الشارع المغاربي – منح بالمليارات للموظفين في أربع مؤسسات

منح بالمليارات للموظفين في أربع مؤسسات

قسم الأخبار

11 سبتمبر، 2021

الشارع المغاربي-تحقيق: محمد الجلالي:

في ثمان سنوات فقط، حصل الآلاف من الموظفين العموميين على89 مليون ديناركمنح ومساعدات وامتيازات وخدمات مجانية، بينماتصارعمؤسساتهم العمومية الأربع شبح الإفلاس، فضلا عن الأعباء التي تتحملها بخصوص كتلة أجور أصبحت تستأثر بأكثر من 45 بالمائة من ميزانية الدولة في 2021..نتحدث عن الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية ومستشفى الحبيب ثامر.

بين من يعتبرها امتيازات تحفيزية لتشجيع الموظفين العموميين على رفع نسق الإنتاج ومن يقر بأنها لا تعدو أن تكون مساعدات اجتماعية فرضها تراجع المقدرة الشرائية للأجراء ومن يراها منحامستحقة، تتعدّد التسميات والغاية واحدة: الاستجابة الضمنية للمطلبية الاجتماعية المتفاقمة بأغلب المؤسسات العمومية منذ 2011.

هذه المطلبية الاجتماعيةيشرف عليهاالجانب النقابي ممثلا خاصة في الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يستعين بالاحتجاج تارة والاعتصامات تارة أخرى وإيقاف العمل حينا والتفاوض مع سلطة الإشراففي أحيان كثيرة.

منح واستهلاك مجاني للكهرباء بالمليارات

«ان الوضع المالي للشركة التونسية للكهرباء والغاز صعب جدا ويتطلب اجراءات عملية وسريعة لتفادي التوقف الكلي عن الخلاص وما يمكن أن ينجر عنه من تبعات سلبية على الشركة.» كان هذا أبرز ما تضمنت مذكرة ممضاة من الرئيس المدير العام السابق لـ «الستاغ» منصف الهرابي وجهها الى مجلس ادارة الشركة بتاريخ 18 جانفي 2019.

هذه الوضعية الصعبة ترجمها عجز مالي بأكثر من 1900 مليون دينار، في الأثناء يشير تقرير نشاط الشركة إلى ارتفاع حجم أجور موظفيها إلى 449 مليون دينار في 2019، مسجلا تطورا بـ 12,5% مقارنة بسنة 2018.

تزامنا مع هذه الوضعية المالية الدقيقة لشركة تحتكر نشاط إنتاج الكهرباء وتوزيعه، تكبّدت «الستاغ» ما يناهز 16 مليون دينار تحت مسمى إعانات بمناسبة العودة المدرسية وهبات بمناسبة عيد الاضحى بين 2018 و2020، وفق وثيقة حصلنا عليها، اثر مطلب نفاذ إلى المعلومة موجه إلىإدارة الشركة التونسية للكهرباء والغاز.

وأكد خبير محاسب،رفض كشف هويته، ان موظفي «الستاغ» غنموا ما لا يقل عن 41 مليون دينار في شكل هبات بمناسبة عيد الاضحى وإعانات مدرسية طيلة السنوات الثماني الأخيرة.

وفي 2016 أعلنتالجامعة العامة للكهرباء والغاز في بيان ممضى من قبل كاتبها العام عبد القادر الجلاصي بتاريخ 26 جوان انه « تتويجا للنضالات الجبارة التي خاضها القطاع بمختلف المحطات النقابية والايمان الراسخ لدى النقابيين ومن ورائهم كافة الاعوان بمشروعية مطالبهم، تمكنت الجامعة العامة للكهرباء من تحقيق انجاز تاريخي عبر التفاوض مع ادارة المؤسسة وسلطة الاشراف ممثلا في ابرام اتفاق حول هبة عيد الاضحى بقيمة 400 دينار لكل عون.»

وتخضع هذه الهبات والمساعدات الى النظام الأساسي الخاص بالأعوان وينظمها المنشور الحكومي عدد 6 المؤرخ في 18 فيفري 2013 الذي يشترط تكفل الإدارة العامة للمؤسسة العمومية بمراسلة رئاسة الحكومة قبل الشروع في المفاوضات مع الجانب النقابي بخصوص المنح والمساعدات الاجتماعية ثم الحصول على الموافقة المكتوبة من رئيس الحكومة قبل إمضاء بروتوكول الاتفاق.

هذا التمشي القانوني يبدو انه غير محترم كليا بالنسبة لإدارة الستاغ. فبعد مراسلتنا لها ومطالبتها بالقيمة المالية للمنح الاستثنائية المسداة بين 2018 و2020 وبنسخ من الإعلام الموجه لرئاسة الحكومة قبل بداية التفاوض وبنسخ من الموافقة المكتوبة لرئاسة الحكومة، اكتفت الادارة العامة بتمكيننا من القيمة المالية. وتغافلت عن بقية الوثائق، لتفيدنا في المقابل بنسخ من مقررات تتعلق بالمصادقة على ميزانية الاستغلال والاستثمار للشركة ممضاة من قبل الوزيرين خالد قدور بالنسبة لميزانية 2018 وسليم الفرياني بالنسبة لميزانيتي 2019 و2020.

كما افادتنا بأنه «عملا بالفصل 143 من النظام الأساسي الخاص بأعوان الشركة، واعتمادا على ميزانية اجتماعية مصادق عليها من طرف الهياكل المعنية (مجلس الادارة وسلطة الإشراف ورئاسة الحكومة)تخضع المشاريع الاجتماعية لمشمولات الصندوق الاجتماعي..»

وتابعت: «لا يتمتع أعوان الشركة بمنح بمناسبة عيد الفطر وعيد الشغل، بينما تسند اليهم ضمن الميزانية المذكورة اعانة بمناسبة العودة المدرسية وهبة عيد الاضحى.»

عدم تمكيننا من نسخ من إعلام رئاسة الحكومة ونسخ من موافقتها المكتوبة فسره مراجع الحسابات، الذي اشتغل على التدقيق في تقارير مالية لعديد المؤسسات العمومية، بتعمد الحكومات المتعاقبة منذ 2011 ابداء موافقة ضمنية على هذه المنح دون المجاهرة بها حتى لا تتهاطل عليها المطلبية النقابية في بقية المؤسسات الاخرى.

وفي تقرير منجز من قبل محكمة المحاسبات عن منظومة التحكم في الطاقة بين 2010 و2016، أشارت المحكمة الى بلوغ كلفة الاستهلاك المجاني للكهرباء من قبل أعوان شركة «الستاغ» أكثر من 11 مليون دينار سنة 2014، وإلى ان حجم الدعم المتعلق به ناهز حوالي 4 مليون دينار.

في هذا السياق دعت محكمة المحاسبات الى ضرورة دراسة إمكانية ايجاد صيغ لترشيد ما اعتبرته امتيازا.

واقترحت استرجاع جزء من الكمية المقتصدة من الكهرباء نقدا أو تحفيز الأعوان لاستعمال الطاقات المتجددة لإنتاج الكهرباء.

وكان رد «الستاغ» بخصوص امتياز الاستهلاك المجاني المسند لأعوانها بأنه «في إطار دعم المجهود الوطني للتحكم في الطاقة، حددت الشركة حصة مجانية من الاستهلاك السنوي للكهرباء والغاز مسندة لأعوانها.»

وأكدت انه تبعا لذلك يحمل كل تجاوز للحصة المجانية السنوية على كاهل العون، عن طريق فوترته حسب التراتيب الجاري بها العمل.

إعانات بالمليارات من شركة مفلسة

«جوابا على مطلبكم المتعلق بالمنح الاستثنائية المسندة لأعوان الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بمناسبة الأعياد الدينية وعيد الشغل والعودة المدرسية خلال سنوات 2018 و2019 و2020، نفيدكم بأن الشركة لم تسند تحت هذا العنوان منحا استثنائية لاعوانها، غير أنه تم اسنادهم اعانة اجتماعية بمناسبة عيدالاضحى للسنوات المذكورة وكانت في اطار صندوق الاغاثة الذي يعنى باسناد اعانات لفائدة الاعوان وعائلاتهم. وعليه فان مصدر الاعانة المسندة للاعوان بمناسبة عيد الاضحى والمقدرة بـ 70 دينارا لكل عون سنتي 2018 و2019 و60 دينار سنة 2020، كان صندوق الإغاثة المتفرع عن الصندوق الاجتماعي والذي يتم تمويله بواسطة الفوائض الموظفة على القروض الممنوحة للأعوان المباشرين.

ولا يجوز إسنادالأعوان اي قرض أو منحة أو هبة أو غيرها لا يكون مصدرها الصندوق الاجتماعي للمؤسسة.»

وباحتساب المبالغ الجملية لما اسمتها الشركة بـ « الاعانة المسندة بمناسبة عيد الاضحى»، تبين انه يعادل 525 ألف دينار في 2018 ومثله في 2019 و450 الف دينار في 2020. وبالتثبت مع بعض اعوان «الصوناد» تبين ان هذه المساعدات امتدت على الاقل بين 2012 و2019 مما يعني انها كانت في حدود 3,6 ملايين دينار.

كما لم توافنا الشركة بنسخ من مراسلة الاعلام الموجهة الى رئاسة الحكومة ومن الموافقة الكتابية للرئاسة الحكومة قبل صرف هذه المساعدات.

واللافت ان هذه الامتيازات تأتي في ظرف مالي صعب تمر به الشركة، اذ يشير تقرير منجز من قبل وزارة المالية عن وضعية المؤسسات العمومية في 2019 الى بلوغ اعباء تأجير الاعوان أكثر من 179 مليون دينار في سنة 2017. وفسر التقرير الاعباء بارتفاع كلفة اعباء التأجير نتيجة الزيادة في الاجور وانجاز انتدابات جديدة.

وبلغت مديونية «الصوناد» وفق نفس التقرير، 1130 مليون دينار في 2017.

وأشار مصباح الهلالي رئيس مدير عام الشركة في تصريح صحفي يعود الى اواخر 2018 ان هذه خسائر الشركة المتراكمة بلغت 300 مليون دينار، وإلى أن الادارة تلجأ الى الاقتراض من البنوك لخلاص رواتب أعوانها وتغطية أغلب النفقات.

كما كان للإجراءات المتخذة منذ 2011 والمتمثلة في تسوية الأعوان المتعاقدين وإدماج الأعوان العرضيين وأعوان المناولة انعكاس مالي هام على الوضعية المالية للشركة.

اتفاقات نقابية مخالفة للدستور

بلغت النتيجة الصافية للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية في سنة 2017 خسارة باكثر من 182 مليون ديناررغم تمتع الصندوق بدعم مباشر من الدولة بقيمة 800 مليون دينار فيبين 2016 و2017.

كما حصل الصندوق على 200 مليون دينار كمساهمة اجتماعية تضامنية في 2018، ورغم ذلك لا تزال المؤشرات سلبية بمئات ملايين الدينارات.

في الاثناء شابت حوكمة الصندوق اخلالات جمة من بينها ما أشارت إليه دائرة المحاسبات بتأكيدها على ابرام الادارة العامة اتفاقا مع الجانب النقابي في مارس 2016، عممت بموجبه منحة العدوى على كافة الاعوان دون اعلام رئاسة الحكومة، خلافا للمنشور عدد 10 لسنة 2014، وذلك رغم رفض رئاسة الحكومة تعميم هذه المنحة في اجتماع سابق بتاريخ 12 جويلية 2013. وقدرت محكمة المحاسبات القيمة الجملية لتعميم منحة العدوى الى غاية اوت 2017 بما يفوق 1,4 مليون دينار. هذا الضرر كيفته المحكمة كخطأ في التصرف.

وسجلت محكمة المحاسبات توقيع ادارة الصندوق اتفاق مع الطرف النقابي في ديسمبر 2011، ادى الى اقرار تكفل المؤسسة بمساهمات الضمان الاجتماعي المحمولة على أعوانها بداية من جويلية 2012.

هذا الاجراء اعتبرته المحكمة مخالفا للدستور والنصوص القانونية والترتيبية المتعلقة بالضمان الاجتماعي، اذ كلف ميزانية الصندوق دون وجه حق مبالغ تجاوزت 21 مليون دينار بين 2012 و2017موزعة بين 14,5 مليون دينار بعنوان التقاعد و4,8 ملايين دينار بعنوان الحيطة الاجتماعية وحوالي مليوني دينار كرأس المال عند الوفاة.

ولفتت تقرير محكمة المحاسبات الى انه «رغم الوضع المالي الصعب للصندوق تولت ادارته امضاء جملة من الاتفاقات النقابية، ادت الى توسيع تدخلات الصندوق لتشمل منافع اضافية للاعوان ليست مدرجة بالنظام الداخلي للرصيد الاجتماعي.»

انجر عن هذه الاتفاقيات تكبد المؤسسة مبالغ بأكثر من 5 مليون دينار، من خلال صرف منحة الاحالة على التقاعد على ميزانية الرصيد الاجتماعي بداية من أوت 2014 لتصبح بذلك معفاة من الاداء على الضريبة مما كلف ميزانية الرصيد الاجتماعي اعباء اضافية جملية بلغت قرابة مليوني دينار بين 2015 و2017.

كما تم تمكين اعوان مؤسسات الضمان الاجتماعي من هبة بمناسبة عيد الاضحى بقيمة 200 دينار في سنة 2014 و100 دينار اضافية بداية من سنة 2015 بكلفة ناهزت 1,6 مليون دينار.

وبمرسلتنا ادارة الصندوق للحصول على القيمة المالية للمنح الاستثنائية المسندة لمنظوريه بين 2018 و2020 ونسخ من اعلام رئاسة الحكومة ونسخ من الموافقة الكتابية لرئاسة الحكومة قبل امضاء اتفاقيات مع الجانب النقابي بخصوص هذه المنح، رفضت اجابتنا عن مطلب النفاذ رغم انقضاء الاجال المنظمة بالقانون الاساسي عدد 22 لسنة 2016 المتعلق بالحق في النفاذ الى المعلومة.

منح مختلفة دون موافقة كتابية

تكلفت الاتفاقيات الممضاة بين ادارة مستشفى الحبيب ثامر بتونس العاصمةوالطرف النقابي في اطار المنح المسندة الى أعوان المؤسسة ما لا يقل عن 2,8 مليون دينار في ثماني سنوات. اخر هذه المنح كانت في سنتي 2018 و2019، توزعت على 370 ألف دينار بين مساعدات للموظفين بمناسبة العودة المدرسية ومنح بمناسبة عيدي الاضحى عيد الفطر وأخرى بمناسبة عيد الشغل ورابعة في شكل مساعدات اجتماعية مختلفة.

في هذا السياق أكد مراجع حسابات المؤسسة في تقريرين متتاليين ان ادارة المستشفى ابرمت اتفاقا نقابيا ومكنت اعوانها من هذه المنح دون ان تحصل على موافقة كتابية على الاتفاق.

وبين الخبير ان هذا الاتفاق كان مخالفا لما ينص عليه المنشور عدد 6 المؤرخ في 18 فيفري 2013 والذي ينص صراحة على ضرورة إعلام رئاسة الحكومة قبل الشروع في مفاوضات اجتماعية بخصوص المنح الاستثنائية وخاصة الحصول على موافقة كتابية منها.

هذا الاجراء كان يمثل مأزقا حقيقيا لمختلف الحكومات المتعاقبة والتي كانت تتفادى اجابة المنشآت العمومية بموافقة مكتوبة حتى تفتح لا باب المطلبية الاجتماعية وفق ما اكده لنا احد مراجعي الحساباتز

هذا المراجع الذي رفض ذكر اسمه اشار الى ان العديد من الادارات العامة للمؤسسات العمومية كانت طيلة سنوات ماضية تحت ضغوطات نقابية لافتا الى انها كانت تسعى للمطالبة بمنح لا تعد ولا تحصى كمنح الاعياد والعودة المدرسية ومنحة الخطر ومنحة التحفيز ومنحة التنقل ومنحة السكن وغيرها.

وقد حاولنا مرارا الحصول على موقف الاتحاد العام التونسي للشغل، عبر اتصالنا بثلاثة مسؤولين للاستئناس بآرائهم بخصوص تفاقم المطلبية الاجتماعية في مؤسسات على حافة الافلاس، واستطلاع تصوراتهم لاصلاح هذه المنشآت، لكن لم يتسن لنا ذلك.

هكذا اذن تصبح المطلبية الاجتماعية المجحفة في مؤسسات تعاني من غياب الانتاجية وتراجع الحوكمة الرشيدة عنصرا اخر من عناصر تراجع المؤشرات المالية وسببا من اسباب اخرى كثيرة في تعميق واقع مالي صعب لمنشآت عمومية على حافة الافلاس.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 7 سبتمبر 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING