الشارع المغاربي – مقاطعة عقابيّة / بقلم: معز زيّود

مقاطعة عقابيّة / بقلم: معز زيّود

11 مايو، 2018

الشارع المغاربي : ثُلثا التونسيّين المسجّلين في الدوائر الانتخابيّة لم يشاركوا في الاستحقاق البلديّ، فقد كان يوم 6 ماي 2018 أحدًا باهتا في معظم مراكز الاقتراع. تلك رسالةٌ في منتهى الوضوح ومقاطعة عقابيّة معلنة كشفت عن تراجع مدوّ لمنسوب الثقة في الائتلاف الحاكم بمكوّنيْه الأساسيّين النهضة ونداء تونس. هذا الحدث لا يمكن اختزال دلالاته في مجرّد الحديث عن أزمة النخبة السياسيّة التونسيّة بشكل عام كما يُروّج بعضهم أو في ترتيب الأحزاب والقائمات الفائزة، وإنّما في حالة الإحباط السياسي والاجتماعي التي عبّر عنها التونسيّون حيال منظومة الحكم.

تقول الأرقام والنتائج التقديريّة الأوّليّة المجرّدة إنّ حركة النهضة تصدّرت المشهد الانتخابي الجديد، وجاءت حركة نداء تونس وصيفة وحيدة لها، على عكس الانتخابات التشريعيّة الماضية. ومع أنّها نتيجة غير مفاجئة لكلّ ذي فهم، فإنّها لا تجسّد حقيقة نزيف الخزّان الانتخابي الذي ضرب الحزبين الكبيرين. فالتوقّف عند هذا التوصيف يعكس مغالطة كبرى يبثّها البعض من أجل التغاضي عن التفاصيل الأهمّ. لقد فقدت حركة النهضة نحو  نصف خزّانها الانتخابي بالمقارنة مع انتخابات 2014، بينما خسر حزب نداء تونس ما يُناهز ثلاثة أرباع ناخبيه خلال الفترة نفسها. وهنا تحديدا يكمن الدرس والعبرة والرسالة، فعلى الرغم من التعبئة الكبرى التي أطلقها حزبا الحكم، فقد انكشف عجزهما الهيكلي عن حشد حتّى نصف ما فازا به خلال المحطّة الانتخابيّة السابقة.

ومن أهمّ دروس الانتخابات البلديّة أنّ بذل المال السياسي وتوظيف الإمكانيات الماديّة الكبرى المتاحة لحزبي السلطة، على خلاف الأحزاب الأخرى، لم يكن قادرًا على رتق الشرخ السياسي الحادّ الذي خلّفته المنظومة الحزبيّة الحاكمة في أنفس غالبيّة التونسيين. ولا أدلّ على ذلك من أنّ حركة النهضة شاركت في جميع الدوائر الانتخابية الـ350 وحركة نداء تونس قدّمت قائمات في معظمها. ورغم ذلك لم يتوان الناخبون المسجّلون عن سحب بساط الثقة من تحت أقدام الحزبين المذكورين.

لا يعنينا هنا كثيرا التوقّف عند الأسباب الفنيّة المرتبطة ظرفيًا بفترة الحملة الانتخابيّة. فمن الحريّ بنا أن نتبصّر، قبل كلّ شيء، عمق الأزمة التي تقف وراء انحدار درجات الثقة في الأحزاب التونسيّة الكبرىهكذا أضحى أكثر وضوحًا، بعد الانتخابات الأخيرة، أنّ التحالف أو التوافقالعلويالذي عقده زعيمَا النهضة ونداء تونس في باريس ذات يوم قد مهّد السُبل إلى ما آلت إليه الأمور اليوم. فهو لم يرض لا دُعاة التصويت المفيد لحركة نداء تونس سابقا ولا الخزّان الانتخابي لحركة النهضة الذي يبدو أنّه لم يستسغ بعد رفع شعارفصل الديني عن الدعوي“.

والأهمّ، في هذا المضمار، أنّ توافق منظومة الحكم قد رسّخت انطباعا وحكما مسبقا لدى معظم التونسيين بأنّ الوعود الانتخابيّة الجديدة التي أطلقتها اليوم لا تعدو أن تكون سوى امتداد للتلويح بالتزامات انتخابيّة جوفاء. فلا أحد ينسى أنّها لم تحصد إلاّ الفشل في تحقيق الحدّ الأدنى من وعود انتخابات 2014، بعد أن تحوّل إنفاذ استحقاقات الثورة لدى منظومة الحكم بحكوماتها المتعاقبة إلى مجرّد تغليب للمصالح الفئويّة والحزبيّة على المصلحة العامّة.

خلال هذا الأحد المشهود كانت الأسواق الأسبوعيّة عامرة مزدحمة برُوّادها من التونسيين المُقْبلين على الحياة وأولويّاتها. في المقابل أبدى هؤلاء حالة من اللامبالاة وعدم الاكتراث غير المسبوقة إزاء التوجّه إلى مراكز الاقتراع المنتشرة بجوار مساكنهم. عزوف لم يُشكّل، في حقيقة الأمر، صدمة لعموم الناخبين المقاطعين، غير أنّ نسبة المشاركة الضعيفة قد شكّلت خيبة أملٍ للمؤمنين بأهميّة دور الاستحقاق البلدي في إنجاح المسار الانتقالي وإرساء الحكم المحلّي الرشيد في البلاد. ومن ثمّة فإنّها لم تمنح المجالس البلديّة المنتخبة ما تتطلّبه من مشروعيّة شعبيّة كفيلة بدفع قدرتها على الفعل والإنجاز.

هكذا تمخّضت الانتخابات البلديّة إذن عن  سحب  الثقة  من الحزبين ذوي الإمكانيات الماديّة الأكبر. فجسّدت بذلك وعيًا عامًا معلومًا بتردّي الأوضاع في البلاد على شتّى الأصعدة. ومع ذلك فقد أنبأت هذه المحطّة، بكلّ ما لها وما عليها، باتّساع المجال العام أمام قوّة سياسيّة وسطيّة ثالثة أو بديل مأمول لم تتبلور ملامحه بعد. وقد يلجأ حزباالتوافق، في حال لم يستوعبا درس هذه الانتخابات، إلى الإمعان في سياسة تشتيت المشتّت حتّى تبقى انتظارات من قبيل أضغاث الأحلام


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING