الشارع المغاربي – مشروع قانون تمتيع النواب بجواز سفر دبلوماسي: بدعة يرفضها التونسيون رفضا باتا

مشروع قانون تمتيع النواب بجواز سفر دبلوماسي: بدعة يرفضها التونسيون رفضا باتا

قسم الأخبار

29 فبراير، 2020
 الشارع المغاربي-بقلم محمد بوعود: كما لبعض البلدان الشقيقة والصديقة مُجمّعات ومراكز أبحاث ومنشآت تعمل ليلا نهارا لتحصين نفسها وضمان مستقبل أجيالها وتحصيل أكثر ما يمكن من الإمكانات والاحتياطات للقادم من الايام، فان في تونس أيضا طبقة سياسية لا تخلو من هذه النظرة الاستراتيجية، بل قد تتجاوزها أحيانا في القدرة على استنباط الحلول والبحث عن أكثر ما يمكن من ضمانات، لكن لمصالحها وليس لمصالح البلاد.
صحيح قد تبدو النظرة كاريكاتورية وأقرب الى العبث، لكنها في واقع الأمر هي الأقرب الى الواقع، خصوصا إذا أمعنّا النظر في أمرين اثنين:
الأمر الأول هو الرغبة الجامحة لدى كل المسؤولين التونسيين سواء في الادارة أو بالمؤسسات العمومية وخصوصا في الوزارات والادارات التي يُكلّف بها سياسيون وحزبيون، في التمتع بأكثر ما يمكن من امتيازات: سيارات ادارية، وصولات بنزين، أثاث فخم، سفر ورحلات للخارج بموجب وبلا موجب، وندوات ودورات وملتقيات في الفنادق لا معنى لها الا صرف أكثر ما يمكن من الاموال والاستفادة بكل الطرق.
الامر الثاني هو الرغبة المجنونة لدى السادة نواب الشعب في الحصول على أكثر ما يمكن من امتيازات، بمنطق هو أقرب الى عقلية الغنيمة منها الى الحق، وهي أشبه ما يمكن باستغلال وصولهم الى المجلس لتحصيل أكبر قدر من المكاسب، قبل أن تجري رياح أخرى ربما قد تقطع عليهم الطريق.
وآخر بدعة في هذا المجال مشروع قانون تمتيع السادة النواب بجوازات سفر دبلوماسية، التي هي في الحقيقة لا وجود لها في بلد آخر، على الاقل في حدود البلدان التي نعرفها او أمكننا الاطلاع على قوانينها، والتي عادة ما يحظى فيها نواب الشعب بكل الاحترام والتقدير، ويُعاملون عند السفر والتنقل بكل التبجيل والتسهيلات، دون أن يطالبوا بجوازات سفر دبلوماسية، ولا فكّرت بلدانهم في تمكينهم منها، لأنها باختصار تخالف الأعراف وتناقض المنطق، الذي يسخّر هذا النوع من الجوازات للسفراء والقناصل وأعضاء السلك الدبلوماسي وعائلاتهم، وكبار مسؤولي الدولة، وتحتفظ الوزارات المعنية بأنواع من الجوازات الخاصة، التي تمتّع بها كل مسؤول يريد المشاركة في ملتقى دولي، أو يُكلّف بمهمة في الخارج.
وإصرار السادة نواب الشعب على تحصيل هذا المكسب لا يبدو بريئا لا في ظاهره ولا في ما يرمي اليه على المدى البعيد، فهم يعرفون جيدا أنهم يتمتعون بحصانة تامة في الداخل، وعادة ما يلقون حسن الاستقبال والتقدير في البلدان التي يقومون بزيارتها حتى لو كانوا في زيارات عائلية وشخصية، ومع ذلك يبدون إصرارا منقطع النظير على تحصيل الجواز الدبلوماسي. وما يثير الريبة فعلا، ويذهب بنا حتى بعيدا في استقراء النوايا المبيتة أن نوابا مثل سيف مخلوف وزهير المغزاوي وسالم لبيض وحتى عماد الخميري ومصطفى بن أحمد وغيرهم يتمسكون بهذا الطلب وهم الذين من المفترض أنهم أبناء شعب، وليسوا من الطبقة المخملية ولا من الاثرياء الذين يغريهم السفر وتستهويهم السياحة وزيارة العالم، بل صعدوا كما يقولون من أجل خدمة أبناء الطبقات الفقيرة والذود عن مصالح البلاد والعباد فإذا بهم يندفعون بشكل محموم للدفاع عن هذا المطلب ويمضون العرائض ومستعدون للمعارك من أجل هذا الجواز الذي يبدو أن لهم فيه مآرب أخرى، لا يعلمها الا الله وغايات لم تتضح بعد.
ومن خلال متابعة ردود الفعل الشعبية في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لا أحد في تونس يبدو راضيا عن مشروع القرار هذا، باستثناء النواب أنفسهم. فبعض التونسيين انخرطوا في حملة منع النواب من الحصول على هذا الجواز، والبعض الآخر أمضى عريضة بلغ عدد الموقعين عليها الالاف ورفعوا قضية الى المحاكم التونسية وكلفوا محامين بالترافع عنهم من اجل اسقاط هذا القانون وعدم تمريره مهما كانت النتائج، والبعض الاخر يطالب رئيس الجمهورية قيس سعيد، بعدم التوقيع على القرار حتى لو أجازه النواب لانفسهم، واعطاء تعليمات الى وزارة الخارجية بالامتناع عن تسليمهم جوازات ديبلوماسية.
وهذه الحملات هي في الواقع تجسيد لرفض شعبي لما يرى فيه الشعب تقاسما للغنيمة، وسعيا وراء المكاسب، تشوبه نوايا سيئة تتراوح بين حبّ الذات والرغبة الجامحة في التميّز عن الآخرين، وفي “الفخفخة” الكاذبة مثلما يُقال، وبين التحوّط من المستقبل الذين يعرفون جيدا انه غامض، وان الرياح قد تجري بما لا يشتهون، وبين الاستعداد للهروب ومغادرة البلاد في صورة فتح ملفات محاسبة جدية، وكشف ما اقترف بعضهم وما يحوم حولهم من شبهات تحصيل الفوائد والكوموسيونات والتدخلات غير المشروعة لفائدة مافيات ورجال أعمال فاسدين، وغير ذلك من الأعمال التي تدخل تحت يافطة الفساد والإفساد ونهب المال العام واستغلال المنصب لتحصيل أرباح للنائب أو لعائلته وأقاربه وأصدقائه.
ولا شك أن هذه الرغبة الجامحة من السادة النواب، والتي ظهرت بالخصوص في العريضة التي دارت في المجلس حول الجواز الدبلوماسي، والاسماء التي أمضت عليها بالعشرات، هي الترجمة الحقيقية لهذه الشريحة من مسؤولي الصدفة، الذين مكّنتهم ظروف عديدة من الصعود والترقيات الى مراكز صنع القرار وتخطيط السياسات وتزكية الحكومات، لكنهم مع ذلك يرغبون في تحصيل أكبر ما يمكن من مكاسب وغنائم، ويشرّعون لأنفسهم ما يحرّمون على غيرهم، ويعملون بمنطق “المجلس سيدّ قراره” يمررون فيه القوانين التي تخدمهم، ويبررونها ويجدون لها التفاسير التي يقنعون بها المغفلين الذين يصدّقونهم، ويدعمونهم، ويعيدون انتخابهم أيضا.
وهي ليست المرة الاولى التي يشرع فيها النواب في التحضير لمشروع قانون مخز، فقد سبق للمجلس أن مررّ سنة 2016 مشروع الزيادة في منح نواب الشعب، وناقشه السادة النواب بعد منتصف الليل ووقعوا عليه مع طلوع الفجر، وزادوا لانفسهم أكثر من 900 دينار، عنونوها بمنحة السكن والتنقل وغيرها من عناوين تسهيل النهب وتشريع السرقة.
نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في العدد الصادر بتاريخ 25 فيفري 2020

اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING