عبد الفتاح مورو: «لنا مدارس تعلّم الوهابية»
الشارع المغاربي – منير السويسي: خلال العقود الأخيرة، حقق الفكر الوهابي المتطرف اختراقا كبيرا في المجتمع التونسي «المعتدل»، خصوصا عبر فضائيات البترودولار الدينية. إنّ أي جهد وطني لمكافحة الإرهاب لا يأخذ، بعين الاعتبار، محاربة هذا الفكر، مآله الفشل.
«صدم» ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان الرأي العام في بلاده، المسماة في الغرب بـ«المملكة الوهابية»، عندما قال في مقابلة نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية (يوم 24 مارس 2018) في سياق رده على سؤال بشأن نشر السعودية الفكر الوهّابي المتطرّف عبر العالم، إن «جذور الاستثمار السعودي في المدارس والمساجد حول العالم تعود إلى فترة الحرب الباردة عندما طالبت الدول الحليفة (الولايات المتحدة الأمريكية بالأساس) السعودية باستخدام مواردها لمنع تقدم الاتحاد السوفياتي في الدول الإسلامية».
وأقرّ بن سلمان بأن «الحكومات السعودية المتعاقبة ضلّت الطريق» عندما نشرت الوهابية عبر العالم بقوّة البترودولار وأنه «يتوجب علينا اليوم إعادة الأمور إلى نصابها» في ما يتعلق بتمويل الوهابية، لافتا إلى أن هذا «التمويل اليوم يأتي بنسبة كبيرة من مؤسسات خاصة تتخذ المملكة مقرا لها، وليس من الحكومة».
وهذه أول مرّة، في تاريخ المملكة السعودية «الوهابية»، يصدر فيها تصريح مماثل عن شخصية نافذة في النظام السعودي بخصوص الفكر الوهابي الذي يعتبر «حاضنة فكرية» تنهل منها كل الحركات الموصوفة بالإرهاب الإسلاموي من «القاعدة» إلى «داعش».
تصريحات ولي العهد السعودي الشاب بخصوص الوهابية، تضمّنت، ولأوّل مرّة، إقرارا ضمنيا من أحد أهم صناع القرار في السعودية، بأن الوهابية هي سبب انتشار الإرهاب في العالم.
وكانت السعودية اتخذت موقفا دفاعيا عندما اتهمها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما (في مقابلة صحفية سنة 2016 مع مجلة «ذي أتلانتيك» الأمريكية) بنشر التطرف والإرهاب في المنطقة والعالم عبر نشر الوهابية. وقال أوباما إن نشر السعودية الفكر الوهابي، على نطاق عالمي، أدى إلى تغيير طبيعة الإسلام «المعتدل» في دول مثل أندونيسيا التي عاش ودرس فيها أوباما 4 سنوات.
إلى حدّ أكتوبر 2017، كان النظام السعودي يصرّ على إنكار أن الوهابية هي سبب انتشار الإرهاب في العالم. بل إن ولي العهد محمد بن سلمان رمى الكرة في ملعب إيران «الشيعية»، العدو اللدود للسعودية، عندما اتهم طهران بنشر أفكار دينية متطرفة في المملكة وفي المنطقة العربية.
وقال ولي العهد (في خطاب ألقاه يوم 24 أكتوبر 2017) ردا عن سؤال حول انتشار التطرف في بلاده إن «السعودية لم تكن كذلك قبل 1979. السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع الصحوة بعد 1979 (…) ونحن لم نكن بهذا الشكل في السابق» في إشارة الى قيام «الثورة الاسلامية» في ايران عام 1979.
«اتفاق» أمريكي مع السعودية لمكافحة «الوهابية»
لم تقرّر السعودية من تلقاء نفسها «إصلاح» مدرستها الدينية، مثلما نصح بذلك وزير الشؤون الدينية الأسبق في تونس عبد الجليل بن سالم الذي أقالته حكومة يوسف الشاهد على خلفية انتقاده الوهّابية. بل إن الأمر يتعلق بإذعان لضغوط وتوجيهات أمريكية خلال «قمّة الرياض» التي عُقدت يوميْ 20 و 21 ماي 2017 بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية، في أول رحلة خارجية له منذ توليه منصبه.
وبعد شهر من تلك الزيارة، كشف دونالد ترامب في خطاب ألقاه (يوم 25 جوان 2017) أمام أنصار حزبه «قلت (للسعوديين) لا يمكنكم أن تستمروا في تمويل الإرهاب (وكرّر) لا يمكنكم أن تستمروا في تمويل الإرهاب. وملك السعودية (سلمان بن عبد العزيز)… أخذ كلامي بكل جدية. والآن هم يحاربون دولا أخرى كانت تموّل الإرهاب. وأنا أعتقد أننا قمنا بتأثير ضخم».
وأضاف ترامب في ذلك الخطاب «لا يمكن أن نترك هذه الأمم الغنية جدا تموّل الإرهاب الإسلامي المتطرف أو الإرهاب مهما كان نوعه. لا يمكننا أن نترك ذلك يحدث».
إلى ذلك، كشف وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون خلال جلسة مساءلة أمام الكونغرس (يوم 13 جوان 2017) عن «اتفاقية» أمريكية سعودية لمحاربة الفكر الوهابي المتطرّف.
يومها، طرح «سكوت بيري» السناتور عن الحزب الجمهوري سؤالا على وزير الخارجية تيليرسون بشأن «الاتفاق مع السعودية حول مراقبتنا لدعمهم المستمر لتصدير السلفية الوهابية والإرهاب المصاحب لتلك المناهج الأصولية للإسلام حول العالم» و»كيف سنحدد ما إذا كانوا (السعودية) ينفذون هذا الجزء من الاتفاقية؟».
ومضى وزير الخارجية الأمريكي يقول «هذا مثال واحد فقط، وهذا المركز سوف يغطي نطاقا واسعا جدا من وسائل الاتصال الاجتماعي إلى الإعلام. وكذلك كيفية تدريب الأئمة الشبان بمراكز التعليم الإسلامية، ونحن نعمل معهم اليوم على تأسيس هذا المركز الجديد بما في ذلك المعايير التي سنحاسَب عليها، وهذه أهم المهام التي تعمل فيها وزارة الخارجية مع السعودية وآخرين».
الإرهاب «متخرّج» من المدرسة الوهابية
يعتبر التطرّق «الرسمي» في تونس إلى الوهابية ومسؤوليتها في نشر التطرف والإرهاب في تونس من «المحظورات» بسبب المصالح المالية مع الرياض، وذلك حسب ما أكد لنا أكثر من مسؤول حكومي.
ونذكّر هنا بعزل حكومة يوسف الشاهد (يوم 4 نوفمبر 2016) وزير الشؤون الدينية عبد الجليل بن سالم، غداة إدلائه بتصريح في البرلمان انتقده فيه بشدة الفكر الوهابي.
وكان عبد الجليل بن سالم قد صرح (يوم 3 نوفمبر 2016) أمام إحدى لجان البرلمان: «قلت هذا للسعوديين، قلت لسفيرهم (في تونس) بكل جرأة، وقلت لأمين عام (مجلس) وزراء الداخلية العرب وهو سعودي، قلت لهم: أصلحوا مدرستكم فالإرهاب تاريخيا متخرّج منكم، أقول لكم هذا بكل محبة وبكل تواضع، ليس لي شأن سياسي معكم أو عداوة سياسية».
وأضاف بن سالم «أقول لكم كعالم ومفكر: التكفير لم يصدر عن أية مدرسة أخرى من مدارس الإسلام، لم يصدر التكفير والتشدد إلا من المدرسة الحنبلية ومن المدرسة الوهابية فأصلحوا عقولكم».
«تلقي الوهابية في تونس»
منذ القرن 18، أعلن علماء جامع الزيتونة رفضهم الفكر الوهابي القائم بالأساس على ثنائية «التبديع» والتكفير». وقد ردّ شيخ الزيتونة العلاّمة «إسماعيل التميمي» في كتابه «المنح الإلهية في طمس الضلالة الوهابية» على ما بات يعرف بـ»الرسالة الوهابية» التي أرسلها حاكم السعودية إلى أهل المغرب العربي يدعوهم فيها إلى اتباع مذهبه.
وخلال العقود الأخيرة، حقق الفكر الوهابي اختراقا كبيرا في المجتمع التونسي خصوصا عبر التلفزات الدينية الممولة من السعودية.
وبعد هروب بن علي إلى السعودية يوم 14 جانفي 2011، شهدت تونس «حملة خليجية وهّابية» هدفها «القضاء» على ما تحقق منذ استقلالها عن فرنسا سنة 1956 من «مكاسب تحديثية» أهمها «تحرير المرأة» و«القراءة العقلانية الحديثة للدين الإسلامي» كما يقول الأستاذ الجامعي فرج بن رمضان في كتابه «تلقي الوهابية في تونس» الصادر سنة 2013.
وتم ضمن هذه «الحملة» تأسيس جمعيات دينية «تسابقت في استقدام الدعاة الوهابيين من السعودية ومصر وقطر وغيرها»، وإحداث مدارس ورياض أطفال «قرآنية» وتحطيم وحرق أضرحة ومزارات صوفية وهي «ممارسة نوعية مميزة للوهابيين» وفق بن رمضان.
وفي كتابه، اعتبر بن رمضان أن حكومة «الترويكا» التي قادتها حركة النهضة الإسلامية لعبت «دورا فعالا وأساسيا» في «التدشين الذهبي للحضور الوهابي في تونس» بعد الثورة.
وقال في هذا السياق «الحملة الوهابية على تونس صارت جزءا من صفقات التعامل بين حكامها وحكام الخليج» لافتا في هذا الخصوص إلى استقبالات و«تشريفات» رسمية حظي بها بعض «دعاة الوهابية» عند دخولهم تونس.
وفي 2014 صرّح وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدو لجريدة «الخبر» الجزائرية «ما يقلقنا أيضا أن هناك أثرياء عريا يمولون المجموعات الإرهابية» في تونس.
وأوضح الوزير وقتها «لدينا معلومات استخباراتية عن أثرياء عرب من الخليج يحملون الفكر التكفيري يمولون المجموعات الإرهابية» قائلا «لا أتحدث عن دول لكني أتحدث عن أثرياء كأشخاص».
بن جدو كان «دبلوماسيا» في تصريحه إذ لم يُسَمّ الدول التي ينتمي إليها هؤلاء الأثرياء. لكن تقارير إعلامية كشفت عن تورط «جمعيات» وأثرياء سعوديين في ضّخ «آلاف الأطنان» من الكتب الوهابية التكفيرية والملابس «الطائفية» وتمويلات لمجموعات سلفية «جهادية» في تونس، بعد الثورة.
«الوحدة المذهبية»
يوم 2 جوان 2012، قال الشيخ عبد الفتاح مورو القيادي بحركة النهضة في مقابلة مع إذاعة «شمس إف إم» إن دعاة من السعودية تحولوا إلى تونس بعد الثورة لتلقين شبان «حديثي العهد بالتديّن»، «أصول الفقه الحنبلي» الوهابي المتطرف.
وتحدّث مورو في تصريحه للإذاعة عن تنظيم جهات لم يسمها «دورات مدتها ثلاثة أشهر، يأتي فيها هؤلاء الشباب، يَكَدَّسون، يعطون مقابلا لحضورهم لأنهم سينقطعون عن أعمالهم، ولا اعرف لماذا يعطون مقابلا، ويبقون مدة ثلاثة أشهر في دورة تكوينية مغلقة حتى يتخرجوا بعد مدة بدورات مختلفة يتخرجون علماء في المذهب الحنبلي».
وحدّد «ميثاق علماء تونس» وهو وثيقة دينية أشرف على إنجازها بعد الثورة الشيخ كمال الدين جعيّط (قبل وفاته)، الأسس التي يقوم عليها التدين التونسي مثل «العقيدة الأشعرية» و«الفقه المالكي».
ونهاية 2017، قال وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم أمام مجلس نواب الشعب «الدين واحد، لكن المذهب الذي ترسّخ في تونس هو المذهب المالكي الأشعري» الذي «أشاع على شمال إفريقيا والغرب الإفريقي».
وأضاف أن المذهب المالكي «حقق لنا الوحدة (المذهبية) في هذا الوطن، وهذا يجب أن نفتخر به (خصوصا) عندما نرى غيرنا في ما يحصل معه من مذاهب وملل ونحل».