الشارع المغاربي – منير السويسي: شهدت تونس هذا العام، رسوب تلاميذ في الباكالوريا، يدرسون في معاهد نموذجية، وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد منذ إحداث تلك المعاهد التي يتهافت الأولياء على إلحاق أبنائهم بها باعتبارها مسالك تعليمية “نخبويّة“.
وفي 2018، تمّت (وفق وزارة التربية) إعادة 2770 تلميذا يدرسون بهذه المعاهد (أي 12 بالمائة من مجموع تلاميذها)، إلى المؤسسات التعليمية العمومية العادية، بعد أن تدنّت نتائجهم الدراسية ونزلت دون سقف المعدّلات المحدّدة من قبل وزارة التربية للبقاء في “النموذجيات” الثانوية.
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه تونس، ومنذ سنوات طويلة، تدهورا كبيرا في جودة التعليم بمراحله المختلفة (ابتدائي، ثانوي، عالي) سواء على مستوى البرامج، أو المدرّسين (معلمين، أساتذة..) أو التلاميذ والطلبة.
هذا التدهور عبّر عن نفسه مجدّدا هذا العام من خلال حصول 13333 تلميذا من مجموع 51 ألفا اجتازوا مناظرة السيزيام (الاختيارية) على صفر في مادة الرياضيات. ويعتبر هذا الرقم “أفضل” مقارنة بسنة 2017 التي حصل فيها 14000 من مجتازي مناظرة السيزيام على صفر في الرياضيات.
وفي مناظرة باكالوريا 2018، بلغت نسبة الرسوب العامة 59 بالمائة من مجموع المترشحين الذين اجتازوا هذه المناظرة الوطنية، والبالغ عددهم 132250 (بينهم 107981 مترشحا عن المعاهد العمومية و18783 عن المعاهد الخاصة و5486 مترشحا فرديا).
مناظرة “السيزيام” كشفت المستوى “الحقيقي” للتلاميذ
اعتبر وزير التربية حاتم بن سالم خلال جلسة مساءلة أمام مجلس نواب الشعب (يوم 20 جويلية 2018) أن مناظرة السيزيام عكست “المستوى الحقيقي” للتلاميذ.
ونفى الوزير أن تكون اختبارات السيزيام “صعبة” مثلما ذهب إليه الأولياء، قائلا إنّها “عادية وليست صعبة، وموجودة في البرنامج، وكل تلميذ يمكن أن يأخذ فيها العدد المتميّز“.
وشهدت الجلسة تدخل نواب “شعبويين“، بعضهم طالب الوزير بالسماح للتلاميذ الذين حصلوا على معدل 14 على 20 في السيزيام بالالتحاق بالمعاهد النموذجية، باعتبار أنها لم تبلغ طاقة استيعابها القصوى.
وحصل 3200 تلميذ ممن اجتازوا مناظرات الدخول إلى المعاهد النموذجية في 2018 على معدلات تراوحت بين 14 و14 فاصل 99 على 20، وفق وزارة التربية.
وقد رفض الوزير، بشكل قطعي، هذا المطلب “الشعبوي” قائلا إنه “لن يكون قبّار المنظومة التربوية التونسية“.
وذكر أن نواب في مجلس نواب الشعب طلبوا منه سنة 2016، النزول بالمعدل الأدنى المطلوب لدخول المعاهد النموذجية في جهات داخلية إلى 13 على 20.
ومنذ سنة 1992، تصدر وزارة التربية خلال شهر فيفري من كل سنة (أي قبل خمسة أشهر من إجراء مناظرة الدخول إلى المعاهد النموذجية) منشورا تذكر فيه الأولياء بأن المعدل الادنى المطلوب لدخول هذه المعاهد هو 15 على 20، وتعلن فيه عن عدد البقاع المتوفرة بتلك المؤسسات التعليمية.
وبعد “الثورة” قام وزراء ممن تعاقبوا على وزارة التربية بخرق مقتضيات هذا المنشور. وقال حاتم بن سالم في هذا الصدد “في السنوات الفارطة، حصلت تراجعات، وبعض عمل اللوبيات، وحصلت أشياء يندى لها الجبين، وتراجعت وزارة التربية من (اشتراط) معدل 15 على 20 إلى 14 على 20“.
ومنذ سنة 2012، لم تستقبل المعاهد والإعداديات النموذجية العدد الأقصى من التلاميذ الذي تعلن عنه وزارة التربية خلال شهر فيفري من كل سنة. واليوم هناك حوالي 400 مقعد شاغر بهذه المؤسسات، وفق وزارة التربية.
وبحسب حاتم بن سالم فإن 90 بالمائة من المتخرجين من المعاهد الثانوية النموذجية في تونس “تستفيد منهم فرنسا وكندا وألمانيا وغيرها” إذ يسافرون لاستكمال تعليمهم العالي في تلك الدول ويستقرون بها بشكل نهائي.
وقال بن سالم إن “وزارة التربية ستقوم بدراسة شاملة في الموضوع للتفكير في مستقبل الإعداديات والمعاهد النموذجية“.
وتابع “أنا شخصيا ضد الإعداديات والمعاهد النموذجية لأنّها خرق فاضح لمبدأ المساواة (في الفرص) بين جميع المواطنين“.
وأصبح التحاق الأبناء بالمدارس النموذجية محلّ تفاخر بين الأولياء الذين يعتبرونه شكلا من أشكال “الوجاهة” والتميّز الاجتماعي، في حين يرى فيه آخرون طريقا للخلاص من الدروس الخصوصية التي يضطرون إليها اضطرارا إن درس أبناؤهم في المؤسسات التعليمية العادية.
دروس خصوصية وأعداد مضخّمة
وقد أصيب بالإحباط كثير من الأولياء الذين حصل أبناؤهم على معدلات مرتفعة خلال السنة الدراسية لكنهم لم يحصّلوا خلال مناظرة الدخول إلى المعاهد النموذجية، المعدّل الأدنى المطلوب أي 15 على 20.
وقال وزير التربية مخاطبا هؤلاء الاولياء “ابنك حصل على 17 و18 (على 20) خلال السنة الدراسية، هل تعلم لماذا؟ تلك أعداد مضخمة بسبب الدروس الخصوصية، وهي أكبر كارثة وأكبر آفة بصدد تحطيم المنظومة التربوية“.
وتعهّد الوزير بأنه سوف “يعلن، إن بقي في الوزارة، حربا دون هوادة على الدروس الخصوصية في السنة (الدراسية) القادمة“.
ونبّه إلى أن “الدروس الخصوصية هي التي غالطت الأولياء في معدلات أولادهم، وهذا يعلمه الجميع“.
وكان وزير التربية السابق، ناجي جلول أعلن (سنة 2015) أن رقم المعاملات السنوي في سوق الدروس الخصوصية في تونس يتراوح بين 700 مليون دينار ومليار دينار. ويوصي خبراء في التربية بإعادة فرض “إجبارية” مناظرة “السيزيام” و“النوفيام” لتحسين مستوى التلاميذ.
وخلال 14 عاما يقضّيها في الدراسة قبل الجامعيّة (من التحضيري إلى الثانوي) لا يخضع التلميذ التونسي لاختبار تقييمي إجباري إلا في الباكالوريا، وهي حالة فريدة من نوعها في العالم، وفق وزير التربية حاتم بن سالم.
*رئيس “منتدى تونس للصحافة والمعلومات“