الشارع المغاربي – هل انتفت الشرعية بعد فشل وتصدع الأحزاب/ بقلم : جمال الدين العويديدي

هل انتفت الشرعية بعد فشل وتصدع الأحزاب/ بقلم : جمال الدين العويديدي

11 أكتوبر، 2018

الشارع المغاربي : تعيش البلاد منذ سبع سنوات على وقع أزمة أخلاقية وسياسية واقتصادية و اجتماعية عميقة لم يُعرف لها مثيل منذ الاستقلال خاصة وأنها تجري في خضم أول تجربة “ديمقراطية” في تونس كان ينتظر منها الكثير. عديد الجهات من منظمات وطنية و جمعيات مدنية من بينها الاتحاد العام التونسي للشغل و المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية تعزي هذا الوضع لعدم استجابة كل الأطراف و الأحزاب السياسية التي حكمت البلاد منذ جانفي 2011 إلى اليوم لمطالب الشعب في الشغل و الحرية و العدالة الاجتماعية. غير أن وضع الأحزاب لم يقف عند هذا الحد حيث أصبحت البلاد تعيش على وقع اختلافات حادة وتفكك و استقالات متتالية طالت غالبية الأحزاب سواء الحاكمة أو المعارضة.

و تُعزى هذه الخلافات إلى مسائل تتعلق بطبيعة الممارسة الداخلية للأحزاب التي غالبا ما تخضع لسلطة وطموح شخصي لنيل السلطة و حساسيات ضيقة بعيدة عن مشاغل عامة الشعب. ما يجري من أزمة سياسية حادة نتيجة انقسامات داخل الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية و الرئاسية لسنة 2014 بالتزامن مع بروز بوادر تصدع داخل الحزب الفائز الثاني عمقت حالة الشلل المؤسساتي في الدولة و أصبحت تهدد سيادة و استقلال البلاد. إن الأزمة الخطيرة التي انفجرت بين رئيس الحكومة ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحزب الثاني في السلطة و التي انتقلت إلى مجلس نواب الشعب هي نتيجة مباشرة لعدم تماسك الأحزاب السياسية حول تنظيم ديمقراطي صلب و محكم و حول أهداف وطنية واضحة المعالم تعمل لتجميع أغلبية الشعب لمناصرتها و لإيصالها للسلطة حتى تتمكن من تطبيق برنامجها طبقا لوعودها الانتخابية و بعيدا عن كل تنصل لا يحترم المواثيق و العهود.

غير أن ما جرى في تونس يبين مدى استخفاف غالبية الأحزاب بعهودها و التزاماتها التي تتجسد في عبارات صدرت عن مسؤولين من الدرجة الأولى في تلك الأحزاب أصبحت مع كل أسف مصدر تهكم من عامة الشعب الذي اكتشف مدى سطحية تلك الوعود.

في هذا الخضم صدرت مؤخرا عديد التدخلات التي لم يسبق لها مثيل في البلاد من بينها ما جاء على لسان وزير الدفاع الذي حمّل مباشرة “الأحزاب السياسية التونسية مسؤولية تصاعد الإرهاب وانخرام وتيرة الأمن في البلاد”. ثم أضاف وهو يؤبن شهيدي الجيش الوطني “سيأتي يوم  ويُحاسب الشعب الأحزاب السياسية”؟ تصريحا غنيا عن كل تعليق يبين مدى عمق الأزمة في البلاد.

كما أنه في خضم هذه الأزمات العميقة تُرك المجال للحكومة لكي تعتمد أساليب مغالطة للشعب التونسي في عملية تسويقية لانتخابات قادمة. و ذلك عبر تصريحات و إجراءات حقيقة غير مسؤولة و لا تتناسب مع الوضع الكارثي للاقتصاد الوطني. نذكر من بينها موضوع السيارة “الشعبية” التي أخُرجت من جديد في وقتة أصبحت فئة الطبقة الوسطى شبه منعدمة. وهو تصريح يذكرنا تاريخيا بمقولة “ماري أنتوانات” زوجة لويس السادس التي حينما أجيبت “بأن الفقراء انتفضوا لأنهم لا يستطيعون الحصول على الخبز” أجابت ” “و لماذا لا يأكلون الحلويات عوض الخبز”؟. جوابا يُضرب به المثل لكل حاكم غير واع بمدى التفاوت بين الفئات الشعبية في البلاد. غير أن الحكومة لم تتوقف عند هذا الحد خاصة و أنها أصبحت في حلّ من كل مراقبة.

لذلك فهي تسعى حثيثا لتطبيق إملاءات الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي عبر مزيد التفريط في مؤسسات و ثروات البلاد والتسرع في الإعلان عن استعدادها للتوقيع على اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق بدون أي تقييم حيادي و موضوعي لاتفاقية الشراكة التي وقعها النظام السابق سنة 1995 و بدون أية دراسة وطنية استشرافية معمقة. وهي التي تعلم مدى خطورة هذا الاتفاق غير المتكافئ و الظالم الذي سيقضي على جميع القطاعات الأساسية في البلاد خاصة الفلاحة و الخدمات. مما يبن أن البلاد أصبحت عرضة للابتزاز و بدون رقيب ولا حسيب.هذا الوضع الخطير يجعلنا نتساءل عن مدى شرعية السلطة الحالية في وضع فقد فيه الحزب الحاكم الأغلبية وبدأت بوادر التصدع داخل الحزب الثاني وأصبحت الحكومة في حل من كل مراقبة فعلية وهي تستعد للتفريط في كل مقومات الدولة. كل ذلك زيادة على تسارع ظاهرة الكتل التي أصبحت تمارس السياحة الحزبية في علاقة بالمصالح الذاتية
علاوة على ما يتداول من بروز أساليب تتعمد الملفات و الضغوطات والممارسات التي تتناقض مع المبادئ الديمقراطية و تنذر بتطورات لا يحمد عقباها.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING