الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تمسّك مروان العباسي محافظ البنك المركزي اليوم الخميس 5 نوفمبر 2020 لدى حضوره حوارا بقصر باردو بمبدأ عدم ضمان تمويلات داخلية للاقتصاد التونسي عبر اَليات نقدية وذلك في تضارب تام مع ما صرح به رئيس الحكومة هشام المشيشي بخصوص إمكانية إيجاد حل، على هذا الصعيد، مع مؤسسة الإصدار.
وكان المحافظ متناسقا الى حد ما في طرحه لدى تقديم موقفه من المستجدات الاقتصادية في البلاد سيما أن مناورات المشيشي تمثل في الواقع مناورات الفرصة الأخيرة مع ما كل ما تحمل من احتمالات شبه مؤكدة من القاء مصير البلاد والعباد في هوة المجهول.
ولعل استغراب المحافظ من استغناء الحكومة عن الموارد الكبرى للقطاعات الحيوية وتركها لقمة سائغة لدى المارقين وقطاع الطرق أمر منطقي ويفسر عدم المجازفة بخلق فقاعة مالية كبرى بتعلة انقاذ الميزانية ستنفجر في وجوه الجميع عاجلا ام اجلا.
في جانب اخر، يدرك جل المتخصصين في الشأن الاقتصادي الوطني ان غياب أي نفس إصلاحي هيكلي لدى الحكومة وبحثها عن الحلول المالية السهلة ومحاولتها إرضاء اتحاد الشغل بمواصلة الانتدابات العشوائية وتسوية أصحاب الوظائف الوهمية في الحضائر وما شابهها هي أسباب رئيسية لإفلاسها وفشلها في التصرف في المالية العمومية مما أدى في النهاية الى وضع تونس على طريق التفليس والإفلاس على المستوى التمويلي الداخلي اولا وعلى صعيد تعبئة الموارد من الخارج.
على هذا الأساس، تم اليوم وضع هشام المشيشي ووزير ماليته أمام قدر محتوم لا يمكن أن يتجلى إلا في حفظ ماء الوجه بإدارة صعبة للغاية لمسار إعادة جدولة ديون الدولة التونسية بعد أن دافع مروان العباسي، بشراسة، عن موقف مؤسسة الإصدار في ما يتعلق بطبع الأوراق النقدية لتوفير السيولة لتمويل عجز الميزانية مع اعلان تمسك البنك المركزي باستقلاليته.
وبذلك تتحمل الحكومة اليوم مسؤولية يصعب عليها تحملها وهي البحث عن حلول لتمويل عجز ميزانية فشلت في اعدادها باعتبارها أنجزت لتهوي بقيمة العملة وترفع التضخم والأسعار والفقر. كما يتعين على المشيشي وفيلق وزرائه ومستشاريه ومستشاري مستشاريه والخبراء الذين يعوّل عليهم لفك طلاسم معجزة اقتصادية يجري البحث عنها من مكتب لآخر النظر في طريقة أخرى لحوكمة المؤسسات العمومية المفلسة التي يسعى لكي يضخ فيها البنك المركزي الأموال من رصيد حيوي لضمان ديمومة الاقتصاد الوطني.
كما يجب النظر في إغلاق الموانئ وتعطيل إنتاج الفسفاط وأسباب عدم قدرة أي وزير أو مسؤول حمله المشيشي مسؤولية على اتخاذ إجراءات واقعية ومعقولة قد تخفف من حدة الازمة العاصفة بالبلاد.
يذكر أن محافظ البنك المركزي كان قد أكد اليوم في قصر باردو أن الاستثمارات الأجنبية بلغت أدنى مستوياتها منذ 10 سنوات، معتبرا أن المناخ العام في البلاد يزيد من تراجعها . وأبرز العباسي أن مداخيل قطاع السياحة بلغت 3 مليارات دينار من المليمات، مسجلة نقصا بـ30%، مضيفا أن عديد القطاعات تأثرت بالجائحة الصحية.
كما أشار إلى أن عدم اشتغال حقل نوارة لن يساهم في خفض عجز تونس في قطاع الغاز والفسفاط الذي كان يدر مليار دينار سنويا إلا انه يعيش اليوم مديونية كبيرة.
واعتبر محافظ البنك أن الاستثمار والتصدير هما دافعا النمو، في حين لم تتجاوز نسبة الاستثمار 13% بينما كانت في مستويات تتراوح بين 26 و27% من الناتج المحلي مع وجود تراجع في الادخار الذي بلغ 6%.