الشارع المغاربي – لماذا تدفع السلطات الجزائريّة مهاجري جنوب الصحراء نحو تونس؟!/بقلم: معز زيود

لماذا تدفع السلطات الجزائريّة مهاجري جنوب الصحراء نحو تونس؟!/بقلم: معز زيود

قسم الأخبار

27 مايو، 2023

الشارع المغاربي: وصف “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة” الحدود التونسيّة الجزائريّة، في بيان أصدره مؤخرا، بـ”الحدود القاتلة” للمهاجرين غير النظاميّين (القادمين من جنوب الصحراء الإفريقيّة). جاء ذلك بعد عثور السلطات التونسيّة على تسع جثث لمهاجرين في نقاط متفرّقة من ولاية القصرين على خطّ الحدود بين تونس والجزائر. ذكر المنتدى أنّ أسباب وفاة هؤلاء “تعود وفق المعطيات الأوّليّة إلى البرد والعطش والإرهاق”، وربّما أيضا جرّاء العنف الذي يُكابدونه من مُهرّبي البشر المتصاعدة أعدادهم في كافّة دول شمال إفريقيا بلا استثناء.

لا شكّ في أنّ المنتدى التونسي مُحقّ في وصف هؤلاء بـ”ضحايا السياسات الهجريّة القاتلة للاتّحاد الأوروبي”، ولاسيّما في ظلّ ما تتسبّب فيه سياسات الاتحاد الأوروبي اللاإنسانيّة من “موت وانتهاكات وترحيل قسري واحتجاز وعنصريّة”. لم يتردّد المنتدى كذلك في التنديد بما سمّاه “تواطؤ حكوماتنا وخضوعها للابتزاز (الأوروبي) ومصادرتها لحقوقنا”.

هنا إذن يكمن بيت القصيد، خاصّة أنّ هذا “التواطؤ” لا يقتصر على خضوع السلطات التونسيّة لابتزاز الجانب الأوروبي والعمل بصفة شرطة حدود متقدّمة نيابةً عنه، وإنّما يطرح كذلك دور الدول المجاورة وفي مقدّمتها الجزائر في استنزاف تونس على هذا الصعيد. فهؤلاء المهاجرين الذين قضوا حتفهم على أطراف المناطق الحدوديّة بولاية القصرين لم ينزلوا من السماء وإنّما جاؤوا تحديدا من الجزائر. وإذ لا يمكن لأيّ عاقل أن يتخيّل أنّ قوّات الدرك الجزائري لم تلمح هؤلاء البائسين طيلة رحلتهم على الأراضي الجزائريّة على امتداد مئات بل آلاف الكيلومترات. وإذا كنّا لا نعرف تفاصيل رحلات الموت تلك، فمن اليسير أن نفهم أنّ هناك عمليّة تواطؤ رسمي تتضمّن “توافقات” مع مهرّبي البشر لتحديد مسارات عبور قوافل المهاجرين غير النظاميّين. فبدلا من التوجّه إلى شمال الجزائر للإبحار من سواحلها نحو أوروبا، يتمّ توجيههم إلى الحدود التونسيّة، على أساس أنّ المسافة بين السواحل التونسيّة والإيطاليّة هي الأقصر. والأمر لا يتعلّق هنا بمجرّد تحليل لتلك الخارطة، وإنّما يستند إلى معلومات يُدرك تفاصيلها العارفون بهذا الملف. وفي هذا السياق، أبلغنا شاهد عيان أنّه تابع بأمّ عينه في أكثر من مناسبة “قوافل” تضمّ العشرات من هؤلاء المهاجرين يعبرون الغابات المحيطة بمدينتيْ تالة والقلعة الخصبة. فإذا أمكن لسائر مواطني تلك المناطق ملاحظة عبور قوافل هؤلاء المهاجرين، فما بالك بقوّات الحرس والجيش في كلّ من الجزائر وتونس؟!…

هذا التقديم بمثابة تمهيد ضروري لفهم دعوات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة إلى “تركيز منظومة استقبال وتوجيه إنساني على الحدود الجزائريّة التونسيّة تضمن تقديم الخدمات الإنسانيّة الأساسية لضحايا الطرق الهجريّة القاتلة”. فالحديث عن ضرورة إرساء منظومة استقبال على الحدود بين البلدين يعني بوضوح أنّ أعدادًا هائلة من المهاجرين تدخل الأراضي التونسيّة قادمة من الجزائر. وهنا نُعيد طرح سؤال البداية بصيغ أوضح: لماذا تركن السلطات الجزائريّة إلى الحلّ الأسهل المتمثّل في إعادة توجيه قوافل مهاجري جنوب الصحراء إلى تونس، دون أن تتحمّل مسؤوليّتها في تقاسم العبء الإنساني في إغاثتهم؟ ولماذا ترشّ الملح على جراح تونس، وهي تدرك مدى صعوبة الأوضاع الاقتصاديّة التي تُكابدها بلادنا؟ فهل هذا هو الدعم الذي يعنيه رئيس الجمهوريّة الجزائريّة عبد المجيد تبون عندما تباحث في روما مع رئيسة الوزراء الإيطاليةحول ما يُسمّيه مستضعفو هذه البلاد العظيمة بـ”المسألة التونسيّة”؟.

معلوم طبعًا أنّ السلطات التونسيّة لا يمكنها في ظلّ الوضع الحالي المرتبك أن تفتح جبهة توتّر سياسي جديدة، ولا ينبغي ذلك أصلا، ولكن من دَور كلّ حُرّ أن يُسمّي الأشياء بمسمّياتها، وخاصّة إذا ما تعلّق الأمر بمصالح تونس الحيويّة. كما ليس على هذه البلاد التي تعثّرت جهودها في تحصيل قرض دولي تقلّ قيمته عن 2 مليار دولار أن تطلب شيئا من الجزائر غير الترفّع عن تعميق مشاكل تونس لاعتبارات جيوسياسيّة لا تحتملها. فمن حقّ السلطات الجزائريّة التي رفعت حجم ميزانيّتها الدفاعيّة لسنة 2023 إلى 22 مليار دولار أن ترفض دور شرطي الحدود الجنوبيّة لأوروبا، لكنّ ذلك يجعلها غير عاجزة أيضا عن مراقبة تدفّق المهاجرين على البلاد التونسيّة عبر أراضيها. ومن ثمّة من الواجب مطالبة الجزائر بتحمّل بعض المسؤوليّة السياسيّة والإنسانيّة في ملفّ هؤلاء المهاجرين الذين عصفت بهم الحروب والتجويع وظروف الحياة القاسية في بلدانهم الأصليّة، لا الاقتصار على الإلقاء بهم على عتبات الأراضي التونسيّة. صحيح طبعًا أنّ الاتحاد الأوروبي يعتمد سياسات لا إنسانيّة في التعامل مع قضيّة الهجرة، إلى درجة الضلوع في جريمة التخلّص من المهاجرين الغرقى عبر تشديد القيود على عمل فرق إنقاذ المهاجرين التابعة للمنظمات الدوليّة، ولكن من الأولى والأحقّ ألّا ينخرط أشقاء التاريخ والجغرافيا والدمّ في مناورات لا تليق إلّا بإخوة التراب!…

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 23 ماي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING