الشارع المغاربي – ماذا‭ ‬وراء‭ ‬تهكّم‭ ‬واستهزاء‭ ‬الغنوشي‭ ‬بقيس‭ ‬سعيد؟/ بقلم: أنس‭ ‬الشابي

ماذا‭ ‬وراء‭ ‬تهكّم‭ ‬واستهزاء‭ ‬الغنوشي‭ ‬بقيس‭ ‬سعيد؟/ بقلم: أنس‭ ‬الشابي

قسم الأخبار

5 مارس، 2022

الشارع المغاربي: في الاجتماع الأخير لجماعة “ضد الانقلاب” حضر الغنوشي وألقى كلمة خصّصها لرئيس الدولة تجاوز فيها كل الحدود وهو أمر لم نتعوّده منه طوال الفترات الماضية. فحتى في عهد الزعيم بورقيبة لم يتجرّأ على شخصه لا في المحاكمات ولا في تصريحاته وبياناته وكذا الشأن مع الرئيس السابق زين العابدين بن علي رحمهما الله. اليوم يوجّه الغنوشي سهامه لرئيس الدولة بنبرة استهزاء وتهكّم لا تليق لا به هو وهو يدعي أنه رئيس برلمان ولا بمقام الرئاسة. ففي دقائق معدودات:

1) قال الغنوشي عن قيس سعيد “موش متوفرة فيه صفات الحاكم المعتادة” تعليقا على قول لأحد أنصار الرئيس بأنه رئيس غير تقليدي. وفي تقديري أن هذا الوصف يصحّ وينطبق على الغنوشي ذاته الذي لا تتوفر فيه أية من صفات الرئاسة ولو على مفحص قطاة، ولنا في السنتين اللتين قضاهما على رأس البرلمان أكبر دليل على ذلك حيث ساهم في نشر العنف داخل المجلس بل ووصل به الأمر إلى منع الحماية عن رئيسة كتلة الدستوري الحرّ حتى يُيَسّر الاعتداء عليها من قبل أنصاره وهو ما حدث بالفعل. كل هذا فضلا عن تلاعبه بالقوانين الداخلية وعجزه عن تسيير الجلسات بحياد. علما أن صفات الحاكم الموفّق كالصدق والحياد والبصيرة والترفّع عن صغائر الخسّة والعفو عند المقدرة والتغاضي عن البسائط لا يتعلّمها المرء بل هي هبة ربانية كل ما هناك أن التجربة تصقلها وتهذّبها. فبورقيبة لمّا رأس الدولة جلب معه شُبّانا في العشرينات من عمرهم وحمّلهم مسؤوليات جساما واستطاع بهم أن يبني جمهورية ويقيم نظاما عصريا. وللإفادة أنقل ما جاء على لسان المناضل علي المعاوي حتى يتبيّن القارئ معنى القيادة وما يجب أن يتوفّر في الحاكم. قال المعاوي إنه كان في خلاف قضائي حول منزل مع شخص من أنصار الزعيم بورقيبة إبان الخلاف اليوسفي، وأن علالة العويتي تدخل لدى الرئيس لفائدة الخصم مستغلا انتماء المعاوي إلى اليوسفية معتقدا بذلك أنه سيغيّر مسار القضية ولأن بورقيبة رحمه الله رجل دولة ويزن الأمور بموازينها الحقيقية رفض ذلك قائلا: “تحبوني نبقى نتبع فيه حتى على الخرب؟” (1) ، في حين نجد أن الغنوشي الذي قضى حياته على رأس نحلته في السرّ وفي العلن في الداخل وفي الخارج يفشل فشلا ذريعا في إدارة جلسة برلمانية.

2) وقال الغنوشي إن كلام سعيد “موش عربية فصيحة، عربية ركيكة” وانتقل إلى شتم الرئيس واتهامه بضعف العقل والرأي وهو المعنى اللغوي للفظ ركيك، علما أن المرء لا يتعلم الفصاحة والخطابة  وإنما هما هبة. فالشيخ محمد الفاضل ابن عاشور كان خطيبا مفوّها لا يشقّ له غبار إن أسبل يديه وانطلق في درسه أو محاضرته في حين نجد أن والده صاحب التفسير والتحقيقات والكتب الكثيرة لا يحسن الخطابة. وقد حفظ لنا تاريخ هذا الوطن عددا من الأسماء التي اشتهرت وعرفت بامتلاكها هذه الخصيصة كالشيخ عبد العزيز الثعالبي والزعيم بورقيبة وعلي البلهوان وصالح بن يوسف وغيرهم، علما .أنه ليس هناك رابط بين رجاحة العقل وحسن التصرف والخطابة. فالهادي نويرة لمّا عُيِّن على رأس الوزارة الأولى لمعالجة الوضع الاقتصادي نجح في ذلك ولكنه لم يكن يحسن الخطابة ولم يكن قادرا على التأثير في الجموع. وإن أنسى فلا  أنسى صديقي المرحوم حسن الغضباني أحد أكثر الخطباء حضورا في الجامعة وفي المساجد وهو ما سبّب له متاعب مع الغنوشي الذي حاول إرساله إلى أستراليا للدعوة للإسلام والتخلص من تأثيره(2).

3) أما ثالثة الأثافي فقول الغنوشي إن التوانسة الذين ذاقوا طعم الانتقال الديمقراطي النهضوي طوال 10 سنوات لن يعودوا إلى “زريبة الرئيس”. والزريبة لغة تعني البيت الذي توضع فيه الأبقار والبهائم. والذي يمكن استنتاجه ممّا ذُكر أن الغنوشي يصف معارضيه بأنهم من صنف الغنم والماشية وأن الرئيس ليس إلا “السارح”. وبقوله هذا يتجاوز الغنوشي كل الحدود إذ لا يكتفي بالتجرئ على الرئيس بل يمرّ إلى شتم مخالفيه. بعد كل هذا لماذا يحاكم الشباب على انفلاتاته القولية في الفضاء الافتراضي إن كان ربّ البرلمان بالدفّ ضاربا؟.

4) يختم الغنوشي كلمته بالقول إنه ومسانديه اليوم في وضعية حركة وطنية، وهو كلام خطير يُخفي استعداده لاستعمال العنف بكل أشكاله وصوره وهو خيار ثبت تاريخيا أن الفرع المحلي للتنظيم الدولي للإخوان يلجأ إليه كلما ضاقت به السبل. وإن كان من الجائز لأية حركة وطنية أن تستعمل العنف لتحرير بلادها من الاستعمار فإن الأمر لا يستقيم في حالتنا لأن الخلاف في هذه الحالة هو حول من يحكم من أبناء الوطن بصرف النظر عن عقيدتهم وليس حول الوطن ذاته. والذي يجب أن نضعه في الاعتبار أن الحركات الإخوانية جميعها تعتبر أن أي حكم من غير نحلتها تجب مقاومته لأنهم لا يؤمنون بالوطن بل بالأمة الإسلامية والوجوب لديهم يقصدون به الفرض كما هو في الصلاة والزكاة وغيرهما من الفروض الدينية إن قام بها المؤمن يثاب وإن امتنع عنها يعاقب. قال: “إن المتتبّع بقلب سليم جملة نصوص الإمام حول موقفه من الأحزاب يدرك بجلاء لا غبش فيه أن التعدّد الحزبي- على الأقل بالنسبة للأمم الناشئة – غير جائز، وأنه إذ يدعو إلى اعتماد النظام النيابي لا يرى ضرورة للتعدّد الحزبي، فهو لا يدعو إلى حلّ أحزاب فاسدة لإحلال أحزاب وطنية فاعلة محلّها بل يدعو إلى حلّ الأحزاب وإحلال حزب واحد محلّها يجمع قوى الأمة….. إن حديث الإمام ولئن تنزّل في ظروف خاصة بمصر فإن سياقه العام يتجاوز الظرف ليندرج ضمن قواعد النظام الإسلامي…. وأن الأحزاب المذمومة يقابلها حزب واحد هو حزب الله”(3) وهو ما يعني أن أي حكم غير إخواني تجب مقاومته ولأن مصطلح الجهاد والتكفير لم يعد مستساغا في بلادنا لجأ إلى تشبيه معركته مع قيس سعيد بأنها تندرج ضمن ما سماه حركة وطنية.

رغم خطورة ما جاء على لسان الغنوشي لم نشاهد أي رد فعل من الرئاسة وهو  أمر لا يشي بالخير إذ لا يخلو الحال من احتمالين:

أ‌) إما أن قيس سعيد متفق مع الغنوشي مباشرة أو بواسطة ما على حمايته وحماية نحلته من المحاسبة بعد عشر عجاف أدّت بالدولة إلى الإفلاس وبالشعب إلى المزيد من التفقير حيث ضمرت الطبقة الوسطى صمّام الأمان وتدحرجت إلى الفئات الدنيا، ولدينا مؤشرات عديدة على أن فرضية الاتفاق هذه – الذي لا يختلف عن التوافق مع الباجي إلا في الإخراج – ممكنة من بينها الإبقاء على الحراسة الرئاسية للغنوشي رغم أنه وصف جنودنا مؤخرا بالطواغيت وحماية بؤرة القرضاوي والتغافل عن فتح ملفات الفساد والتسفير المتعلقة بالفرع المحلي للتنظيم الدولي، أما جرأة الغنوشي على الرئيس في هذه الحالة فمقصودة للإبقاء على القطيع في حالة استنفار لأن النحل الدينية لا تعيش وتنتشر إلا باختلاق الأعداء وتأمّلوا مليّا مسيرة الحركة لدينا حيث تجدون أنها طوال الفترة التي قضتها في السرية وفي العلنية كانت طاردة ولا تعيش إلا على جثث الأعداء ولم تكن مجمّعة حتى في الفضاء الديني الذي تنتسب إليه. 

ب‌) أو أن هناك ضغوطا أجنبية على الرئيس سعيد للإبقاء على الحركة في المشهد السياسي وفرضها في المعادلات السياسية المستقبلية رغم الرفض الشعبي لها الذي ظهر يوم 25 جويلية لمّا اتجهت جموع المتظاهرين إلى مقرات حركة النهضة ودمّرتها.

وفي كلا الحالتين فإن النتيجة واحدة لأنها تصبّ في خانة الغنوشي داعية الاستبداد الديني قال: “إن الاستبداد الديني بخلفيّة إسلامية قد يكون أقل وطأة من الاستبداد بخلفيّة علمانية”(4) وهو ما يعني أن معركتنا معه ومع نحلته البارحة واليوم وغدا ليست من أجل قيام نظام ديمقراطي بل لمنعه من فرض نظام استبداد ديني والشرط الأساسي للنجاح في معركتنا هذه هو الإعلاء من صفة المواطن أساسا لتحديد الحقوق والواجبات وليس الإيمان كما يدعو إلى ذلك الإخوانجية ومن شاكلهم، أي الفصل بين الدين والسياسة وإرجاع الدين إلى خانته الأصلية التي هي الحياة الخاصة ومنعه من التدخل في ما هو عام مشترك بين الناس تحدّده المصلحة وليس الإيمان الفردي. 

—————-

الهوامش

1)        “ذكريات” علي المعاوي، منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية، منوبة 2007، ص742 و743.

2) مجلة حقائق العدد 113 بتاريخ 11 أفريل 1986 ص23.

3) “الحريات العامة في الدولة الإسلامية” راشد الغنوشي، الطبعة التونسية 2011 ص289 و290. 4) “تجربة نضال” راشد الغنوشي، نشر مركز الناقد الثقافي، دمشق 2011.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 1 مارس 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING