المغرب. كما نتج عن ذلك تفشي ظاهرة الاقتصاد الموازي الذي مثل حسب بعض التقديرات 42 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلى في السنوات 1999-2000 و إلى 60 بالمائة في بعض البلدان (دراسة شنايدر 2002  Schneider, ) (في تونس  السوق الموازية تقدر بين 55 و 60 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي!!). ثم يضيف التقرير أنهذا الوضع يبين مدى تدهور القطاع الاقتصادي المنظم نتيجة مباشرة لفشل برامج الإصلاحات الهيكلية في تحقيق أهدافها.

هذا التذكير السريع إذا أضفنا إليه تفشي ظاهرة الفساد حيث تم الاستيلاء على الملك العمومي بدعوى الخوصصة (توجد قائمة طويلة في مؤسسات وطنية كانت منتجة وتشغل تم جرها للإفلاس ولغلق نشاطها وإحالة عمالها على البطالة وتم تعويض إنتاجها بالتوريد الفوضوي والمكثف مما يبين كيف أن الاقتصاد الموازي يتطور تدريجيا  على حساب الاقتصاد المنتج و المنظم). كما يجب التذكير أيضا بتفشي ظاهرة تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج التي تقدر بأكثر من 50 مليار دولار (أي ما يعادل 125 مليار دينار حاليا أو قرابة ضعفي المديونية الحالية للبلاد!!) والتي وعدت مجموعة السبعة السيد الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة آنذاك في اجتماعها في مدينة دوفيل الفرنسية في شهر ماي 2011 بالعمل على إرجاعها ولكنها لم تلتزم بوعدها إلى اليوم

كل هذه الظواهر والتداعيات تثبت مدى خطورة الوضع الاقتصادي الحالي و تدفع نحو ضرورة إعلان حالة الطوارئ الاقتصادي لتفادي المزيد من تدهور الوضع الذي ينذر بخطر داهم لا ريب فيه. فهل ستستجيب رئاسة الجمهورية إلى هذه الدعوة الملحة قبل فوات الأوان؟       


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING