الشارع المغاربي – نادية عكاشة... الصندوق الأسود لقيس سعيّد تغادر القصر... وما خفي كان أعظم!/ بقلم: كوثر زنطور

نادية عكاشة… الصندوق الأسود لقيس سعيّد تغادر القصر… وما خفي كان أعظم!/ بقلم: كوثر زنطور

قسم الأخبار

29 يناير، 2022

الشارع المغاربي: نادية عكاشة الوزيرة مدير ديوان رئيس الجمهورية قيس سعيد التي اعلنت يوم امس الاثنين 24 جانفي 2022 عن استقالتها عبر صفحتها الرسمية بموقع « فايسبوك» هي «الصندوق الاسود» للرئيس وحاملة اسرار القصر وخاصة اسرار الرئيس..

استقالة نادية عكاشة كانت متداولة منذ اكثر من 10 ايام وسط الدوائر الضيقة لكبار الفاعلين في البلاد الذين اتصلت بهم عكاشة  شخصيا واعلمتهم باعتزامها المغادرة وقدمت لهم خلفيات قرارها الذي لم يكن في الواقع اختيارا بعد ان « قُلمت اظافرها» بالكامل واصبحت تقريبا بلا نفوذ وشبه مجمدة وبلا ملفات وايضا تحت المراقبة اللصيقة .

قد تكون تلك الاتصالات بمثابة» المحاولات» الاخيرة التي قامت بها عكاشة لاحداث تغييرات في موازين القوى من « خارج منظومة الحكم» او هي  بالأحرى اتصالات ضمن استراتيجية الاعداد لما بعد الخروج من الرئاسة التي تنطلق عبر تأسيس « حزام « داعم لها وهذا يمر بالنسبة لشخصية مثل عكاشة عبر معالجة اخطاء الماضي القريب وما خلفت سنتين في القصر من « عداوات» شملت الجميع تقريبا  .

 الاسباب ..

نص استقالة نادية عكاشة  المقتضب  والمنشور على صفحتها الرسمية بموقع «فايسبوك» كان اعلان استقالة وايضا تموقع ما بعد الخروج الذي سيكون على الارجح وربما بشكل مؤكد في المعارضة حسب العبارات التي استعملتها مديرة الديوان المستقيلة التي وضعت نفسها في ندية مع الرئيس قيس سعيد ونفت عنه حتى الهرمية الوظيفية علاوة على عدم تضمينها أية كلمة شكر في نص الاستقالة « الفض».

مربط الفرس في منشور عكاشة بخلاف اعلان الاستقالة هو تبرأ من قرارات ومسارات قديمة وجديدة للرئاسة عبر تشديدها على» وجود اختلافات جوهرية في وجهات النظر المتعلقة بالمصلحة الفضلى للوطن» خلصت من منطلقها الى ان « من واجبها الانسحاب من منصبها كمديرة للديوان الرئاسي «. لم تكشف عكاشة عن ماهية هذه الاختلافات الجوهرية وهي التي كانت فاعلا اساسيا في منعرج 25 جويلية .

هذا التبرأ نظر اليه البعض كعملية قفز من سفينة بصدد الغرق وجاءت بعد تتالي المواقف الدولية « المتحفظة بشدة» على تطورات الوضع في تونس . و المحيط المهيمن على القرار في الرئاسة يحمل عكاشة رأسا مسؤولية هذه المواقف « التي جاءت تبعا لتحركات خفية قامت بها في الايام الاخيرة « لاسيما انها تعد» المخاطب المباشر لجل البعثات الدبلوماسية» الاجنبية في تونس .

الشق الداعم لمغادرة عكاشة يتهمها بـ» ضرب وزير الداخلية توفيق شرف الدين» والتأليب عليه  عبر الترويج لأن تعاطي الوزارة مع الاحتجاجات الاخيرة وقرارات احالة عدد من الامنيين على التقاعد الوجوبي وعلى الاقامة الجبرية تمت بقرار شخصي منه فرضه فرضا على رئيس الجمهورية» وان « ذلك جعلها في موضع اصطفاف مع خصوم قيس سعيد» .

ورغم ان هذه السردية من قبيل البحث عن شماعة فشل فان كثيرين مما يسمى بـ»جماعة المشروع» يصدقونها بقوة . وغير بعيد عن هذه الرواية ، تتناقل رواية اخرى في علاقة بصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل اسم توفيق شرف الدين وتروج له كـ» البديل عن قيس سعيد» . الوزارة تبرأت من هذه الصفحات التي كادت تخلق « فتنة» بين الرئيس واحد اهم رجالاته في الحكومة وفي «المشروع» .

اتُهمت عكاشة بالوقوف وراء هذه الصفحات  بهدف « الايقاع بين سعيد وشرف الدين « والاتهامات تتضمن علاوة على ذلك تسريب» معطيات امنية  استخباراتية « على مواقع التواصل الاجتماعي « لضرب مصداقية الوزارة ومصداقية تقاريرها الموجهة لرئيس الجمهورية». احد التسريبات يتعلق بالتخطيط للاغتيال وشبهة التسريب وادارة هذه الصفحات كانت من بين اسباب احالة عدد من الامنيين مؤخرا على التقاعد الوجوبي .

اما عكاشة ، فتنقل عنها « انتقادات حادة للعائلة» التي دخلت بقوة للتأثير في مجريات الامور خاصة بعد 25 جويلية . الاسم الاكثر تداولا ليس شقيق قيس سعيد الذي كان في الواجهة واختار الابتعاد عن التدوين و» التفسير الدستوري» عبر صفحته الرسمية ، وانما هي شقيقة زوجة الرئيس المحامية عاتكة اشبيل اهم داعمي وزير الداخلية والعنصر الفاعل بقوة في منظومة حكم ما بعد 25 ،حسب الاخبار المتداولة في الكواليس .

ويختفي وراء هذا الشق ،وفق الرواية المنقولة عن عكاشة ، « لوبي جهوي»  اصبح له النفوذ الاهم في الدولة من خلال التحكم في جل التعيينات وفي القرارات وانخرط في « عمليات تصفية حسابات»  . 

مشروع ضد مشروع

تغيرت وضعية نادية عكاشة رأسا على عقب بعد 25 جويلية 2021 . فالسيدة التي كانت حتى وقت قريب ظل الرئيس اصبحت معزولة ومحاصرة ومستهدفة ليس من خصومه مثلما كان الحال سابقا بل من جماعته الذين انتفضوا على « اللحظة»  ووجدوا في عكاشة عائقا امام بسط نفوذهم . دخل « الاضداد» في معركة بسط نفوذ في مرحلة كان عنوانها « تطهير مؤسسات الدولة من منظومة ما قبل 25 جويلية»  وتأسيس منظومة جديدة .

الصراع كان محددا باعتبار ان الفائز سيضمن التأثير في بقية المسار . فشلت عكاشة وهي المناهضة لـ» مشروع البناء القاعدي» لاول مرة منذ التحاقها بركب الرئيس في شهر اكتوبر 2019 بعد ان كانت مساندة خفية لمنافسه في الانتخابات الرئاسية نبيل القروي «. مساندة كانت» نكاية في يوسف الشاهد وخاصة في عضده سليم العزابي الذي تتهمه عكاشة بالتدخل المباشر عندما كان مديرا لديوان الراحل الباجي قائد السبسي لحرمانها من منصب ضمن بعثة الاتحاد الاوروبي .

فشل لم تستوعبه عكاشة التي غاب عنها انها تواجه مجموعة ترى انها صاحبة فضل على قيس سعيد باعتبارها رافقته طيلة سنوات دون حسابات حتى موعد 25 جويلية الذي كان بالنسبة اليها منطلق دخولها معترك السلطة بعد سنتين من « الابعاد» تفهمه « المخلصون»  او « اصحاب المشروع» مثلما يلقبون انفسهم من قادة الحملات التفسيرية الذين عينوا وزراء وولاة ومعتمدين ومستشارين وايضا رؤساء مديرين عامين .

واهم ممثلي هذا المشروع هما وزير الداخلية توفيق شرف الدين ووزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي . الاول مدعوم مثلما اشرنا من العائلة التي تجمعه بعدد من افرادها صداقات متينة تعود الى سنوات خلت والثاني هو رئيس « حملته التفسيرية» في بن عروس . والثنائي المتحالف اليوم ضد عكاشة سيدخل قريبا في منافسة على قيادة « المشروع « قد تتحول الى صراع جديد خاصة مع بداية ظهور مالك الزاهي الذي  تحول الى « رجل ملفات» ومقابل وزير داخلية سيصبح الحلقة الاضعف بالنظر الى طبيعة الوزارة التي تاكل كل من مر عليها بفعل التهرئة السياسية والشعبية  .

وكان لقاء 18 جانفي الجاري الذي جمع سعيد بالثلاثي العميد الصادق بلعيد والاستاذ امين محفوط والوزير الاسبق والعميد محمد صالح بن عيسى اخر محاولات نادية عكاشة لتعديل موازين القوى داخل القصر عبر التعويل على دعم من « المحيط الاكاديمي» لسعيد وما تبقى له من مساندين داخل اوساط  النخبة. والمحاولة فشلت ويقول بعض من حضروا الاجتماع  انهم « سيقاطعون الرئاسة ان تمسكت بارساء ما يسمى بالديمقراطية القاعدية « وان « اجتماع 18 جانفي سيكون على الارجح الاجتماع الاخير « بعد ان «لمسوا تلكؤا من سعيد « اعتبرها البعض استراتيجية لتوظيفهم وتوريطهم في « ارساء منظومة حكم مجالسية لا تمثل الحل لتونس «.   .

اسرار …

يحسب لنادية عكاشة الصمود في مواجهة حملات شعواء استهدفتها طيلة سنتين بقيادة حركة النهضة التي خصصت لها ساعات من النقاشات في مجالس شوراها. والحملات جاءت بسبب الدور الذي لعبته عكاشة خلال فترة الصراع السياسي التي انطلقت منذ حكومة الياس الفخفاخ وتواصلت حتى اخر ايام حكومة المشيشي واختارت النهضة للمحافظة على شعرة معاوية توجيه سهامها اليها لتجنب المواجهة المباشرة مع رئيس الجمهورية قيس سعيد .

نادية عكاشة شخصية جدلية وغامضة غموضا شمل ايضا دورها في الرئاسة ان كانت واجهة استعملها سعيد واختفى وراؤها أم ان» «اجندة خاصة» كانت تحركها لاسيما مع تنامي طموحاتها التي وان كانت عادية لمن وصل لمثل المنصب الذي تقلدته وجعلها تحلم برئاسة الحكومة فان أليات تحقيق هذه الطموحات شكلت المشكل استنادا الى الاتهامات الموجهة اليها من قبل كل من غادر الرئاسة من قبيل حبك» المؤامرات والدسائس»  وادارة صفحات فايسبوكية لتسريب المعطيات والوثائق ولضرب الخصوم ونشر الاشاعات وحتى «علاقات اجنبية مشبوهة» لمحت اليها صراحة المستشارة السابقة رشيدة النيفر عند حديثها عن شبهة اختراق اجنبي للرئاسة.

غادرت عكاشة الرئاسة حاملة اسرار سنتين كانت خلالهما احد اهم الفاعلين في الحكم واحد « صناع» 25 جويلية وهي تحمل خاصة أسرار الرئيس قيس سعيد التي تشكل وجهه الخفي وماذا غيرت فيه السلطة وادق تفاصيل ملفات كانت مكلفة بادارتها . وعكس من سبقها وغادر السفينة بصمت ستكون عكاشة اكثرهم حدة في مواجهة الرئيس وهي التي تعلم عنه ما لا يعلم احد غيرها ولن تغفر له ما تعرضت له من اهانات في الثلاثة اشهر الاخيرة التي انهمك فيها « الجماعة» في صراع « التمكن» من دواليب الدولة وخسرت فيها البلاد وقتا ثمينا للاصلاح .

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 25 جانفي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING