الشارع المغاربي – نعرات التعصّب تحوم حول رئاسة بلديّة العاصمة! / بقلم: معز زيّود

نعرات التعصّب تحوم حول رئاسة بلديّة العاصمة! / بقلم: معز زيّود

25 مايو، 2018

الشارع المغاربي: قد نخطئ خطأ جارفا إذا ما اعتقدنا أنّ التعصّب عنوان سلوكي لطائفة أو حركة مذهبيّة أو دينيّة أو أيديولوجيّة دون سواها. الجدل العقيم حول مدى أحقيّة النائبة النهضويّة سعاد عبد الرحيم برئاسة بلديّة تونس العاصمة يُحيل إلى نوعٍ غير معلن من هذا التعصّب الجهوي أو الفئوي. وهو ما يُسيء لمسار الانتقال الديمقراطي ولدستور 2014 الذي يعدّ «تونس دولة مدنيّة»

من المعلوم أنّ حركة النهضة قد فازت، خلال الانتخابات البلديّة الأخيرة، بأكبر عدد من مقاعد المجلس البلدي لتونس العاصمة المكوّن من 60 عضوا، متمثلا في 21 مقعدا مقابل حصول حركة نداء تونس على 17 مقعدا، في حين توزّعت بقيّة المقاعد بين حزب التيّار الديمقراطي والجبهة الشعبية وقائمتين مستقلّتين هما «الاتحاد المدني» و«مدينتي تونس». وبالنظر إلى القانون الانتخابي وعجز أيّ قائمة عن الحصول عن نصف مقاعد المجلس زائد واحد فإنّ الفوز بمنصب «شيخ مدينة تونس» يستوجب توافقا سياسيّا حول أحد رؤساء القائمات الفائزة أو بالانتخاب عبر الحصول على أغلبية أصوات أعضاء المجلس. ولكنّ المثير للانتباه أنّ النقاش العام حول هذا الملفّ قد حاد عن بعده السياسي ليسقُط في صراع أبان درجة التعصّب الأيديولوجي عموما وأفاق النعرات الجهويّة الفضّة خصوصًا

تشويه النقاش العام

كان من الطبيعي أن تُعلن حركة النهضة ورئيسة قائمتها سعاد عبد الرحيم عن تمسّكها بالترشح لرئاسة بلديّة العاصمة، مثلما كان منتظرًا أن يساند حزب نداء تونس ترشيح رئيس قائمته كمال إيدير لهذا المنصب. وهو حقّ مكفول قانونيّا لكلّ رؤساء القائمات الفائزة، ومن ذلك أنّ أحد قيادات الجبهة الشعبيّة قد أعلن رغبة الجبهة في الترشح لهذا المنصب المهمّ. وتبقى المفاوضات الحزبيّة والسياسيّة طبعًا سيّد الموقف الذي سيرجّح كفّة هذه أو ذاك.

ومع ذلك فقد لاحظ المتابعون للشأن العام كيف تحوّل الطرح إلى بحثٍ عن مدى انتماء سعاد عبد الرحيم إلى طائفة «البلْديّة» والأبناء الأصليين للعاصمة من أجل الوقوف عند أحقيّتها بالفوز بمنصب «شيخ المدينة». هذا شيء ممّا تلفّظ به مثلا الفنّان رجاء فرحات مؤخرًا، معتبرا أنّها ليست «بنت العاصمة»، ممّا سيجعلها تفشل في إدارة شؤون المدينة، لاسيما أنّها تتبنّى مواقف ضدّ المرأة. هذا الطرح شاع بين التونسيين وشكّل مناسبة جديدة للاستقطاب الإيديولوجي ولكنّه عمّق الخطاب القائم على التقسيم الجهوي للتونسيين أيضا. فلو اكتفى بالتركيز على مواقف سعاد عبد الرحيم السابقة والتعبير عن عدم مساندتها لذلك لكان الطرح مقبولا سياسيا وفكريا. أمّا الحديث عن أصولها، بانتمائها لغير العاصمة، فإنّه يعكس تعصّبًا متناهيًا وجب التشهير به في كلّ الأحوال، لا لأنّها مقيمة بالعاصمة ومن مواليدها، وإنّما لأنّ المواطنة حقّ ليس لأيّ كان رفضه أو إسقاطه تحت أيّ مبرّر أيديولوجي أو سياسي كان.

الجدير بالذكر في هذا الصدد أنّه في الديمقراطيات العريقة، يحقّ للمهاجرين ممّن ليست لهم جنسيّة بلد الإقامة التصويت والترشح في الانتخابات البلديّة، وذلك على أساس حقّ المواطنة المكتسب بفعل الإيفاء بالواجبات ودفع الضرائب. وهو ما يعكس التمثلات الانفتاحيّة القائمة بشأن الديمقراطية المحليّة التي لا تزال بعض نخب المجتمع السياسي التونسي في غاية البعد عنها

شيخ المدينة في صيغة المؤنّث!

بدا واضحا أنّ سعاد عبد الرحيم قد حرصت على تجنّب تأجيج المواقف ضدّها، عند الإعلان مرارًا عن تمسّكها بترشحها لمنصب «شيخ مدينة تونس». فقد اعتبرت أنّ «رفض بعض الأحزاب ترشحها ليس استهدافا لشخصها أو لحزبها وإنّما هو مجرّد تنافس مشروع»، مؤكّدة «ضرورة عمل كافة الأطياف المنتخبة كفريق واحد داخل المجالس البلدية»، وفق ما ذهبت إليه. كما لم تُقدّم المرشحة النهضويّة مبرّرات «جنسانيّة» للدفاع عن حقّها المشروع في ترشيح نفسها لهذا المنصب، قائلة إنّها متمسّكة بترشحها «ليس لأنّها امرأة» وإنّما من أجل المواطنين الذين صوّتوا لها خلال الانتخابات البلدية.

ومن المفارقات أيضا أنّ سعاد عبد الرحيم كانت قد ردّت هي نفسها، في تصريح صحفي مؤخرا، على السياسي بحركة نداء تونس فؤاد بوسلامة الذي زعم أنّ «تولّي المرأة لبلديّة تونس مخالف للتعاليم الإسلاميّة». فقد خاطبته قائلة: «أرجو أن تفصل الدعوي عن السياسي». ومن ثمّة يبدو أنّ عبد الرحيم قد تعلّمت من أخطائها «السياسيّة» السابقة وتجربتها بالمجلس الوطني التأسيسي ومواقفها المحافظة من أجل إرضاء قيادة حركة النهضة.

وللإشارة فإنّ جمعيّة النساء الديمقراطيات مثلا قد تعالت عن مستوى الجدل الذكوري والجهوي العقيم الذي خيّم على هذه القضيّة. فقد أعلنت عن رفض حشرها في دعم الشخصيات السياسيّة، ودعت في المقابل إلى الانتصار لترشيح النساء بناءً على كفاءتهنّ وإيمانهنّ بـ»المساواة التامّة دون مساومة أو مواربة أو تمييز». وهو ما يعني توقها مبدئيًا إلى أن تضطلع امرأة بمنصب «شيخ مدينة تونس» لأوّل مرّة في التاريخ العريق للحاضرة، لكنّه لا يكشف رأيها بوضوح بشأن مبدأ ترشيح ممثلة حركة النهضة للفوز بهذا المنصب الحيويّ.

ومع ذلك، فإنّه من غير الديمقراطي رجم الغيب والحكم على المستقبل من باب التعصّب لموقف أيديولوجي معيّن أو الانتصار إلى فئة من التونسيين باسم «أصول شجرة العائلة»، دون أدنى اعتبار لحقوق المواطنة رغم الشعارات التقدّميّة الرنّانة المرفوعة. وفي كلّ الأحوال فإنّ لا أحد في المجلس البلدي بالعاصمة في قدرته إجراء تغييرات جذريّة تمسّ بالنمط الاجتماعي التونسي السائد لاعتبارات عدّة، أوّلها التنوّع والتعدّد الحزبي في تركيبة المجلس، وثانيها الحضور المهمّ للمستقلّين، وثالثها وهو الأهمّ يقظة المجتمع المدني الرافض للتعصّب بمختلف أشكاله.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING