الشارع المغاربي – مدير يستغل حافلة للسطو ووزارة النقل لا تُنصف المبلّغين/ تحقيق: محمد الجلالي

مدير يستغل حافلة للسطو ووزارة النقل لا تُنصف المبلّغين/ تحقيق: محمد الجلالي

قسم الأخبار

11 ديسمبر، 2021

الشارع المغاربي: في تكريس لسياسة الإفلات من المحاسبة تسبّب صمت وزارة النقل وتستّر إدارة الشركة الوطنية للنقل بين المدن في تشريد عدد من أعوان الناقلة العمومية بينما حظي من يشتبه في ضلوعهم في تكوين وفاق إجرامي للسطو والتحيّل والابتزاز بالحماية.

سيناريو الاستيلاء والسرقة تكرّر في نفس الشركة ومن قبل الرئيس السابق لمحطة باب سعدون للنقل البري – نفس الفاعل الأساسي- بعد 17 سنة من عزله نهائيا من الوظيفة العمومية بتهم الاختلاس ومخالفة القوانين والتراتيب الإدارية في إساءة لسمعة الشركة وإهدار لأموال عمومية.

حكاية الحافلة رقم 154؟

في مستهل سنة 2020، قرّر ر.س الرئيس السابق لمحطة باب سعدون للنقل البري تكليف أربعة أعوان بتأمين سفرة تُعد «الأقصر والأغرب في تاريخ الشركة» وفق تأكيد العون لسعد لـ «الشارع المغاربي».

يقول لسعد، وهو اسم مستعار: «طلب منا رئيس المحطة التحوّل على متن الحافلة 154 الى مقر بناية لا تبعد سواء بضعة أمتار عن المحطة. إثر وصولنا تكفّل زملائي صحبة شخصين كانا في انتظارنا بشحن كميات من الرخام من داخل البناية التي مازالت بصدد الإنجاز.»

ويكشف لسعد في شكاية وجّهها في 13 فيفري 2020 الى وزير النقل: «حملنا البضاعة المسروقة الى مسكن وظيفي على ذمة ر.س كان بصدد الترميم داخل محطة باب سعدون، حينها اكتشفت اننا قمنا بعملية سرقة.»

لسعد كان دليلنا خلال الاسبوع المنقضي للتحول الى البناية المجاورة لمحطة باب سعدون، مسرح جرائم الاستيلاء على مواد البناء، فتبين انها كائنة قبالة المدخل الرئيسي للحافلات ويفصلها عن المحطة طريق معبد.

يتذكر لسعد اطوار السرقة قائلا: «كان بعض الزملاء يستغلون خلو المحطة من المسافرين عشية كل يوم للسطو على الرخام المرصّف بالبناية او قرب جدار المحطة ثم ينقلونه الى المسكن الوظيفي الذي كان على ذمة رئيس المحطة. وتكررت عمليات النهب تارة عبر الحافلة رقم 154 وأخرى مشيا على الاقدام.»

وتؤكد ياسمين (اسم مستعار لعون بمحطة باب سعدون) انها لمحت عددا من زملائها بصدد افراغ كميات من الرخام من الحافلة وتصفيفها في ركن غير بعيد عن المسكن الوظيفي.

من جانبه يلاحظ لسعد ان عمليات النهب تزامنت مع أشغال ترميم المسكن الوظيفي وانه تم استغلال اغلب الرخام المسروق لإصلاحه.

ويؤكد انه أصبح يتفادى الانصياع لمطالب رئيسه المباشر بالانخراط في عمليات النهب وان ذلك تسبب في تعرضه إلى التهديد مشيرا في شكايته لوزير النقل الى ان «رئيس المحطة هدّده بالطرد في صورة كشف حقيقة عمليات الاستيلاء على كميات الرخام والى انه وعده بالترقية اذا لزم الصمت.»

اثر الشكاية تمت نقلة لسعد من محطة باب سعدون الى مستودع الحافلات ببن عروس قبل ان تتم اعادته الى محطة باب سعدون مع تعيين رئيس محطة جديد.

كما تؤكد ياسمين انها تعرضت الى نقلة تعسفية الى محطة الحافلات بباب عليوة بعد ان رفضت الانصياع لطلب رئيس المحطة باتهام زميل لها بمحاولة التحرش بها.

وتلفت الى ان الرئيس ر.س بات يستغل نفوذه لاخضاعها لاستجواب شبه يومي والى ان «التعسف الاداري دفعها في احد الايام الى التخلي عن هدوئها المعهود واتهامه امام المسافرين بالضلوع في السرقة والنهب والتلاعب بالفواتير.

عون أخر توجه بشكاية الى وزير النقل في منتصف فيفري 2020، وهو سائق بالشركة الوطنية للنقل بين المدن.

يؤكد سرحان في شكايته: «كان رئيس المحطة يستغل حقي في الحصول على نقلة من محطة باب سعدون الى احدى ولايات الجنوب التونسي لابتزازي.

ويوضّح: «كان يرغمني على تزويده باصناف شتى من البضائع سواء كانت خمورا أو عطورا او غلالا وخضروات فضلا عن اجباري على تمكينه من مبالغ مالية بدعوى استغلالها للتقرب من الرئيس المدير العام السابق والتسريع في نقلتي.»

اتهام وبعد

بعد تزايد الشكايات الموجهة الى كل من وزارة النقل وادارة الشركة الوطنية للنقل بين المدن والتي حصل «الشارع المغاربي» على نسخ منها، تحركت ادارة التفقد والتدقيق بالشركة وانجزت عملية تفقد لمحطة باب سعدون في 14 سبتمبر 2020.

ويشير استجواب موجه إلى رئيس المحطة في 17 ديسمبر 2020 إلى أن «أعوان الرقابة ضبطوا كمية كبيرة من مواد التنظيف مخزنة باحد المكاتب تقدر بـ 17500 دينار، غالبيتها كانت منتهية الصلوحية وضبطوا ايضا وثائق ادارية متمثلة في دفاتر تسليم ايرادات ولفائف خاصة بالات اقتطاع التذاكر.»

واتهم فريق التفقد رئيس المحطة بأنه كان يرسل دوريا طلبيات في المواد المخزنة دون التثبت من توفرها وان هذا يعد خطأ وتهاونا في الالتزام بواجبه انجرت عنه خسائر للشركة.

وبيّن مصدر بالشركة فضل عدم الكشف عن هويته ان رئيس المحطة كان يخزّن كميات هائلة من مواد التنظيف واللوازم عوض استغلالها لتبرير الشراءات الوهمية التي انجزها معتمدا على فواتير مدلّسة في صورة خضوعه لعمليات تفقد.

في نفس السياق قالت موظفة بالشركة ان بعض المقربين من رئيس المحطة كانوا يرفضون تمكين بعض المسافرين من حقائبهم المنسية عند طلبها وانهم كانوا يعمدون الى استغلال بعض ملابسهم المتروكة لاستعمالها في تنظيف الحافلات بينما كانت لوزام التنظيف مخزنة في مكتب مقفل.

وتكشف وثيقة حصل عليها «الشارع المغاربي» من مصدر بالشركة ان رئيس المحطة كان يخزن أكثر من 5000 قطعة من مواد تنظيف ووثائق ولوازم كهربائية وأجهزة تلفاز وغيرها قدرت ادارة التفقد والتدقيق بـ sntri قيمتها بـ17500 دينار.

من جهة أخرى يستغرب بعض الأعوان عدم تحرك الوزارة او إدارة الشركة للتحري في بعض الاتهامات التي وجهها بعض منظوريها بمحطة باب سعدون تعلقت خاصة باستغلال رئيسها حافلات عمومية لتحقيق منفعة شخصية.

في هذا الاطار يؤكد العون لسعد انه سبق له ان أعلم الادارة العامة للشركة بأن رئيس المحطة كان يستغل بعض اوقات الذروة بمناسبة عيدي الفطر والاضحى لتنظيم سفرات بين تونس العاصمة واحدى مدن الشمال الغربي في أوقات مبكرة وان عائدات السفرات كانت تذهب الى جيوب حلقة مصغّرة من الاعوان.

ويوضح: «خلال فترة الاعياد الدينية كان رئيس المحطة ينظم سفرات نحو الشمال الغربي ثم يستعيد التذاكر المقتطعة لاستغلالها في سفرة ثانية.»

ويضيف: «ما لاحظته ان الادارة العامة لم تفتح بحثا في الموضوع لكنها باتت تشدّد الرقابة على السفرات خلال الاعياد الدينية.»

يذكر ان ادارة الشركة الوطنية للنقل بين المدن كانت قد اتخذت في اكتوبر 2003 قرارا يقضي بعزل رئيس المحطة عزلا نهائيا بعد ثبوت اقترافه جرائم تحيل وتدليس تذاكر سفر شبيهة بما تم تأكيده من طرف العون لسعد في فيفري 2020.

ويؤكد تقرير منجز من قبل ادارة الاستغلال بالشركة في سبتمبر 2003 ان مدير المحطة ر.س ارتكب عدة تجاوزات لما كان يشغل خطة قابض قبل 17 سنة.

ويشير التقرير الى ان القابض ر.س تعمّد بيع تذاكر مفتعلة لمسافرين متوجهين من تونس الى معتمدية الطويرف من ولاية الكاف وانه رفض تسليم اعوان الرقابة كنش التذاكر المدلس.

ويلفت التقرير الى ان ظاهرة تدليس التذاكر تعددت وانها كانت مع سابقية الاضمار.

وبعد ثبوت جرائم التدليس والتحيل وعزل القابض ر.س قرّرت ادارة الشركة الوطنية للنقل بين المدن اعادة الموظف الى سالف نشاطه في 2009 مع تعيينه في منصب كرئيس محطة باب سعدون .

ويؤكد بعض الاعوان العاملين بنفس المحطة ان ادارة الشركة لم تفرض رقابة ولا تفقدا على رئيس المحطة العائد وان ذلك فسح المجال لتكرار أساليب التحيل والنهب وتنوعها مع ممارسته الهرسلة والابتزاز ومختلف الضغوط اليومية على بعض الأعوان.

«الشارع المغاربي» توجه بمراسلتين الكترونيتين الى كل من وزارة النقل والادارة العامة للشركة الوطنية للنقل بين المدن لاستفسارهما عن الاجراءات القانونية والادارية التي تم اتخاذها في شأن شبهات ضلوع المدير المذكور للمحطة في الاختلاس والتلاعب بالفواتير وسوء التصرف في مقدرات الشركة والاساءة لسمعتها ولم يتلق اية اجابة الى حدود نشر هذا التحقيق.

في الاثناء تفيد المعطيات التي حصلت عليها الصحيفة انه تم تعيين رئيس المحطة المذكور كمسؤول اداري بالشركة رفقة بعض شركائه في جرائم الاستيلاء على ملك الغير وأن بعض الاعوان الذين ابلغوا الادارة عن تجاوزاته يعانونمن الضغوطات والهرسلة والتشويه على صفحات التواصل الاجتماعي.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 7 ديسمبر 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING