الشارع المغاربي – ليلة سقوط الدينار... الرقمي

ليلة سقوط الدينار… الرقمي

21 نوفمبر، 2019

الشارع المغاربي – منى المساكني: أكدت يوم 7 نوفمبر الجاري وسائل اعلام تونسية رسمية وغير رسمية ووكالة الانباء الروسية “تاس” وعدد اَخر من وكالات الانباء العالمية مثل “روسيا اليوم” و AFP انه وعلى هامش انعقاد مؤتمر خبراء النقد في تونس “FOREX CLUB” تم الاعلان عن اطلاق البنك المركزي التونسي ما اعتبرته عملة رقمية سُميت “الدينار الرقمي للبنك المركزي” مع الاشارة بوضوح الى انه يُستند في التصرف فيها على المنصة الروسية المختصة UNIVERSA وهي التي يرأسها “الكسندر بوريتش”.

ولإثبات نجاح عملية الاطلاق جرى تحويل” دينار رقمي” الى ممثل عن صندوق النقد الدولي كان حاضرا في المؤتمر على مرأى ومسمع من الحاضرين وهم مُختصون وخبراء من عدد من الدول اهمها تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وبلدان أوروبية.واعتبر خبراء كبار تونسيون ودوليون ولفيف من ممثلي وكالات الانباء ان ذلك هو بمثابة الايذان رسميا عن دخول تونس مرحلة اعتماد العملة الرقمية المحلية مما يعني تحويل جزء من رأسمال البنك المركزي الى حصة الكترونية.

مسار المناورة

يعني اطلاق العملة الرقمية، وفقا لرئيس الشركة الروسية، التخلي جزئيا عن النقود والاوراق المالية. ووقعت الاشارة الى انه سيتم فتح 2000 “كشك” لتبادل العملة الرقمية والتعامل مع الخارج بها دون المرور بالضرورة بالدولار الامريكي وبالمنظومات العالمية المعتمدة في تحويل الاموال واهمها “SWIFT”مع ابراز ان تونس هي ثاني بلد بعد فنزويلا تنطلق في هذا الاجراء. وتم التوضيح ايضا بأن تونس ستكون محطة أولى قبل نقل البرنامج الرقمي الى عدد من دول جنوب شرقي اَسيا والقارة الامريكية.

غير ان البنك المركزي التونسي نفى يوم الثلاثاء 12 نوفمبر في بلاغ صادر عنه اصدار العملة الرقمية وتعامله مع اَية جهة اجنبية في هذا السياق الفني مبرزا انه بصدد البحث عن بدائل وانه يفكر في تطوير المعاملات النقدية، ليصف الوضعية بأكملها بـ“الشائعات”.

وشدّد البنك المركزي أنّه في إطار التفكير بشأن رقمنة الاقتصاد وطرق الدفع، يجري إعداد دراسة لطرح كل البدائل الممكنة في هذا المجال ومن بين ذلك“العملة الرقمية للبنك المركزي”. وأفادت مؤسسة الإصدار أن هذه البدائل الرقمية لا تزال قيد الدرس مضيفا بانه ينكب حاليا على تطوير التعاملات المالية باستخدام التكنولوجيات الحديثة في بعدها المتعلق بالعملة الرقمية وليس ذلك المتعلق بالعملة المشفرة.وعبر البنك في بلاغه عن استغرابه من اخراج الوضعية من سياقها معتبرا أنّه تمّ الزج به في عمليّة تسويقيّة.

التضارب الصارخ

يبرز بوضوح ان ما جاء من تفاصيل في مؤتمر خبراء النقد وحيثيات اشغاله التي كانت علنية وسجلتها وسائل الاعلام التونسية والاجنبية يتضارب تماما مع نفي البنك المركزي .وفي جميع الحالات فإن نفي البنك المركزي الخطوة التي قام بها لأسباب غير معلومة او مفهومةتبدو على الأرجح متصلة بانه قد وقع التعرض بصريح العبارة خلال مؤتمر خبراء النقد الى ان اصدار الدينار الرقمي سيمكن من التعامل خارج الدولار الامريكي في بعض العمليات الخارجية وكذلك في اطار فك الارتباط بمنظومة التسويات المالية الاوروبية الكبرى “SWIFT”.

ولكن اجراء البنك المركزي الذي تم نفيه مع تفنيد عرض التحويل و التأكيد على انه اخرج من سياقه يأتي في منحى غريب الاطوار لان الخوض في المسائل النقدية الدولية يشكل مجازفة خصوصا اذا اتصلت العملية بالدولار و نظم الدفع التي يسيطر عليها اسياد المال في العالم.

هذا واثار الاستغراب ايضا غياب اي اطار قانوني او تشريعي لإصدار العملة الرقمية يضبُطها مُرّر او سيُمرر للبرلمان. كما كانت هذه المناورة سببا لتعجب التونسيين لعدم ادراكهم مغزاها الحقيقي في بلد لا علاقة لثُلثي سكانه من قريب او من بعيد بأي شكل من اشكال التعامل مع البنوك وغيرها من المؤسسات المالية.

وكانت هذه الخطوة التي كذبها البنك المركزي كذلك مصدراللتوجس لان حصة كبيرة من الاقتصاد -من الصعب تحديدها – تُجرى خارج مسالك التوزيع المُنظّمة وهو الاقتصاد الواهن والمترهل في كل القطاعات.كما انه و في سياق اشمل فان الحجم الكبير للتداول النقدي الصرف خارج الاقتصاد المهيكل و الذي يقدر بـ13239 مليون دينار حسب احصائيات البنك المركزي نفسه يوم 14 نوفمبر الجاري وهو ما يعني ان السلط النقدية التي تفكر في الاتجاه نحو تطوير التعامل الافتراضي لا تتحكم في اكثر من 60% من النقد المركزي في البلاد.

المجازفة في عين اهل الذكر

ولتوضيح هذه الخطوة والاجابة على هذه التساؤلات المحيّرة المتعلقة بها صرح مصدر مطلع وقريب من الملفات المالية الحسّاسة لـ”الشارع المغاربي” ان “عملة البنك المركزي الرقمية” هي في الواقع قريبة تقنيا من العملة الافتراضية المشفرة وانه يصعب تفسير نفي البنك المركزي اطلاقها واصفا ذلك بالسابقة في تاريخه .

وافاد المصدر بان استغلال فضاء الأنترنت و2000 “كشك” لتبادل عملة رقمية غير واضحة المعالم في بلد صغير كتونس يفتقد لبنية اتصالات عصرية يفتح الباب على مصراعيه أمام مجهولي الهوية والمتخفين لإنجاز معاملاتهم مع ما يكتسي هذا المعطى من مخاطر مؤكدا انه يمكن ان يرتع في تونس مستقبلا من أسماهم بـ”الاشباح”  في مفاصل التجارة والاقتصاد لعدم وجود تعقّب ورصد الهويات في بلد تعجز هياكله الرسمية بما لها من امكانات عن تتبع ومجابهة مهربي البطاطا والطماطم والمضاربين فيها حسب تعبيره.

وأوضح المصدر ان من شأن اختيار تونس لهذه التجربة في العالم لتكون نموذجا لدول اخرى ان يثير التعجب من حالة الكساد والضياع التي تميز توازناتها المالية بالكامل مقارنة بمئات البلدان.

كما أشار الى منع جل بلدان العالم العملات الافتراضية وحرصها على استعمال النقود والاوراق المالية ووسائل الدفع القانونية درءا لاستغلال العملات الرقمية والافتراضية والمشفرة في الانشطة الممنوعة بمختلف انواعها ممتنعا عن ذكرها مبرزا سعي البنوك المركزية العالمية لمنع “البيتكوين” مثلا ملاحظا انها عملية افتراضية واسعة الانتشار ترتبط في اغلب الحالات بشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود. وشدد المتحدث على ان ربط تداول عملة ذات سيادة مثل الدينار بمجرد منصة الكترونية قابلة للتوقف والايقاف في كل وقت وموجودة ببلد اجنبي يمثل تهديدا كبيرا لاستقرار البلاد.

واعتبر مصدرنا بالتالي اننا اليوم امام موقف صعب متسائلا “كيف سيقوم المواطنون بتداول عملة رقمية”يفكر” فيها البنك المركزي والدولة لانعترف بها من الاساس ؟ وكيف سيقع ايضا ضمان الحقوق في حالة التعرض لعملية تحيل مقرا بغياب قانون يعترف بالعملات الرقمية من الاساس ؟ كما اشار المصدر المالي الى انه لا يمكن مجابهة عمليات الاختراق مهما كان نظام المعلومات فعّالا مُنبّها  الى ان الامثلة على ذلك كثيرة في العالم محذرا من مخاطر المضاربة على تقلبات الاسعار بناء على هذه المؤشرات .

وختم المتحدث تحليله لافتا الى ان ملازمة اليقظة واعلام الرأي العام بما يجري في البلاد على الساحتين المالية والنقدية ضروري لحماية المجتمع من الانزلاق نحو المجهول و السقوط في فخ الصراع مع اعتى القوى المالية في العالم ظاهرة و خفية مذكرا بان دور السلطة هو حماية العملة الوطنية ودعم اساسيات الاقتصاد الحقيقي القائم على خلق الثروة والعمل بدل التوجه نحو ادوات من غير الممكن مراقبتها والتحكم فيها.

المحاور الكبرى للسياسة النقدية في تونس

ينظم السياسة النقدية التونسية إطار تشريعي قائم على عدد من النصوص تم إقرارها منذ سبتمبر من سنة 1958 شهدت عديد مراجعات أبرزها يتعلق بدخول القانون عدد 1988-119 حيز التطبيق في 3 نوفمبر 1988 و المحدد للمهام المحورية للبنك المركزي التونسي و الذي عدلأيضا عدة مرات آخرها بمقتضى القانونين العضوين عددي 2006-20 و 24-2016 المؤرخين في 2 ماي 2006 و24 افريل 2016 والموضحين لدور مؤسسة الإصدار وشروط استقلاليتها.

ويذكر ان اقرار قانون استقلالية البنك المركزي يندرج في اطار طلب المؤسسات المالية الدولية الدائنة و على راسها صندوق النقد لعزل السلط المالية و الحكومة تماما على التدخل في تنظيم المجال النقدي و ترك المجال مفتوحا للتكيف مع ابتكارات و تجارب العولمة في هذا الميدان الحساس بعيدا عن متطلبات التناغم مع المصالح المالية و السعي قدر الامكان لضمان خلاص تونس لديونها في جميع الحالات حتى ولو انهارت المالية العمومية وعم الفقر واندثرت كل القيم التي تعمل الدولة التونسية وأية دولة في العالم على ترسيخها كضمان الشغل والكرامة البشرية بمعناها العام.

وبناء على ما سبق، اصبحت بعد قانون الاستقلالية لسنة 2016 السياسة النقدية بعيدة عن أهم مجالات الحكم المالي، و صار من المستحيل اتخاذ المعطيات النقدية موضوعا لتأطيرها و تنظيمها وتعديلها في تناغممع حركية النقد في علاقته بالدورة الاقتصادية من جهة، وما يشكله الثبات، على هذا المستوى، من مناخ ملائم للأعمال والاستثمار من جهة أخرى.

ويبرز تطبيق هذه السياسة من خلال مجموعة من الأدوات المختلفة التي تندرج في سياق واحد وهو  التصرف في الفائدة و السيولة  و الصرف بما حقق ارباحا كبرى للبنوك و المؤسسات المالية بعد الترفيع منذ ديسمبر 2017 في نسبة الفائدة المديرية بـ 3.5% دفعة واحدة وهو ما انجر عنه تحقيق البنوك لأرباح سنوية تتحاوز الفي مليار دينار، في جانب و ادى الى تأثر بالغللأسر التونسية بارتفاع اقساط قروضهم التي تصل الى 24 مليار دينار الى ابعد حد وتعثر 76% من الشركات حسب تقارير المنظمات المهنية في، جانب اخر. كما ساهم الضخ المتواصل للسيولة دون قيمة مضافة حقيقة اقتصاديا تقابلها الى ارتفاع قياسي للتضخم وتدهور الدينار الذي قام البنك المركزي بكافة المجازفات لتثبيت سعره اصطناعيا في ظل انخرام شامل لموازين مالية الدولة والمبادلات التجارية والمالية مع الخارج.

وفي هذا الاطار تقوم معظم التقييمات في خصوص مناهج السياسة النقدية المتبعةعلى ضرورة تحديد موقعها بالاستناد إلى دورها في الديناميكية الاقتصادية الكلية و الجزئية خارج المنطق الربحي و التعلل بمجابهة ارتفاع الأسعار (6.5% اخر اكتوبر) دون جدوى إذ اعتبرت جل الاجراءات التي يتخذها البنك المركزي تستخدم اساسا بغرض التأثير على العرض النقدي بطريقة ما من خلال تبني نصوص وترتيبات معينة للغرض في سياق التوسع أو الانكماش بغية تحقيق أهداف محددة بصفة عامة لا فاعلية لها في مجال دعم الادخار و الاستثمار ومكافحة الكساد.

ومن المؤكد أن مثل هذه المقاربة هي أحد أهم أسباب الاختلال الاقتصادي الداخلي والخارجي، إلى جانب متغيرات متعددة بحكم ارتباطها بالمشاكل المختلفة التي تعانيها البلاد و من بينها البطالة و التضخم و انزلاق سعر صرف الدينار مقابل العملات العالمية المرجعية  فضلا عن تشتت جهود المؤسسات المالية وضعف مردود أصولها (1.3%) و أموالها الذاتية (4.5%).

كما يتعين عدم تجاهل إشكالات تناسق السياستين النقدية و الاقتصادية وذلك من أجل تحقيق الاستقرار الداخلي، حيث لم  تستخدم، في هذا الميدان، إحدى أهم الآليات لامتصاص فائض القوى الشرائية في سوق السلع والخدمات وذلك عن طريق استقطابه في شكل نواتج إيداع وادخار على النحو الأمثل.وتجدر الإشارة إلى العجز المسجل أيضا فيما يهم التأثير على سعر صرف العملة الوطنية بالقدر الذي يقلل من حدة العجز في ميزان المدفوعات ولتحقيق التوسع الاقتصادي بتعزيز الإنتاج قصد مجابهة الاختلال بين التيارين النقدي والسلعي.

ابرازات :

  • في إطار التفكير بشأن رقمنة الاقتصاد وطرق الدفع، يجري إعداد دراسة لطرح كل البدائل الممكنة في هذا المجال ومن بين ذلك“العملة الرقمية للبنك المركزي”.

 

  • السلط النقدية التي تفكر في الاتجاه نحو تطوير التعامل الافتراضي لا تتحكم في اكثر من 60% من النقد المركزي.

 

  • كيف سيقوم المواطنون بتداول عملة رقمية”يفكر” فيها البنك المركزي والدولة لانعترف بها من الاساس؟.

اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING