الشارع المغاربي – هل‭ ‬يجوز‭ ‬لاسلامي‭ ‬راديكالي‭ ‬ومن‭ ‬المسؤولين‭ ‬البارزين‭ ‬عن‭ ‬عشرية‭ ‬الخراب‭ ‬أن‭ ‬يتقدم‭ ‬بمشروع‭ ‬حزب‭ ‬جديد؟: عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬المكي‭ ‬أنموذجا

هل‭ ‬يجوز‭ ‬لاسلامي‭ ‬راديكالي‭ ‬ومن‭ ‬المسؤولين‭ ‬البارزين‭ ‬عن‭ ‬عشرية‭ ‬الخراب‭ ‬أن‭ ‬يتقدم‭ ‬بمشروع‭ ‬حزب‭ ‬جديد؟: عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬المكي‭ ‬أنموذجا

قسم الأخبار

14 مايو، 2022

الشارع المغاربي-أنس الشابي: راج منذ مدّة خبر سعي عبد اللطيف المكي لإنشاء حزب جديد بعد أن أشاع مغادرته حركة النهضة واستقالته منها. وخلال الأيام الفارطة نشر على صفحته أن أشغال اللجان التي ألّفها لبلورة مشروع حزب سياسي جديد قاربت على نهايتها وأنه سيتم عقد جلسة تأسيسيّة في الأيام القادمة. مثل هذا الإعلان يثير الكثير من التساؤلات والشكوك لأسباب متعدّدة من بين أهمها التكتّم على البرنامج وتعمّد إخفاء أسماء وصفات المؤسّسين والمشاركين في اللجان المتحدّث عنها. وهو أمر يثير الريبة لأن الأحزاب تنشأ عبر النقاش الحرّ على صفحات الجرائد والمجلات بوجوه مكشوفة وفي الفضاءات العامة التي يشارك فيها المهتمون بالشأن السياسي والثقافي. وفي تقديري أن السرية التي اعتمدها المكي مقصودة ومخطط لها حتى لا تثار أهم قضية قد تكون حاسمة وهي طبيعة العلاقة التي تربط هذا الحزب بحركة النهضة وما هي حدودها؟ وهل يمثل هذا الحزب معطى جديدا في الساحة السياسيّة أو أنه نسخة معدّلة من الحركة التي تربىّ فيها مؤسّسه وبعض من شاهدناهم في الصور المنشورة على صفحته؟

لم يكن إنشاء أحزاب قريبة من التنظيم الأمّ بالمسألة الغريبة عن حركة الإخوان المسلمين لأنها تعتمدها كلما ضاق الخناق عليها وحوصرت من طرف القوى المدنيّة. ففي مصر لجأت إلى تكوين حزبي “الوسط” ثم “الوسط الجديد” بعد سنة 2011 لتجميع شباب الجامعات وغيرهم ممّن رفضوا استئثار شيوخ التنظيم الخاص بالقيادة: هذان الحزبان أسّسهما أبو العلاء ماضي القيادي الطلابي الإخواني. ضمن هذا الأسلوب يندرج تأسيس حزب المكي وإن ادّعى خلاف ذلك لأننا نجده من خلال متابعة تصريحاته وبياناته باقيا على حاله كما هو منذ أن أدّى البيعة. وما يشيع من خلافات له مع النهضة لا يخرج عن إطار تشويش الرؤية لدى الجمهور وأدلتنا على ذلك كثيرة نورد منها البعض ممّا يؤكد بقاءه على العهد الإخواني. ففي الفترة التي انخرط فيها المكي في الاتجاه الإسلامي بين سنتي 1982 و1983 وفق ما صرح هو نفسه بذلك(1) كانت هناك شروط يجب أن تتوفر في المترشح حتى يؤدّي البيعة ويصبح بعدها أخا ملتزما. شروط تحدّث عنها لطفي زيتون الذي أدى البيعة في نفس الفترة التي أدّاها المكي وقال: “هناك شروط مثلا أنك تحفظ ستّة أحزاب، ألا تدخّن وأن تكون قضيت فترة تجربة في الأسرة المفتوحة، أنا كنت من سنة 1981 إلى 1984، فترة ثلاث سنوات في أسرة مفتوحة: متابعة وتكوين أساسي إلخ….. وهناك من بقي حتى عشر سنوات في الأسرة المفتوحة دون أن يتحوّل إلى الأسرة الملتزمة، القيادة هي التي تختار من ترشّحهم، كل منطقة ترشّح مجموعة من الأعضاء وفي ما بعد تقع الغربلة على المستوى المركزي وتختار مجموعة تطرح على أفرادها المسألة وهي أنهم مرشّحون لأداء البيعة والالتزام ولمن يرفض أن يرفض منذئذ”(2)، وهي الشروط نفسها التي مرّ بها المهدي مبروك لمّا أدى البيعة في السنة الجامعية 1982 و1983(3)، يقول في شهادته بنفس الصفحة إن “عبد اللطيف المكي كان معروفا بأنه إسلامي مندفع وله قدرة رهيبة على البناء التنظيمي للهياكل” وهو ما يعني حسب القرائن الثابتة أن المكي وإن لم يتحدث عن أداء البيعة أدّاها  قبل المهدي وحتى قبل لطفي زيتون وفق شهادتهما. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نقض المكي بيعته للاتجاه الإسلامي أو أنه ما زال متمسكا بها؟ وهل يمكن أن نأمن لِمن لم يتخل عن فكرة الاستعلاء بالإيمان وتكفير المخالف والدعوة إلى الفريضة الغائبة أي الجهاد في سوريا مثلا وهي كلها من مستلزمات البيعة؟ للإجابة عن ذلك أورد في ما يلي جملة من المواقف المكية التي تثبت أن صاحبنا ما زال مصرّا بالنواجذ على البرنامج الإلهي للفرع المحلي وأن القصد مما يروّج من ترهات كالاستقالة وتكوين حزب هو تلويث الفضاء السياسي وتشويش الرؤية لدى قصار النظر كالتالي:

1) في جواب له عن سؤال حول “الحمائم والصقور” داخل الفرع المحلي للتنظيم الدولي للإخوان قال: “هذا جزء من مخطط استهداف الحركة والرغبة في تقسيمها وتشتيتها وإضعافها وتشويه وحدتها والمفروض أن يكون الجميع داخل الحركة واعين بخطورة هذا المخطط”(4). وبعد ذلك بسنة “استبعد خروجه من الحركة”(5) وهو بذلك يقصد نقض البيعة.

أما الانتقال ببيعته إلى فضاءات أخرى فمسألة واردة ومحبّذة ولنا في ذلك أمثلة متعددة كحمادي الجبالي وجماعة اليسار الإسلامي الذين غادروا الحركة ولكنهم لم ينقضوا البيعة فبقوا على العهد يؤدّون للحركة الخدمات كلما ضاقت بها السبل. وفي تقديري أن الحزب المكي يندرج ضمن إطار تخفيف الضغط عن الحركة الأمّ واسترجاع الغاضبين من المستجدين الذين لم يؤدوا البيعة واستقطاب من يعتقدون أن الحركات الدينيّة يمكن أن تتطور وتتغيّر والحال أن “الرؤية الفكريّة والمنهج الأصولي لحركة الاتجاه الإسلامي” المعتمدان لحدّ الآن كقاعدة انتماء ليسا إلا وثيقة عقائدية إما أن يقبلا جميعهما أو يُرفض جميعهما. على المكي إن كان صادقا في ما يشيع أن ينقض بيعته أوّلا ويتفصّى من الرؤية الفكريّة ثانيا وعندها فقط يمكن أن نحمل على محمل الجدّ أنه أسّس حزبا جديدا وليس مشتقا من مشتقات الفرع.

2) في مسألة العلاقة بين الدين والسياسة وتحييد المساجد لم يخرج المكي قيد أنملة عن سياسة الفرع القائمة على احتلال المساجد وتجنيد إطاراتها لصالحها. فلمّا قرّر وزير الشؤون الدينيّة الشيخ عثمان بطيخ تنحية أيمة التطرف كالخادمي إمام التسفير والجوادي والبشير بن حسن الأمر الذي أدى إلى تعطيل شعيرة الجمعة مدة شهرين كاملين انخرط المكي في جوقة معارضة الوزير وقال: “… والحال أن الثقافة الإسلاميّة تفرض على عالم الدين أن يمارس واجبه وفق ضوابط دينيّة وثقافيّة وما يملي عليه ضميره، الأيمة المعزولون هم من أفضل الأيمة الذين نمتلكهم… كما أنهم روّجوا إبّان الثورة إلى ما جاء به الدستور من ديمقراطية وحرية…. كما علمنا أن عددا من اليساريّين يتردّدون على وزارة الشؤون الدينيّة ويتدخلون في عدد من القرارات ونحن ندعوهم إلى الكفّ عن ذلك”(6). ويقصد باليساريين آمال القرامي التي شاركت أيامها في ندوة عن الإعلام الديني نظمتها الوزارة. ويقول في دفاعه عن نور الدين الخادمي إمام التسفير: “وإلا فكيف يمكن أن نصدّق أن إماما بحجم الخادمي سواء في مكانته الأكاديميّة أو علاقاته الدوليّة أو بصفته وزيرا سابقا، كيف للوزير بطيخ أن يصدر قرارا كهذا إذا لم يكن مسنودا من جهة ما؟”(7) مضيفا لذلك قوله: ” لا بد أن تكون لرجل الدين الاستقلاليّة الماليّة والسياسيّة”(8) وهو المعنى الذي صاغه معلّمه وشيخه وزعيمه الغنوشي في قوله: “فالعلماء الذين كانوا شركاء في السلطة ممثلين للشعب هؤلاء تحوّلوا في الدولة الحديثة – دولة ما بعد الاستعمار- إلى مجرّد موظفين عند الدولة فهي التي تعيّنهم وتتحكّم في أرزاقهم بينما كان للعلماء قديما استقلال مالي من خلال أموال الوقف التي كانت تمويلا شعبيّا لسلطة العلماء والمثقفين… دولة ما بعد الاستعمار وضعت يدها على هذا الوقف ووضعت يدها على نظام التعليم وعلى المجتمع وعلى العلماء فتحوّل الجميع إلى خدم للدولة التي أرادت أن تحلّ محلّ الله بغير حق….”(9)، بعد كل هذا لا يعدو حزب المكي أن يكون سوى مشتقا من المشتقات الكثيرة للإخوانجية التي لا اختلاف بينها إلا في الجزئيّات والتفاصيل. لذا تجدها في كبرى المعارك السياسية تتجمع كما حدث مع بؤرة القرضاوي التي تجمع فيها الغاضبون والمستقيلون من حركة النهضة صفّا واحدا في مواجهة الحزب الدستوري الحرّ الذي يناضل منذ مدّة من أجل إغلاق هذه البؤرة وغيرها من البؤر المسماة جمعيات دينيّة.

3) بعد وفاة مرسي العياط وبعد أن صدر الحكم بإدانته بالتخابر مع قطر خرج الإخوانجية لدينا يندبون على الرجل. وقد شارك في هذه المندبة المكي باعتباره واحدا منهم ونشر على صفحته ما يلي: “لا يهمّ كم عشت من السنوات بل كيف ومن أجل ماذا عشت، لا يهمّ متى ولا أين توفيت بل المهمّ على أي موقف توفيت، عشت من أجل شعبك ومت من أجل شعبك، وسيحمل شعبك الرسالة من بعدك، موتك ليس هو النهاية بل هو بداية ومكمّلين، إلى الله في الخالدين يا دكتور مرسي”. هكذا يكشف المكي عن حقيقة انتمائه فهو إخواني منتم للتنظيم الدولي معتبرا نفسه من شعب مرسي العياط وأنه سيحمل رسالته بعده والحزب الجديد الذي يزمع تكوينه إحدى أدواتها.

لو أردنا المواصلة في ذكر العلاقة التي لا تنفصم بين المكي والفرع لما انتهى بنا الأمر إلى حدّ. بقي أن أشير إلى أن المكي من الداعين إلى تمكين مجرمي ماء الفرق من التعويضات إذ سبق أن ساندهم بحضور اعتصاماتهم في القصبة والخطابة فيها. والغريب في الأمر أن المكي يدّعي أن جريمة باب سويقة التي أحرق فيها الحارس إنما ارتكبها “جلاوزة بن علي” ويدعو إلى إعادة المحاكمة حتى بعد اعتراف حركته بمسؤوليتها عن الجريمة في بيان لها نشرته في الذكرى 15 لتأسيسها. ولعلّ أفضل ما نختتم به هذا المقال  هو جمع المكي إطارات وزارة الصحة من أطباء وإداريين ودعوتهم إلى أداء القسم لمواجهة كورونا في حادثة لم تعرف لها تونس شبيها طوال تاريخها، وهو في ذلك يستنسخ بيعته التي لم ينقضها الى حدّ الساعة.

خلاصة القول: هل يجوز لإسلامي راديكالي على هذا النمط، ومسؤول بارز عن عشرية الخراب بعد أن تحمّلت النهضة مسؤولية حكم البلاد أخلاقيا ووطنيا وسياسيا أن يتقدّم بمطلب الترخيص له في حزب وكأن شيئا لم يكن ؟

السؤال مطروح وقابل للنقاش..

————————

    الهوامش

1) “الاتحاد العام التونسي للطلبة: خلفيات التأسيس ومآلات المسارات” لعادل الثابتي، مكتبة تونس للنشر 2017،ص304.

2) “سيرة ابن نقابي عاشوري أصبح نهضويا” للطفي زيتون، دار آفاق برسبكتيف للنشر تونس 2017، ص89.

3) “الاتحاد” لعادل الثابتي ص296.

4) جريدة “الضمير” بتاريخ 18 أوت 2015.

5) جريدة “آخر خبر” بتاريخ 01 نوفمبر 2016.

6) جريدة “التونسية” بتاريخ 22 سبتمبر 2015.

7) جريدة “الضمير” 18 أوت 2015.

8) جريدة “الشارع المغاربي” بتاريخ 15 فيفري 2016.

9) “تجربة نضال” لراشد الغنوشي عن مؤسسة زين المعاني ومركز الناقد الثقافي، دمشق 2011، ص44.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 10 ماي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING