الشارع المغاربي : دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” اليوم الجمعة 5 أفريل 2019، الحكومة التونسية إلى “التحرك بسرعة لتطبيق توصيات هيئة الحقيقة والكرامة من أجل ضمان محاكمة المتورطين في الانتهاكات الحقوقية الخطيرة التي شهدتها البلاد”.
ولاحظت المنظمة في تقرير صادر عنها اليوم أنّه “يتعين على الحكومة المضي قدما في إصلاح القضاء وقوات الأمن المتورطة في الانتهاكات، وتوفير كل الوسائل للدوائر الجنائية المتخصصة التي أنشئت ضمن منظومة المحاكم العادية لتنظر في الانتهاكات الحقوقية السابقة لتُلزم عناصر قوات الأمن بالمثول أمامها وحصر اختصاص المحاكم العسكرية في العسكريين الذين ارتكبوا جرائم عسكرية وتعزيز استقلالية القضاء عبر الحد من صلاحيات السلطة التنفيذية في التحقيق مع القضاة أو تعيينهم، وزيادة التحقيقات والتدابير التأديبية ضد قوات الأمن الضالعة في الانتهاكات”.
ورجّحت أن “تواجه توصيات الهيئة مقاومة سياسية كبيرة بموجب قانون العدالة الانتقالية”، مشددة على “ضرورة ان يُعد رئيس الحكومة خطة عمل واستراتيجيات لتطبيق توصيات الهيئة في غضون عام من نشرها التقرير الختامي”، مشيرة إلى أن رئيس الحكومة لم يقبل الى حد الآن استقبال أعضاء الهيئة ليسلموه التقرير بشكل رسمي، مذكّرة بأن الشاهد كان قد أعلن أن الهيئة فشلت في مهمتها، وبأنه انتقد المحاكمات الجارية في الدوائر المتخصصة، ووعد بتمرير قانون جديد للعدالة الانتقالية.
وأشارت إلى أن قانون العدالة الانتقالية ينص على أن يُشكّل مجلس نواب الشعب لجنة خاصة مهمتها مراقبة تطبيق التوصيات ومدى فاعليتها، موضحة ان هذه اللجنة لم تر النور بعد.
وذكّرت بأنّ “الهيئة نشرت للعموم يوم 26 مارس 2019 تقريرها المؤلّف من 5 مجلّدات والذي حلّلت خلاله وكشفت عن الشبكات المؤسسية التي أتاحت حدوث انتهاكات حقوق الإنسان على مدى 5 عقود”، مفيدة بأنّ “الهيئة وثّقت الدّور الذي لعبه الرئيسان السابقان الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي ومسؤولون كبار آخرون في التّعذيب والاحتجاز التعسّفي وعديد الانتهاكات الأخرى في حقّ آلاف التونسيين”.
وأشارت المنظمة إلى أنّ “الهيئة وثّقت الانتهاكات التي طالت المعارضين السياسيين وعائلاتهم والتي شملت اعتداءات جنسية على زوجات وبنات وجوه المعارضة وحددت أسماء المسؤولين الذين يُزعم تورطهم في الجرائم، ومنهم رئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي، الذي اتهمته بالمشاركة في التعذيب لمّا كان وزيرا للداخلية خلال حقبة بورقيبة ما بين سنتي 1965 و1969، وطالبته بالاعتذار علنا للضحايا باسم الدولة”.
وتابعت “الهيئة وثّقت أيضا الطرق المختلفة التي اعتمدتها السلطات الأمنية والقضائية لعرقلة عملها ومنعها من الوصول إلى أدلة الأرشيف وتحديد هويات أعوان الشرطة المتورطين في الانتهاكات”.
ونقلت المنظمة عن آمنة القلالي مديرة مكتبها بتونس قولها “يتمثّل الاختبار الفعلي لاستعداد تونس لمواجهة ماضيها في الخطوات التي ستتخذها السلطات لملاحقة المتورطين في الانتهاكات استنادا إلى الأدلة التي قدمتها الهيئة، وإصلاح الأجهزة القضائية والأمنية… وسيراقب العالم ما إذا كانت السلطات ستفي بوعودها في تطبيق توصيات الهيئة بعد أن عرقلت عملها”.
وأضافت القلالي “لا يجوز السماح للمتورطين في الانتهاكات الحقوقية الجسيمة بالإفلات من العدالة بسبب رفضهم المثول أمام المحاكم التي وجهت لهم استدعاءات لأن ذلك يقوّض سلطة القضاء إضافة إلى الحاجة لكشف الحقيقة… يتعيّن على الحكومة تنفيذ توصيات الهيئة إذا كانت تريد الحفاظ على سيادة القانون في البلاد”.
وأضاف التقرير “تونس اعتمدت قانون العدالة الانتقالية سنة 2013 لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان والفساد بين سنتي 1955 و2013. وأنشأت هذا القانون هيئة الحقيقة والكرامة بولاية تدوم 4 سنوات قابلة للتمديد بسنة واحدة للتحقيق وكشف الحقيقة واقتراح إجراءات مساءلة وجبر ضرر وإعادة تأهيل. وكلّف هذا القانون الهيئة بإحالة قضايا التعذيب والاختفاء القسري وغيرها من الانتهاكات الخطيرة إلى 13 دائرة قضائية متخصصة أنشئت ضمن منظومة المحاكم العادية لمحاكمة المتورطين في انتهاكات حقوقية خطيرة منذ سنة 1955، والتي ستبقى قائمة بعد انتهاء مدة عملها، كما سمح لها بالوساطة في قضايا تتعلق بالفساد والجرائم الاقتصادية بناء على طلب متهم أو متضرر أو الحكومة”.
وأكّد على ان “تونس هي الدولة الوحيدة التي أنشأت هيئة لكشف الحقيقة في أعقاب الانتفاضات العربية، والثانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقد سبقتها “هيئة الانصاف والمصالحة” في المغرب التي أنشأها الملك محمد السادس سنة 2004 للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة أثناء الحكم الاستبدادي لوالده الحسن الثاني”.
وأفاد بأن “هيئة الحقيقة والكرامة تلقّت أكثر من 62 ألف تظلّم تتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان حصلت طيلة 60 عاما من تاريخ تونس، تراوحت بين فترة حرب الاستقلال وبعد الثورة وعقدت 14 جلسة استماع علنية لضحايا انتهاكات حقوقية وفساد تمّ بثّها مباشرة” وأنّها “أحالت أكثر من 170 قضية تضمّنت انتهاكات حقوقية جسيمة على الدوائر المتخصصة فانطلقت المحاكمات في العشرات من هذه القضايا لكن هذه المحاكمات تمّ تأجيلها عديد المرات بسبب رفض المتهمين المثول أمام المحاكم”.
ولفتت المنظمة الى أن التقرير الختامي للهيئة ذكر أنّ هذه الأخيرة “تمكنت من كشف الحقيقة بشأن الجرائم الممنهجة رغم عدم تعاون السلطات الحكومية، وحتى رغم عرقلتها عملها” وأن “المؤسسات الحكومية عطلت عملها عبر منعها من الوصول إلى أرشيف الرئاسة ووزارة الداخلية، وتجاهل طلباتها المتكررة في الحصول على معلومات حول هوية أعوان الأمن المتورطين في التعذيب وان المحاكم العسكرية رفضت تزويدها بالملفات القضائية المتعلقة بالقضايا التي أحالتها على المحاكمة”.
وذكّرت بأنّ البرلمان صوّت في شهر ماي 2018 ضدّ ممارسة الهيئة صالحياتها المتمثلة في تمديد ولايتها سنة إضافية وبأن هذا التصويت لم يمنعها من مواصلة عملها رغم الصعوبات وبأنّه سنّ قانونا بشأن “المصالحة الإدارية” بالاستناد إلى مبادرة رئاسية ألغي بمقتضاها بعض الجرائم الاقتصادية من نطاق عمل الهيئة وتمّ العفو عن مسؤولين سابقين فاسدين.
واستعرض التّقرير أهمّ التوصيات الواردة في التقرير الختامي للهيئة منها أنّه على السلطات التونسية القضاء على الافلات من العقاب عبر ضمان محاسبة الجناة المزعومين وانها خلصت إلى أن ثقافة الافلات من العقاب متجذرة في تونس، وأن التغييرات المؤسسية والقانونية التي اعتُمدت بعد الثورة لم تكن كافية للقضاء على التعذيب وغيره من الانتهاكات الحقوقية الخطيرة.
وجاء في التقرير أنّ “هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى غير حكومية شددت على انه يجب على السلطات التونسية دعم عمل الدوائر المتخصصة التي تواجه عراقيل متعددة مثل عجزها عن إلزام المتهمين والشهود بالمثول أمامها لأن الشرطة لا تنفذ الاستدعاءات الموجهة للمتهمين الذين يرفضون التعاون معها وجلسات المحاكمة تسير ببطء شديد، وتم تأجيلها في عدّة مرّات وأنّ نقابة أمنية واحدة على الأقل انتقدت هذه المحاكم واعتبرت أن هذه الأخيرة تشوّه سمعة الأجهزة الأمنية”، داعية أعضاءها إلى مقاطعتها.