الشارع المغاربي – ما‭ ‬يحصل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هو‭ ‬تطبيق لاستراتيجية‭ ‬أمريكية‭ ‬وُضعت‭ ‬سنة‭ ‬1997/ بقلم: ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬مصطفى

ما‭ ‬يحصل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هو‭ ‬تطبيق لاستراتيجية‭ ‬أمريكية‭ ‬وُضعت‭ ‬سنة‭ ‬1997/ بقلم: ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬مصطفى

قسم الأخبار

18 مارس، 2022

الشارع المغاربي: لا شك ان الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا تشكل محطة مفصلية في صراع روسي امريكي أطلسي على النفوذ في أوروبا انطلق مطلع الالفية الثالثة بالتوازي مع سيطرة الرئيس فلاديمير بوتين على دواليب الحكم في روسيا الاتحادية التي كانت قد مرت بمرحلة ضعف وهوان سياسي واقتصادي في ظل حكم الرئيس بوريس التسين، مما الحق اضرارا بالغة بمصالحها الاستراتيجية والأمنية فضلا عن فقدان مكانتها ونفوذها الدولي في ظل الأحادية القطبية التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي. اللافت ان الرئيس بوتين أكد، في معرض تبريره للحرب على أوكرانيا، على الطابع الاستباقي لهذا الهجوم الذي جاء ردا على الخطر الداهم والوجودي الناجم عما يعتبره تمددا عدوانيا للحلف الأطلسي باتجاه الحدود الروسية وذلك في خرق واضح للتعهدات الامريكية بعدم تحويل أوروبا الشرقية، المتحررة من النفوذ السوفياتي الى مصدر تهديد للأمن القومي الروسي. وأضاف انه لن يكرر أخطاء القيادات السوفياتية السابقة التي صدّقت التعهدات الامريكية الأطلسية بعد الحرب الباردة مثلما سبق لها ان هادنت الحكم النازي في بداية الحرب العالمية الثانية ما أدى الى الخسائر البشرية والمادية الفادحة التي دفعها الشعب السوفياتي ثمنا لتحرره والقضاء على النازية مذكرا بان الاتحاد السوفياتي هو الذي تحمل العبء الأكبر لتحرير أوروبا من ألمانيا الهتليرية.

الوجه الخفي للحرب في اوكرانيا

كما أشار الى ان هدف الحرب هو تجريد أوكرانيا من السلاح وتحييدها وكذلك التصدي الى من وصفهم بالنازيين الجدد، ما يعني انه عازم على الإطاحة بالمنظومة الحاكمة في كييف وتنصيب نظام موال يقبل بالضمانات الأمنية التي تطالب القيادة الروسية الحلف الأطلسي بالالتزام بها في أوروبا، ومنها القطع مع سياسة محاصرة روسيا ومداهمتها في محيطها الأمني الحيوي فضلا عن إزالة الأسلحة النووية وكافة مصادر تهديد الامن القومي الروسي من القارة الأوروبية.

وللتذكير ان ما يحصل اليوم في أوكرانيا هو حصيلة التطبيق الحرفي للاستراتيجية التي كشف عنها كبير المنظرين الاستراتيجيين الأمريكيين بريزنسكي في كتابه الصادر سنة 1997 حيث كشف ان الهدف الأسمى للسياسة الامريكية في أوروبا هو السيطرة على أوكرانيا في إطار سياسة احكام الحصار على روسيا وصولا الى تقسيمها والحيلولة دون تعاونها مع ألمانيا باعتبار أن ذلك سيضرب في الصميم الهيمنة الامريكية المستندة الى إبقاء أوروبا في تبعية امنية وطاقية إزاء الولايات المتحدة الامريكية. وتتقاطع هذه السياسة مع استراتيجية مواجهة الصين الشعبية ومحاصرتها في محيطها الأمني والحيلولة دون نجاح تحالفها مع روسيا الموجه الى انهاء الأحادية القطبية وإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية بما يعكس موازين القوة الدولية الحقيقية في المجالات الاقتصادية والعسكرية التي لم تعد لصالح الولايات المتحدة الامريكية.

الملاحظ ان روسيا كانت تتهيأ منذ سنوات لهذا النزاع – المرتبط بالانقلاب الموالي للغرب الذي شهدته أوكرانيا سنة 2014-  مثلما  كانت تتوقع السيل الجارف للمواقف الغربية الأطلسية المناهضة  لعمليتها العسكرية في أوكرانيا وما رافقها من تضييقات اقتصادية واجراءات عقابية امريكية أوروبية تستهدف الضغط على الرئيس الروسي لإرغامه على وقف القتال وسحب قواته. وفي ظل موازين القوة الدولية الراهنة، يجوز التساؤل عن مدى قابلية الاقتصاد الروسي ومدى قدرة القيادة الروسية، على التصدي لهذه الضغوط وتجاوز كافة العقبات التي تضعها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون للحيلولة دون تحقيق الأهداف الاستراتيجية العميقة التي تصبو اليها روسيا والمتمثلة أساسا في إعادة التوازن الى العلاقات الدولية وانهاء المساعي الامريكية لتأبيد سياسة الهيمنة الأحادية التي نجحت في بسطها على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي 

في هذا الصدد يجدر التذكير بان التحرك الروسي في أوكرانيا يندرج في إطار استراتيجية متعددة الأوجه، منسقة أساسا مع الصين الشعبية وبعض الأطراف الدولية الأخرى الوازنة، وهي لا تقتصر على تعديل موازين القوة العسكرية مع الولايات المتحدة بل تشمل أيضا احداث تجمعات وتحالفات إقليمية واقتصادية كفيلة بالحد من الهيمنة الاقتصادية والمالية الامريكية الغربية على المبادلات العالمية. ومن ضمن هذه التجمعات المستحدثة، نشير الى مجموعة “البريكس” الساعية لإيجاد بدائل مؤسساتية لأدوات هذه السيطرة التي تمارسها الولايات المتحدة أساسا عبر مجموعة السبع وصندوق النقد الدولي وغيرها من التجمعات العاملة على فرض الكوكبية الاقتصادية والتحكم في ثروات ومقدرات الشعوب لصالح الكتلة الغربية. وعلى صعيد متصل نشير في ما يلي الى بعض الخطوات والتدابير المتخذة خلال العقدين الماضيين من قبل القيادة الروسية لتحصين روسيا ودعم موقفها الجيو السياسي تحضيرا لهذه المواجهة الحيوية والمصيرية بالنسبة للرئيس بوتين:  

 – اعداد برنامج شامل لتطوير وتحديث قطاع الصناعات الحربية والقوات المسلحة الروسية لجعلها قادرة على الحد من مقومات التفوق العسكري للولايات المتحدة الذي كان احدى الأدوات الرئيسية التي تأسست عليها سياسة الهيمنة الامريكية المستندة الى السيطرة الجوية والبحرية والقدرة على التحكم في مواقع وممرات انتاج الطاقة والثروات ومسالك توزيعها. وقد مكنت هذه السياسة روسيا من التدخل العسكري للدفاع عن مصالحها الحيوية في محيطها الأمني المباشر على غرار تدخلها في جورجيا سنة 2008 وفي جزيرة القرم سنة 2014 حيث وقع ضمها الى الأراضي الروسية في اعقاب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الاوكراني الموالي لروسيا.

-التدخل العسكري في سوريا سنة 2015 سعيا لإعادة تموقع روسيا الدفاعي خارج حدودها بهدف التصدي للحروب التوسعية الأحادية التي شنها الحلف الأطلسي في ظل الأحادية القطبية لتوسيع نفوذه وللإطاحة بالنظم الموصوفة بالمعادية لمصالحه ومصالح حلفائه، ومنها التدخل الأطلسي في ليبيا وفي المنطقة العربية في اعقاب الانتفاضات العربية وقبلها الحرب على يوغسلافيا وحرب احتلال العراق وغيرها.

– العمل على الحد من تأثير سياسة العقوبات الغربية الأطلسية على روسيا من خلال توسيع دائرة التعاون والتبادل التجاري مع الخارج وتنويع الشراكات الخارجية مع شركاء رئيسيين واستراتيجيين. ومن ضمن هؤلاء الصين الشعبية والهند وباكستان وتركيا ومصر وعديد الدول الأوروبية (منها المانيا) المرتبطة مع روسيا بصفقات كبرى للتزود بحاجاتها في المجالات الحيوية كالطاقة والغاز والأسلحة فضلا عن تامين حاجاتها من الحبوب علما ان روسيا من اهم المزودين الدوليين لهذه المواد.

ويبدو جليا ان هذه السياسة الاستباقية ستساعد روسيا على الحد نسبيا من هول التدابير العقابية الامريكية الأوروبية المسلطة عليها جراء اقتحام الأراضي الأوكرانية سيما في ظل ما انكشف من خلافات وتباينات كبرى صلب الحلف الأطلسي وداخل الاتحاد الأوروبي حول مدى جدوى اللجوء الى سياسة العقوبات ومدى نجاعتها في التأثير باتجاه حل على الازمة الأوكرانية.

تداعيات الحرب في أوكرانيا على الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي والمتوسط

كشف الصراع في أوكرانيا عن انشقاقات وتضارب واضح في المواقف والمصالح صلب الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي وخاصة بين الولايات المتحدة التي تدفع نحو التصعيد والقطيعة مع روسيا من ناحية ومن ناحية ثانية المانيا وفرنسا المدركتين لأهمية الحفاظ على جسور التواصل والتعاون الروسية الأوروبية باعتبار الطابع الحيوي للعلاقات التجارية مع الجانب الروسي في المجالات الطاقية والغازية.

وإذا تم تقدير النزاع بمعيار الربح والخسارة، فلا شك ان الدول الأوروبية والمشروع الأوروبي يبدوان من أكبر المتضررين جراء عجز القادة الأوروبيين عن التحرر من تبعيتهم للولايات المتحدة رغم ادراكهم حقيقة نوايا الإدارة الامريكية غير المعنية بتوفير الامن والحماية للشعوب الأوروبية بقدر حرصها على الحفاظ على مصالحها وأهدافها حتى على حساب الامن والاستقرار في أوروبا والمتوسط.

 اما تونس والبلدان العربية ودول جنوب المتوسط عموما، فقد أظهرت الازمة مدى هشاشتها وتبعيتها وافلاس سياساتها بسبب افتقارها القيادات القادرة على استباق الاحداث واستشراف المخاطر مما أدى الى تعريض شعوبها وبلدانها الى تهديدات وجودية لا يمكن التكهن بمآلاتها.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 15 مارس 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING