الشارع المغاربي – من أجل ائتلاف اجتماعي لإنقاذ الوطن: بقلم / حمادي بن جاء بالله

من أجل ائتلاف اجتماعي لإنقاذ الوطن: بقلم / حمادي بن جاء بالله

13 فبراير، 2019

الشارع المغاربي : الآن حصحص الحق وتبين للتونسي الخيط الابيض من الخيط الاسود فهو ملزم بان يطرح الشك ليبني على ما استيقن.وليس اليوم أشد وضوحا من واجب إنقاذ الوطن . وليس اليوم فوق هذا الواجب واجب أهم منه وأوكد .وليس اليوم –تبعا لذلك -من معنى “للتحزب “أو “الاستقلال “او “الحياد” ولا “”لليمين”أو “اليسار” ولا سيما زيف ”الوسطية” إلاّ من منطلق ذلكم الواجب .لذلك كانت خطوط التمايز بين تونسي وتونسي واقعة –اليوم-بين الوطني واللاوطني وحدهما.
والوطنية تقال على معنيين مختلفين :الأول “سكوني” أو” إداري” والثاني “ديناميكي ” أو” نضالي” .فأما “الوطنية السكونية” فهي مشتركة بيننا جميعا تشهد بها بطاقة التعريف وجواز السفر وحقوقنا التي يضمنها القانون ولا تفاوت فيها بين الناس، ولا زياة فيها ولا نقصان. أما الوطنية النضالية فهي ما يكون به التفاضل الموضوعي بيننا .ففرق بين الحريص على مكاسب الوطن العامل على اغنائها مهما كانت متواضعة وبين من يعتبر-من منطلقات ضبابية وافدة- أن لا شيء في الوطن يستحق أن يحفظ أو يطوّر’ حتى لكأن التاريخ قبله كان كابوسا وحتى لكأن الوجود كان في غيبته “خرابا” .
و”الوطنية الديناميكية ” تدور أصليا على قيم تقال على جهتي السلب والايجاب . فأما القيم المعبر عنها سلبيا فتشكل –على أهميتها -أدنى مستويات الوطنية ,مثل عدم الخيانة وعدم التواطؤ مع العدو وعدم حمل السلاح في وجه الآمنين وعدم استباحة أعراض الناس وعدم بتر التاريخ الوطني واختزاله في مرحلة دون أخرى وعدم التحيل للاستحواذ على المال العام وغير ذلك كثير في الوطن الواحد .أما القيم الوطنية الموجبة فهي أزكى اذ هي لا تقف عند واجب كف الأذى ولكنها تطلب المزيد والأفضل .فليس يكفي مثلا ألا نمس مجلة الاحوال الشخصية بسوء أو ألا نشوه المبادرين بها بل يقضي الواجب بالمرور إلى الدرجة الأرقى فنثريها مثلا بقانون المساواة التامة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق والواجبات بما في ذلك المساواة في الإرث.كما أن البر بمدرسة الجمهورية لا يكفي فيه عدم بعث مؤسسات تدعي وصلا بالتربية وهي اوكار ارهاب وعبث بأطفال ابرياء بل يوجب الامر عناية متأكدة بجميع مكونات المدرسة من رياض الاطفال حتى الجامعة بدءا بواجب إعطاء المربي حقه معنويا و ماديا وصناعيا.فخير التونسيين من سعى لخير تونس من أجل الحرية والمساواة والتنوير .
وليس مما يحتاج اليه اليوم الاطناب في بيان أن انقاذ الوطن مما آل اليه ’يقع في أعلى سلم أولويات تلك الوطنية المناضلة حتى أن مستقبل مسيرة الانتقال الديمقراطي والمواعيد الانتخابية القريبة لا معنى لها إذا لم تتنزل في ذلك الأفق البعيد درءا للمخاطر الداهمة وصونا لتونس من الضياع.ولا شك عند كل ذي بصيرة أن اجراء الانتخابات المقبلة بالقانون الانتخابي الراهن او المعدل على النحو الذي اقترحته الحكومة سيفضي بنا الى ما لا تحمد عقباه لا من حيث تعميق تفتيت التمثيلية البرلمانية واستحالة ظهور كتلة غالبة يمكن لها تحمل مسؤولية الحكم فحسب بل أيضا من حيث إمكان مزيد تطاوس الإسلام السياسي لا لفضائل له أن يدعيها وإنما لوهن عارض في فصائل الوطنية المناضلة ولاسيما في شتات نداء تونس وفي الجبهة الشعبية وفي القوميين والدستورين الجدد والديمقراطيين عموما ’فضلا عن العديد من الفصائل الوطنية المستقلة المتناثرة في كافة أرجاء الوطن’ وليس من الحكمة السياسية في شيء إغفال أمرها أو محاولة احتوائها.

وليس من قبيل المحال جمع هذا الشتات –دون أن ننتظر توحده بنيويا – حول برنامج إنقاذ وطني رغم ضيق الوقت حينا وضيق الصدور أحيانا.تلك مهمة صعبة ولكنها ليست محالا ’ لاسيما أذا أدرك جميع الوطنيين أنه لن يكون بينهم من خاسر في هذا الاتجاه الذي نقترحه’ إذ يمكن الاتفاق بين جميع الفصائل الوطنية على نسب معقولة من الحضور في قائمات الانتخاب المشتركة.خاصة وانه لن يكون لخصومهم حظ يعتد به في هذه العملية اذا جرت على المنهج الذي نقترحه.
ومن شروط نجاعة هذا التمشي أن يغير قانون الانتخابات لتجري في دورتين متتاليتين مع الاستغناء تماما عن ”العتبة'” وعن حساب “أكبر البقايا ” .ومن هنا يبدأ التوحيد .ولا ريب في أن الآجال القانونية ما زالت تسمح بذلك بصرف النظر مرحليا عن إصلاحات أخرى ضرورية فوتت الغفلة وسوء الإضمار آجالها القانونية ’ مثل إعادة النظر في توزيع الدوائر الانتخابية .والمهم في هذا السياق انتاج أغلبية قادرة على الحكم ببرنامج ارتضاه الناخبون’بديلا عن الشتات والمحاصة والترضيات التي جاءتنا ‘بمسؤولين” هم ممن يبتلي بهم الدهر كل من أهمل حق الوطن عليه .
غير أن الأهم من ذلك كله توفير أجواء تكتسي بها وفيها العملية الانتخابية معنى .وليس بخاف على أحد أننا مررنا من أوضاع سياسية موتورة الى اوضاع سياسية موبوءة .ويوجب أمل الخلاص من تلك الاوضاع اتخاذ اجراءات حازمة عاجلة في اتجاهات كثيرة نكتفي بذكر اهمها:
-لن يكون للانتخابات من معنى في اجواء لم يعد فيها التونسي مطمئنا على حياته بحكم انتشار مخازن الاسلحة واكتشاف أمن مواز يرجح انه من تدبير الاسلام السياسي .ولا مناص من فك هذه الالغاز حتى يعرف التونسي طبيعة خصمه ’ويتدبر طرق مواجهته المواجهة الملائمة الضامنة لمواصلة مسيرة الانتقال الديمقراطي المعطلة.
-لن يكون للانتخابات من معنى في وضع تكاثر فيه تدفق الأموال على الإسلام السياسي خاصة مما اضطر الجهات الرسمية إلى فتح تحقيقات أذنت بها دائرة المحاسبات عن طريق البنك المركزي التونسي .وفي ذلك كله إشارة إلى ضرورة مزيد إحكام الفرق بين ”حفار قبر الديمقراطية” والديمقراطي الوطني الذي ليس له الا عرق جبينه. ولا بد من توضيح شبهات التدخل الأجنبي ’ وتحديد العلاقة بين بعض الأحزاب والجمعيات من ناحية وظواهر التهرب الضريبي والتجارة الموازية.وفي هذا الإطار العام ينبغ يأن تندرج سياسة ”التعويضات” باعتبارها –في وجه من وجوهها – ضربا من شراء الذمم استعدادا للمواعيد الانتخابية …
-لن يكون للانتخابات من معنى في زمن امتدت فيه يد الاسلام السياسي الى أطفالنا الابرياء فحشروا قسرا في معسكرات ارهابية سميت زورا “مدارس قرانية”.فتلك جريمة لا تغتفر في حق الوطن وهي واقعة في الخط ذاته الذي أعلن فيه عن ميلاد ”الخلافة السادسة” واتخذ فيه قرار التفويت في جامع الزيتونة المعمور الى نكرات جاهلة حاقدة من قبل نكرات اثمة متطاوسة قذفت بهم الايام الى سدة الحكم .وكان يوم التفويت الاجرامي يوما مشهودا لانهم أرادوه منطلقا لانهاك مدرسة الجمهورية والتشكيك في مكاسبنا الوطنية…وهل للتونسي أن يطمئن الى هذا الرهط من “السياسيين ” ؟
ولا ريب في ان عدم الثقة في ”الحاكمين” اما لعدم الاطمئنان الى وطنيتهم واما لحصول التأكد من عدم كفاءتهم واما للجمع الحزين بين النقيصتين كما كان ذلك جليا بالخصوص في ”اصحاب الترويكا” نشر سحبا كثيفة من التشاؤم واشاع ظواهر نفسانية سلبية استبدت بشرائح واسعة من الشعب التونسي ’ فتكاثرت مظاهر العدوانية السلوكية ’وانتشرت -خاصة في صفوف الناشئة -محاولات الانتحار’ومغامرات الهجرة اللاّمشروعة والموت في البحار واستولى على الأفكار الخوف من المستقبل وأخذت اطياف واسعة من الكفاءات الوطنية في الهجرة .
ومن معجزات التاريخ ان تونس بقيت- رغم الداء والاعداء- قائمة شامخة .وما كان لها ذلك لولا أن لها في أركان بيتها العامر القديم ما يعول عليه التونسي الوطني ’ ولولا أن لتونس أهلها وأبناؤه حين يعز الأهل ويقل النسب وللديمقراطية الناشئة حماتها حين يقوم النفير .واليوم وقد جد الجد فليس لتونس إلا ابناؤها الخلص وفي مقدمتهم الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ونقابات الفلاحين والاتحاد الوطني للمرأة التونسية وجمعية النساء الديمقراطيات وجميع الهيئات المهنية والحقوقية والاجتماعية والثقافية التي تأنس في نفسها القدرة على الانخراط في منهج ائتلافي اجتماعي هو من اعز تقاليدنا النضالية الوطنية من عهد يورقيبة وحشاد ’وعاشور سواء ايام مقاومة الاستعمار او ايام بناء الدولة الوطنية.
ويقضي الواجب أن تكون من أنبل غايات هذا الائتلاف الاجتماعي استنهاض همم التونسيين لإنقاذ بلادهم.وضمانا للشرعية من ناحية أولي وللقانونية من ناحية ثانية وللجدوى من ناحية ثالثة يحسن وضع هذا الائتلاف الاجتماعي للإنقاذ الوطني تحت إشراف رئيس الجمهورية بصفته منتخبا من قبل الشعب انتخابا مباشرا وبصفته المؤتمن دستوريا وسياسيا وأخلاقيا على سلامة الوطن .ومما ييسر عليه هذه المهمة انه جرب كل الطرق لحمل الإسلام السياسي على التتونس فلم يفلح رغم رحابة الصدر وبعد النظر ورغم نفاذ صبر الكثير . وقد آن الأوان للاعتراف بذلك علنا وتفسيره للشعب الذي ائتمنه على مصيره. فمهم ألاّ يكبو الجواد ولكن الأهم أن ينهض إذا كبا لثقل ما حمل . فلا تثريب اليوم على تونس ولا على رئيسها في الداخل ولا لوم عليهما في الخارج ولم يعد ثمة ما يدعو الى “وفاق ” مغشوش ’كان امره ماكان لاسيما بعد أن أدرك الجميع أن الإسلام السياسي حكم على نفسه بالبقاء غريبا في وكره. ولعل السبب الحقيقي في ذلك أن أبناء مدرسة الجمهورية قاموا بثورة فريدة في التاريخ العربي الإسلامي يوم طالبوا “بالشغل والحرية والكرامة الوطنية” والحق يقال ان لاحظ للإسلام السياسي في تلك القيم اذ هو -أصليا- منزع هووي لا تستهويه الحرية ولا الوطنية.
وما إنقاذ تونس اليوم بعزيز على التونسيين شعبا قرر ان يكون الطموح إلى الأفضل من آكد واجباته وأرسخ حقوقه وعرف دائما كيف يضرب المواعيد مع التاريخ.

صدر بالعدد الأخير من أسبوعية”الشارع المغاربي”


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING