الشارع المغاربي – معز زيّود : تجنّدت قيادات الأزهر المصري اليوم مجدّدا لتكيل لتونس والتونسيين شتّى ألوان الشتم والسباب والتعصّب الفكري، إلى درجة إعلانهم عن خروج بلاد قرطاج والقيروان عن الملّة، مُعتبرين أنفسهم أوصياء أصلا عن الدين أينما كان في العالم!…
جاء ذلك في تعليقات متشنّجة عديدة صرّح بها عدد من شيوخ الأزهر المصري، اليوم الخميس 26 جانفي 2018، وذلك في ردودهم على ما تسرّب مؤخرًا من معلومات بشأن مقترحات “لجنة الحقوق الفرديّة والمساواة” المكلّفة بالعمل على توسيع حقوق المرأة في اتّجاه المساواة الكاملة، وفقا للدستور التونسي والمنظومة الكونيّة لحقوق الإنسان.
والمثير في ردود أفعال “شيوخ” الأزهر أنّهم اعتبروا المقترحات غير النهائيّة للجنة التي تترأسها بشرى بن حميدة “فتاوى” وصفوها بـ”الشاذة” و”المارقة” عن تعاليم الدين الإسلامي، مُطالبين تونس بالرجوع إلى الأزهر لأنّه على حدّ زعمهم “المرجعية الإسلاميّة لكلّ الفتاوى الدينيّة”. وهو ما يكشف نزوعًا غير مبرّر إلى حشر أنوفهم في شؤون تونسيّة بحتة بل ويُنبئ بدرجة غير مسبوقة من التدخّل السافر والتعالي الغبائي…
ومن المُضحكات المبكيات أنّ المدعو محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر قد استنكر ما وصفه بـ”استمرار تونس في إهدار كرامة المرأة والطعن في ثوابت الإسلام”. فأيّ منطق يجعل تمكين المرأة من حقوقها الطبيعية إهدارًا لكرامتها؟! وأيّ حقٍّ يسمح لهؤلاء بالسقوط في تكفير التونسيين عبر الادّعاء بأنّهم طعنوا في ثوابت الإسلام؟!…
والأمر لم يتوقّف عند هذا الشيخ، بل استمرأ عضوان بمجلس النوّاب المصري الانصراف عن القضايا الحارقة للمجتمع المصري والانهماك في إعطاء الدروس السخيفة لتونس وأهلها. في هذا المضمار، زعم وكيل لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب المصري شكري الجندي أنّ “تونس تقوم بعدد من الفتاوى الشاذة المرفوض الحديث عنها نظرًا لأن القرآن الكريم حدّدها صريحة ولم يطلقها لأحد منها الميراث أو إلغاء المهر”، مُطالبًا “إفتاء تونس بوقف هذه المهاترات التي تطلقها والاستعانة بالأزهر (الشريف) في الأمور الدينية”.
والأكثر من ذلك أنّ رئيس لجنة الشؤون الدينية بالبرلمان المصري أسامة العبد جعل من “الأزهر” بمثابة الكعبة الشريفة، وكأنّها تحوّلت إلى بلاد هبة النيل العظيم في طرفة عينٍ ومن دون علم أحد!، فقد ادّعى في مهاجمته لتونس أنّ الأزهر “هو المرجعيّة الوحيدة للإفتاء ومراجعة الأمور الدينيّة في الداخل والخارج” وليس في مصر فقط!!!. ولا نعلم طبعًا من أين أتى “حرّاس المقدّس” بصلاحيّة احتكارهم للشأن الديني لا في مصر فقط وإنّما في العالم بأسره!، في حين كان حريّ بهم أن يولوا اهتمامهم للمشكلات والتحدّيات الاقتصاديّة والسياسيّة الكبرى التي تُواجه مصر، بدلا من توظيفهم في تبرير الانتكاسة غير المسبوقة للمسار الديمقراطي في بلادهم العائدة بقوّة إلى الحكم الاستبدادي من أبوابه المشرعة.
في المقابل فإنّ تونس رغم مرورها بصعوبات اقتصاديّة كبرى وانزلاقات سياسيّة غير مبرّرة لحكوماتها وائتلافاتها الحاكمة المتعاقبة، فإنّها لا تزال متمسّكة بمسارها الديمقراطي الفريد من نوعه على صعيد المنطقة العربيّة والإسلاميّة برمّتها. ولا أحد يُمكنه أن يُنكر أنّ للنساء التونسيّات دورًا محوريًا في المسار الحقوقي والوطني المعتمل ببلادنا. كلّ ذلك يؤكّد مجدّدا أنّ النخب التونسيّة المختلفة والمتعدّدة وحدها المؤهّلة لمناقشة قضايا تونس العاجلة والآجلة.
ومن الأهميّة القصوى ألاّ ننسى أنّ تجربة السنوات الأولى للثورة قد أثبتت أنّ الشيوخ والدعاة الأجانب لم يسهموا إلاّ في إشعال فتيل الفتنة في البلاد خلال تلك الفترة العسيرة. ومن ثمّة لا مجال للسماح لهؤلاء بالتدخّل حاضرا ومستقبلا في شؤون تونس وأهلها…
—