الشارع المغاربي – هل‭ ‬يُعقل‭ ‬أن‭ ‬تقتني‭ ‬الدولة‭ ‬الحبوب‭ ‬من‭ ‬الفلاح‭ ‬التونسي‭ ‬بنصف‭ ‬ما‭ ‬تدفع‭ ‬للفلاح‭ ‬الروسي؟

هل‭ ‬يُعقل‭ ‬أن‭ ‬تقتني‭ ‬الدولة‭ ‬الحبوب‭ ‬من‭ ‬الفلاح‭ ‬التونسي‭ ‬بنصف‭ ‬ما‭ ‬تدفع‭ ‬للفلاح‭ ‬الروسي؟

قسم الأخبار

21 مايو، 2022

الشارع المغاربي-عز الدين سعيدان: تحقيق الأمن الغذائي أصبح الشغل الشاغل للعديد من الدول حول العالم. إيجاد استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي وليس الاكتفاء الذاتي فحسب هو في حقيقة الأمر أقرب للتفكير في الأمن القومي الدّاخلي منه للتفكير الاقتصادي البحت. الأمن الغذائي يقتضي استراتيجية كاملة تمكّن الدولة من انتاج وتوفير وخزن وتحويل المواد الغذائية الأساسية بكميات كافية على المدى الطويل حتى لو كان ذلك بكلفة تفوق سعر توريد نفس المواد من السوق العالمية.

أما في تونس فيبدو اننا حتى لو اكتفينا بالحديث عن الأمن الغذائي الخاص بقطاع الحبوب إمّا لا نحاول تحقيق أمننا الغذائي وإما نحاول تحقيق الأمن الغذائي ولكن… بالمقلوب.

 منذ 2010 ارتفعت حاجات تونس في ميدان الحبوب بشكل ملحوظ وتضاءل في المقابل الإنتاج المحلي بشكل ملحوظ أيضا.

الحاجات ارتفعت ليس بسبب ارتفاع الاستهلاك ولكن بسبب ارتفاع مستوى التبذير والتهريب وتحويل الوجهة.

والإنتاج المحلي تضاءل بسبب سياسة التسعيرة الخاطئة وعدم توفر البذور والأسمدة في الوقت المناسب إلى جانب مشاكل لوجستية متعددة نذكر منها مشاكل تأمين الصابة ومشاكل النقل والخزن.

هل يعقل أن تقتني الدولة الحبوب من الفلاح التونسي بنصف ما تدفع للفلاح الروسي أو الأوكراني أو غيرهما؟ الدولة تحاول التخفيف من عجز ميزانية صندوق التعويض على حساب الفلاح التونسي أي المنتج المحلي الذي يساهم في تحقيق الأمن الغذائي.

هذا مثال للأمن الغذائي… بالمقلوب.

المثال الثاني هو أن تقرّر الدولة الترفيع في سعر شراء الحبوب من الفلاح التونسي عند موسم الحصاد. وهو ما حصل فعلا في تونس منذ أيام قليلة. هدف الترفيع في الأسعار يجب أن يكون تحفيز الفلاح التونسي على المزيد من الإنتاج بتوسيع المساحات المزروعة والمخصّصة للحبوب وعلى مزيد الانفاق قصد تحسين المردود بالنسبة للهكتار الواحد. وبالتالي كان من المفروض الإعلان عن الزيادات في أسعار شراء الحبوب من الفلاح التونسي قبل انطلاق الموسم أي في أشهر أوت  وسبتمبر أو أكتوبر الماضية.

ولكن حتى الزيادة في الأسعار في ذلك الوقت تبقى غير كافية إذا تُرك الفلاح يعاني من مشاكل عدم توفر البذور والأسمدة في الوقت المناسب والدليل على ما نقول أن المساحات المخصصة للحبوب تقلّصت من 1,5 مليون هكتار سنة 2010 إلى أقل من مليون هكتار اليوم.

المثال الثالث للأمن الغذائي… بالمقلوب يخص ما حصل في الأيام الأخيرة من ارتباك في تحديد أسعار مواد أساسية أخرى مثل الحليب والدجاج والبيض. سمعنا الناطق الرسمي باسم الحكومة يقول منذ يومين إنه “لن يكون هناك ترفيع في أسعار الحليب والدجاج والبيض بالنسبة للمستهلك وذلك حفاظا على الأمن الغذائي”. كيف ذلك يا سيدي الناطق الرسمي.؟ هل إن تحقيق الأمن الغذائي يتم على مستوى الإنتاج أم على مستوى الاستهلاك؟ كيف يمكن تحقيق الأمن الغذائي إذا رفّعت الدولة في سعر العلف ورفضت الترفيع في الأسعار عند الاستهلاك.؟ سعر العلف يدخل بنسبة 70 إلى 80 ٪ في كلفة الإنتاج. ثم أنت تعلم سيدي الناطق الرسمي أن جُل العلف مستورد فأين الأمن الغذائي الذي تتحدث عنه؟

الكل سمع السيد وزير الفلاحة يعلن في اطار شريط الأنباء للتلفزة الوطنية عن زيادات كبيرة في أسعار الحليب والدجاح والبيض عند الاستهلاك بداية من يوم 12 ماي (عيد الجلاء الزراعي!!!). ومن المؤكد أنه لم يعلن عن تلك الزيادات إلا بعد موافقة مجلس الوزراء أي رئيسة الحكومة ورئيس الدولة. ولكن تم التراجع عن تلك الزّيادات في الأسعار عند الاستهلاك بعد ردّ فعل قوي على مستوى المواطنين والخوف من دفع ثمن سياسي باهظ لتلك الزيادات.

ولكن في نفس الوقت يؤكد السيد الناطق الرسمي باسم الحكومة أنه لن تكون هناك زيادات في أسعار الحليب والدجاج والبيض عند الاستهلاك وذلك “حفاظا على الأمن الغذائي”. عن أي أمن غذائي تتحدثون؟ أم هو الأمن الغذائي… ولكن بالمقلوب!

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 17 ماي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING