الشارع المغاربي – نعم ولكن...ولكن...ولكن...!/ بقلم: عز الدين سعيدان

نعم ولكن…ولكن…ولكن…!/ بقلم: عز الدين سعيدان

قسم الأخبار

29 أكتوبر، 2022

الشارع المغاربي: تطلّب الأمر حكومتين وثمانية عشر شهرا بين نقاشات فنية ومفاوضات للتوصل الى اتفاق مبدئي يسمى أيضا “اتفاق على مستوى الخبراء” لمنح تونس قرضا جديدا بـ 1,9 مليار دولار على امتداد أربع سنوات في اطار برنامج إصلاحات جديد هدفه الخروج بتونس من المأزق الاقتصادي والمالي الذي تردت فيه.

فهل يعني ذلك ان صندوق النقد الدولي منح تونس قرضا بـ 1,9 مليار دولار؟ الإجابة هي : ليس بعد. ذلك ان الأمر يتطلب قبل كل شيء الحصول على موافقة نهائية من المجلس التنفيذي للصندوق الذي له اجتماع مبرمج لشهر ديسمبر القادم. من هنا، سيتوجب على الحكومة التونسية اعداد وثيقتين أساسيتين ستكشفان لا عن التشخيص الحقيقي للوضع الاقتصادي والمالي بالبلاد فحسب وانما عن توجهات وخيارات الحكومة لانجاز مشروع الإصلاحات الذي التزمت به السلطات التونسية إزاء صندوق النقد الدولي. والأمر يتعلق بمشروعي قانون المالية التكميلي لسنة 2022 وقانون المالية لسنة 2023. مشروعان يتوجب عرضهما على صندوق النقد الدولي قبل موعد اجتماع مجلسه التنفيذي المبرمج للنصف الثاني من ديسمبر 2022.

يتوجّب بعد ذلك التوضيح انه في صورة توصل تونس الى اتفاق نهائي سيتم صرف القرض كما يلي :

-قسط أول يمثل ثُمن مبلغ القرض كاملا بما يشكل نحو 240 مليون دولار يتم تسريحه عند امضاء الاتفاق ومن المرجّح ان يتم ذلك في شهر جانفي 2023.

أما بقية مبلغ القرض فقد يتم تقسيمها على سبعة أقساط يتم تسريح كل واحد منها كل 6 أشهر.

غير أنه من المنتظر قبل تسريح كل قسط ان يحط بتونس فريق من صندوق النقد الدولي ليعاين عن كثب تقدم تنفيذ الإصلاحات التي قد تكون الحكومة التونسية التزمت بها.

لكن هناك مجموعة من الأسئلة تفرض نفسها اليوم :

1 – بأية وسائل ستغطي الدولة التونسية نفقاتها العادية طيلة ما تبقى من عام 2022 مع العلم ان كل الفرضيات التي بُني عليها قانون المالية لعام 2022 سقطت في الماء. فقد كانت هناك مراهنة على التوصل لاتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي قبل شهر مارس 2022 الى جانب اعتماد فرضيات تتعلق بسعر برميل النفط وسعر صرف الدولار ونسبة النمو الاقتصادي المنتظرة لعام 2022 الخ. والى حدّ اليوم لجأت وزارة المالية لتأجيل مواعيد خلاص القروض الداخلية (بالدينار والعملة الأجنبية) والتمديد فيها لعدة سنوات وصولا الى سنة 2033، وقد لجأت وزارة المالية أيضا (بمساعدة البنك المركزي) الى طبع الأوراق النقدية لتغطية بعض النفقات. وفضلا عن ذلك فضّلت وزارة المالية الإمساك عن تسديد دفوعات خاصة بصندوق التعويض بما يعني ان الأرقام الخاصة بتنفيذ ميزانية الدولة هي اليوم مشوّهة وغير دقيقة. والسؤال هنا هو : على أية فرضيات سنعدّ – والحالة تلك – مشروع قانون المالية التكميلي ؟ انه سؤال غاية في الأهمية يتطلب جوابا عاجلا.

2 – من المحتمل أن تكون سنة 2023 صعبة بشكل خاص نتيجة ارتفاع مبالغ خدمة الدين الخارجي لأنها توافق حلول مواعيد تسديد أصول الديون وفوائدها. لذلك سيكون اعداد مشروع ميزانية لعام 2023 في حدّ ذاته معقدا جدا اذ كيف ستمول تونس نفقاتها العادية وتسدّد ديونها وخصوصا الخارجية منها؟ فواقعيّا يبلغ حجم المبلغ الأقصى الذي يمكن أن تحصل عليه تونس سنة 2023 من قرض الـ 1,9 مليار دولار 480 مليون دولار بما يوافق الافراج عن قسطين سداسيين. وأحد التحديات الأساسية لعام 2023 هو خلاص الدين الخارجي (أصلا وفوائد) والذي سيناهز مرتين ونصف خدمات الدين الخارجي لسنة 2022. هناك أيضا تحدّ آخر هام ويتعلق بوضعيات المؤسسات العمومية التي اتضح سنة 2022 بعدما فقدت ثقة مزوّديها والبنوك المحلية والأجنبية انها عاجزة عن امداد السوق المحلية بمواد أساسية مثل الأدوية والحبوب والمحروقات والزيت النباتي والسكر والقهوة الخ. كيف يمكن اذن التأكد من خلال ميزانية الدولة ألاّ تواجه المؤسسات العمومية في 2023 نقصا في الموارد لتسديد فواتير مزوّديها الأجانب وحتى المحليين منهم؟

3 – هل ستكون السلطات التونسية قادرة على الإيفاء بالالتزامات التي تعهدت بها لصندوق النقد الدولي لضمان تسريح كل أقساط القرض؟ ان ما علينا تجنبّه بأي ثمن هو تكرار تجربتي برنامجي 2013 و2016 المؤسفتين مع صندوق النقد الدولي.

فقد باء البرنامجان المذكوران بالفشل لأن تونس لم تحترم التزاماتها بإجراء إصلاحات وتمت معاقبتها بعدم الافراج عن أقساط مهمة كانت مخصّصة للبرنامجين.

4 – هل يمكن انقاذ المالية العمومية والمؤسسات العمومية التونسية خارج استراتيجية شاملة لإنقاذ الاقتصاد التونسي؟ وهل تفاوضت السلطات التونسية مع صندوق النقد الدولي على أساس استراتيجية مماثلة؟ لماذا تواصل السلطات التونسية رفض الكشف عن المحتوى الكامل للاتفاق (الوقتي) الذي تم مع صندوق النقد الدولي؟

أسئلة عديدة تستدعي ردودا عاجلة. أسئلة تمثل تحديات عويصة فهل من إجابات؟

الأكيد انه ليس من شأن الصمت الذي تلوذ به السلطات التونسية أن يخدم مصلحة بلادنا.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 25 اكتوبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING