الشارع المغاربي – كوثر زنظور : حتى الساعات الاخيرة من يوم الجمعة 13 سبتمبر 2019 ، تعاملت قلة قليلة من “مترشحي العائلة الوسطية” و”السيتسام” بجدية مع المعطيات الواردة من مؤسسات سبر الآراء بخصوص النتائج المتوقعة للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها ،..، انطلقت المفاوضات وانتهت سريعا برفض قاطع من الجميع دون استثناء ..
مرور الثنائي قيس سعيد ونبيل القروي للدور الثاني من السباق الرئاسي كان متوقعا في جل نتائج سبر الاراء ، ووضع كنتيجة مؤكدة بنسبة لا تقل عن 90 في المئة من مساء يوم الخميس 12 سبتمبر 2019 . التحاليل المتداولة حول النتيجة فرضت تحركات من قبل اكثر من مترشح للقفز على فرصة ولعب ” ورقة ” اخيرة ، تحوّل الهزيمة الى انتصار ، ورقة شكلت آخر الحلول بعد فشل مفاوضات الانسحابات ” الثقيلة” .
المفاوضات
قراءة حملة المترشح عبد الكريم الزبيدي للنتائج المتوقعة ، كانت الاكثر جدية بالنظر الى وجود صاحب مؤسسة ” سيغماكونساي” ضمن فريقها وباستثناء الزبيدي تعامل كل من يوسف الشاهد وعبير موسي والمهدي جمعة بتحفظ كبير ازائها بل وكذّبها ، وتم التعاطي معها كورقة ضغط استعملها الزرقوني لفرض انسحابات على مترشحين بتخويفهم من صعود ” قيس سعيد” وتحمل التبعات السياسية لهذا الصعود خاصة برفضهم الانسحاب.
وقبل اسبوع من نهاية الحملة ، كان للزبيدي وعبير موسي لقاء لم يفض الى أية نتيجة ايجابية ، موسي رفّعت في سقف الشروط وجعلت انسحابها قرار شبه مستحيل ، والزبيدي بطبعه “العنيد” رفض اعادة الكرة ، او الخوض في مشاورات مباشرة مع اي طرف كان ، موقف رفضه جزء من الحملة الذي راقب تراكم الاخطاء الاتصالية والحملة ” الممنهجة ” من المنافس يوسف الشاهد ، وخاصة الانطلاق المتأخر في الحملة وضعف الفريق المرافق لها في عدد من الجهات .
وفي نفس الفترة تم التطرق الى “الانسحاب” في اجتماع مع المهدي جمعة ، شق كبير من الحملة رفض اصلا التطرق الى هذا الملف ، حفاظا على “علاقات طيبة” تم التأكيد للزبيدي بلغة ” دبلوماسية” على ان التطورات القادمة قد تغير المعطيات ، فيما تداول الفريق المقرب من جمعة ، وحتى المكتب السياسي لحزبه ، باستهزاء كبير هذا الاقتراح وبتشكيك كبير في مصداقية الارقام التي شكلت منطلق النقاشات والمتعلقة بنتائج سبر اراء صادرة عن ” سيغما”.
مع اقتراب نهاية الحملة ، وتحديدا قبل يومين من موعد الاقتراع عادت المفاوضات بقوة بعد تأكد ابتعاد كل مترشحي العائلة الوسطية عن الدور الثاني ، وبأن للزبيدي فقط فرصة للمرور لا تكون الا بانسحابات ثقيلة ، تخص بالتحديد المهدي جمعة وعبير موسي .الثنائي رفض بأشكال مختلفة لكنها كانت حادة هذه المرة ، فمن جهتها طالبت عبير موسي باطلاع حزبها على الكتاب الذي سلّمه رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي للزبيدي أياما قليلة قبل رحيله .
هذا الكتاب ” اللغز” مثلما سمته هي وتنعته بالكتاب الازرق تقول انه يتضمن اسرارا خطيرة عن سنوات ما بعد الثورة ، تهم الامن القومي والجهاز السري والتسفير الى بؤر التوتر واحداث السفارة الامريكية ، وغيرها من الملفات ، طلب اثار استغراب فريق الزبيدي الذي كذب وجوده أصلا واعتباره “تعلة” اختبأت موسي وراءها حتى لا تعلن صراحة رفض الانسحاب ، قبل ان يؤكد فريقها انه على الزبيدي الانسحاب وليس موسي باعتبارها “الاجدر ” مقابل “وافد جديد على المشهد” .
بخلاف هذه الحجة ، تمسك فريق موسي بالرفض ايضا من منطلق “عدم وضوح العلاقة بين الزبيدي والنهضة” ، ومنطلق اهم بالنسبة لهم ، هو حظوظ التشريعية التي “ستضرب في مقتل في صورة انسحاب زعيمة الحزب” لفائدة مترشح قادم من قبل “لوبيات ” واصطفت “وراءه شخصيات يسارية مرفوضة في العائلة التجمعية على غرار كمال الجندوبي . وذهبت “جماعة” موسي لأبعد من ذلك بالتأكيد على أن ” مناشدة الزبيدي بـ197 صفحة فايسبوكية تأسست فجأة تدل على ان وراء هذا المترشح اجندة كاملة” وانه بذلك يشكل “خطرا باعتباره قد يكون شجرة تخفي غابة ” .
موقف حملة جمعة كان أقل حدة ، لكن بنفس الصرامة ، رفض الانسحاب لوافد جديد تتهمه الحملة بمزيد تشتيت الاصوات ، مقابل “مشروع سياسي يحمل بذور النجاح ان لم يكن في انتخابات 2019 فسيكون في انتخابات 2024″ ، وفريق جمعة لا يرى في الزبيدي ” مؤهلات وخصال تفوق مرشحهم” ودعوا من جهتهم ” هذا المترشح المستقل” للانسحاب ، ملوحين بنشر فيديو يكشف كيف كان يساند مرشحهم جمعة قبل ان يدفع للترشح لاسباب مجهولة ، وفق تقديراتهم.
ومع تأكد عدم مرور أي من مترشحي “العائلة التقدمية الوسطية” ، طرحت مفاوضات بين مرشح تحيا تونس يوسف الشاهد والزبيدي ، تنطلق بتعهد الزبيدي بالانسحاب لفائدة “الاقدم” وصاحب الصفة “الأرفع” ، اذ أن ” رئيس الحكومة وفق الاعراف السياسية لا ينسحب لفائدة وزيره” ،مقابل تعهد “تحيا تونس” بالانفتاح على أية شروط يضعها الزبيدي على طاولة النقاش . العرض لم يكن حتى ” مقبولا للهضم السياسي” يقول احد المقربين من الزبيدي وانتهى دون تسجيل اي تقدم ، لاسيما ان مفاوضات سبقت ايداع وزير الدفاع ترشحه وانتهت بالفشل ، رغم انه طرحت عليه وقتها رئاسة الحكومة القادمة.
فشلت مفاوضات الانسحابات الثقيلة ، رغم تدخل اتحاد الشغل ، وكانالفشل مصير كل المفاوضات حتى تلك التي شملتمترشحين ” ترشحوا من أجل الترشح” على غرار سعيد العايدي وسلمى اللومي وناجي جلول ، كما فشلت المفاوضات مع “مجموعة نبيل القروي” والتي تمت على أكثر من طرف ، وهو الذي نقل اليه بأن التمسك بالترشح يعني انتظار حكم بـ10 سنوات سجنا ، سواء فاز بالرئاسة او انهزم في الدور الثاني.
اما في الجهة المقابلة ، بين ” مترشحي الثورة” مثلما يلقبون أنفسهم ، فالاءات رفعت من قبل كل المترشحين، مورو طبعا كان خارج اية مفاوضات تطالبه بالانسحاب ، اما المرزوقي فتحول الى نهضوي اكثر من النهضويين يتسول اصواتهم ويعدهم بالدفاع عنهم ، مقابل سيف مخلوف متمرد ويخوض اول انتخابات رئاسية يبحث من خلالها عن زعامة ، وحمادي الجبالي المعول على اصوات الغاضبين على القيادة الحالية للنهضة ، وقيس سعيد ” المتعفف” والخارج عن سياقات المفاوضات والصفقات .
ازاء تعويل كل المترشحين على الخزان الانتخابي النهضوي ، صعدت الحركة من الحشد وودعت كل قياداتها للمشاركة في حملة مورو وغلق الباب امام “اية انحرافات” ، وهو ما نجحت فيه نسبيا بصعود مورو في الايام الثلاثة من عمر الحملة الانتخابية ، وعودته للسباق بمراجعة بعض تصريحاته خاصة تلك المتعلقة بموقفه من المثلية الجنسية التي اثارت جدلا واسعا .
الهيئة وورقة القروي
انتهت الساعات الطويلة من النقاشات بغلق ملف ” الانسحابات”، والتركيز على المرتبة الثالثة من قبل ثلاث مترشحين بعد شبه تأكد من صعود الثنائي قيس سعيد ونبيل القروي ، والمرتبة الثالثة لا تصلح لشيء لو لا تسريبات من هيئة الانتخابات 3 ايام قبل انتهاء الحملة الانتخابية تشير الى امكانية اسقاط المترشح نبيل القروي ، بسبب “خروقات جسيمة” قالت انها ستتسبب في “اسقاطه ” حتى ان مر للدور الثاني.
تلك الورقة ، جعلت الثلاثي يًصعّد نسق الحملة في الايام الاخيرة ، الشاهد بضرب مرشحه المباشر ” عبد الكريم الزبيدي” ، والنهضة المتهمة بقرصنة الحساب الشخصي لمدير حملة المرزوقي وتنزيل بلاغ فيه يدعو للتصويت لمورو ، والزبيدي بالتعويل على التعبئة اللوجستية يوم الاقتراع ، وكان الثلاثي يعول على معطى انتخابي قد يغير المعادلة يوم الاقتراع يتعلق بغياب ماكينة انتخابية لسعيد ، تمكنه من التعبئة يوم الانتخاب وبذلك يخسر حسابيا ما لا يقل عن 30 %من الاصوات.
فشل جديد ينضاف إلى الفشل المتعدد خلال أيام الحملة ، بصعود سعيد يوم الاقتراع من المرتبة الثانية الى الاولى ، وسقوط كل “مرشحي ” السيستام” في ليلة كانت الاطول في مقرات حملاتهم ، وللبحث عن مبررات لهزيمة مدوية كانت متوقعة استنادا لنتائج سبر الاراء الصادر منذ شهر مارس المنقضي حتى اخر ايام الحملة ، وتم التعامل معها باستخفاف وتكذيب وهروب إلى الامام وفي المخيال حسابات من قبيل ” الماكينات والاموال الطائلة والاعلام الموجه” وتوظيف اجهزة الدولة لتجاوز ” التصويت العقابي” .
هُزم رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس البرلمان المؤقت ، وكل مكونات المعارضة طيلة السنوات الماضية ، وصعدت وجوه جديدة على غرار قيس سعيد ولطفي المرايحي وسيف مخلوف ، بسبب حصيلة حكم سوداء ، ومحاصصات مقابل الكفاءات والعودة الى كل الممارسات البغيضة التي اسقطت ذات شتاء بن علي بالشارع ، وأسقطت “السيستام” ومنظومة الحكم بالصندوق الشعبويين وعديمي الكفاءة الذين باتوا البديل عن الفشل والرداءة الملقبة ب”الاستقرار الحكومي”.
صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها بتاريخ 17 سبتمبر 2019.