الشارع المغاربي – والبطولة تلفظ أنفاسها الأخيرة: هل حُسم الأمر قبل يوم الحسم..؟

والبطولة تلفظ أنفاسها الأخيرة: هل حُسم الأمر قبل يوم الحسم..؟

قسم الرياضة

18 مايو، 2021

الشارع المغاربي- العربي الوسلاتي: 24 ساعة أو أكثر بقليل تفصلنا عن أهمّ جولة في تاريخ كرة القدم التونسية عامة وفي تاريخ البطولة منذ بعثها على وجه الخصوص .. ودرجة هذه الأهمية لا تعود أساسا لقيمة الرهان الرياضي الموضوع على ظهر التسعين دقيقة فحسب ولكن لقيمة وعراقة بعض الفرق التي تواجه لأوّل مرة في تاريخها خطر النزول الى بطولة الرابطة الثانية في سيناريو غريب وعجيب لم يكن أكبر العارفين بخفايا وكواليس البطولة التونسية يتوقعه.

5 فرق معنية حسابيا بصراع تفادي النزول والفرق الخمسة التي تنتظر حسم مصيرها في جولة الغد وهي الجولة الختامية للبطولة هي النادي الافريقي والملعب التونسي والنادي البنزرتي والأولمبي الباجي ونجم المتلوي… خماسي فيه من الأسماء ما هو غريب عن هذا الامتحان فرغم أنّ غالبية هذه الفرق استنشقت في وقت سابق نسائم الرابطة الثانية فإنّ الظروف الحالية بالسيناريو الذي سطرته بعض الأطراف يبدو أنها لا تحتمل سقطة كبيرة بهذا الحجم وهذه القوّة على غرار فريق النادي الافريقي الذي كان مجرّد الزجّ باسمه في مربّع الانقاذ أشبه برجم المقدّسات في نظر جماهيره التي كانت الى أمد غير بعيد لا تقبل فكرة ربط اسم ناديها بصراع القاع قبل أن يتغيّر الحال ويجد فريق “الشعب” نفسه في امتحان العمر…

وبعيدا عن الخوض في فرضيات البقاء والنزول وفي فرص كل فريق قياسا بحظوظ منافسيه وبعيدا أكثر عن لعبة المستطيل الأخضر وحقيقة ما ستدوّن الأقدام على الملعب غدا في جولة الحسم كان لزاما علينا الخوض في بعض المفاهيم والقيم عسى أن تستفيق الضمائر وتتفطن لألاعيب الشياطين ونحن في هذه الأيّام المباركة… نقول هذا الكلام حتى لا تغرق كرة القدم التونسية أكثر في وحل الفساد والعفن وفي مستنقع الشبهات الذي يلاحقها من كل حدب وصوب… اليوم يتحرّج البعض من الاقرار بأن قانون الكرة لا يعترف بالكبير ولا بالصغير وبأن حقيقة الميدان لا تكترث لا بالتاريخ ولا بعراقة الأسماء وهي وحدها الحقيقة الضامنة لعناوين البقاء والسقوط الحرّ… وهؤلاء يجدون بعض التردّد والخجل المصطنع عند الاعتراف بأنّ كبار القوم قد يدور عليهم الزمان يوما ما ويجدون أنفسهم في دار غير الديار التي سكنوها وتعوّدوا عليها… وهم أكثر الناس الذين لا يؤمنون بأنّ كرة القدم الحقيقية ليست علما صحيحا وبأنها لا تخضع للأعراف والنواميس وللتقاليد البالية التي تربّوا عليها لذلك هم يستبعدون مثلا فرضية سقوط النادي الافريقي ليس لأنّ النادي الافريقي لا يستحق السقوط من الناحية الفنية والرياضية ولكن لأنّه النادي الافريقي الكبير الذي يحجّ الى قبلته الملايين لذلك فسقوطه حرام في نظر كثيرين…

المشكل اليوم هو أنّ الذاكرة الرياضية التونسية لا تحتفظ بسيناريوهات مشابهة والأجيال الحالية لم تشهد على الأقّل في العشرين سنة الأخيرة اهتزاز عرش الرباعي التقليدي ونعني الترجي والافريقي والنجم والصفاقسي ولذلك فإنّ وصول أحد هؤلاء الى حافة السقوط كان حدثا غريبا وفريدا في حد ذاته ولكن الاشكال الأكبر ليس في سقوط الافريقي من عدمه أو في سقوط بقيّة الكبار كالنادي البنزرتي والملعب التونسي وأيضا نجم المتلوي والأولمبي الباجي وإنما في لعبة الكواليس التي جعلت الحديث عن مرافق الشبيبة القيروانية الى الرابطة الثانية يكون في الغرف المغلقة وليس فوق أرضية الميدان…

اليوم يتحدّث البعض في السرّ والعلن عن صفقات مشبوهة عقدت منذ فترة وانتهى بها المآل الى ما نحن عليه اليوم… الترتيب الحالي كان بفعل فاعل وسيناريو الانقاذ ترك عمدا مفتوحا على كلّ الاحتمالات والمدافعون عن الميثاق الرياضي وعن نظافة اليد التي تمسك الكرة التونسية يعتقدون أنّ الوضعيات الحالية هي نتاج حتمي لمستوى الفرق المعنية بالنزول ولكن هذا الطرح يبدو مثيرا للريبة والسخرية في الآن نفسه فمن يرى أنّ الترجي خسر في بنزرت لأنه منشغل بالمسابقة الافريقية فهو شريك في الاثم و”العفن” لأنّ الجميع يعرف أنّ الترجي كان منذ فترة يطحن منافسيه جميعا حتى بالتشكيلة الاحتياطية ومن يمهّد لتعثّر جديد للترجي أمام المتلوي لنفس الاعتبارات فهو إمّا أحمق أو أنه يتغابى حتى لا ينكشف “عفنه”… والأمر نفسه ينطبق على اتحاد بن قردان ولو بدرجة أقّل باعتبار أن هزيمة الاتحاديين في بنزرت ليست أمرا مفاجئا فلا بن قردان لها وزن وقيمة الترجي ولا بنزرت هي فريسة سهلة لكل من هبّ ودبّ ولكن استنادا لحقيقة الارقام خاصة في هذا الموسم فإنّ تعثّر الاتحاد في مباراة الموسم بالنسبة له قد يحملنا قسرا الى ما قلناه بخصوص وضعية الترجي…

أسوأ ما في الأمر هو أنّ سيناريو البيع والشراء ينطبق على الجميع وعلى كل المعنيين بصراع البقاء فالجميع اليوم يستبعد فرضية فوز النجم على الأولمبي الباجي على الرغم من أنّ المنطق يقول إنّ النجم في طريق مفتوح لتحقيق فوز سهل ولكن منطق الكرة التونسية معاكس تماما فبطل تونس لم ينتصر على صاحب المركز قبل الأخير ووصيفه لم ينتصر في آخر مواجهتين أحدهما أمام صاحب المركز 12 في الترتيب العام… والسيناريو ذاته يحيلنا الى عديد التفرّعات المثيرة والغريبة وهي أيضا على غرار النتيجة التي سطّرها البعض لمباراة دربي العاصمة الصغير بين الملعب التونسي والنادي الافريقي حيث يروّج هؤلاء لترسيم “نتيجة التعادل” التي قد تنقذ البلاد والعباد من فتنة حقيقية في صورة سقوط السيناريو الأوّل المخيف لكثيرين والقائم على تعثّر الترجي داخل قواعده سواء التعادل أو الهزيمة والخوف كذلك من فرضية “سقوط” حرّ لاتحاد بن قردان من فوق قنطرة بنزرت…

قد يقول البعض إن هذه الفرضيات هي في الأًصل مجرّد تخمينات أو تهيؤّات صحفية لا غير باعتبار أنّ كل البطولات العالمية التي يبقى فيها التشويق قائما لغاية الجولة الأخيرة تحتفظ بكلّ أسرارها لغاية الصفّارة الأخيرة ولكن مع اختلاف طفيف وبسيط وهو أنّ الكرة هي الوحيدة صاحبة السرّ والفصل في الأمر وليس للصفقات وللبيع والشراء أيّ مكان في جولة الأمان… أحيانا يجوز للفرق التي ضمنت مصيرها وأنهت موسمها قبل الأوان أن تتحكّم في مصير الأمتار الأخيرة من السباق حسب مصلحتها الرياضية وحسب العناوين التي تنشدها في المواسم القادمة واللاحقة ولكن في المقابل لا يحق لها أن تسرق عرق غيرها وتتلاعب بمصير جمعيات هي المتنفس الوحيد لعديد الجهات خاصة أنّ السقوط المبني على الظلم وعلى المؤامرات يكون بمرارة أكبر وحرقة أكثر…

قد تكون الأمور حسمت بصفة فعلية لدى أصحاب القرار وقد يكون الضحية التالي “ميتا” لا محالة في دفاتر جلاّده ولكن مهما كان اسمه أو هويته دعوا الكرة هي التي “تنهي حياته مؤقتا في الناسيونال” حتى تكون الوفاة في ظاهرها طبيعية ولا تسجّل ضدّ مجهول يعرفه الجميع وحتى تكون العودة الى الحياة ممكنة وقريبة وحتى لا نخسر آخر آمالنا في رؤية بطولة نظيفة وفي كرة قدم عادلة لا تكترث بما تحيك بعض الأنفس الخبيثة…

نقول هذا حتى لا تغرق كرة القدم التونسية نهائيا والى الأبد في وحل الفساد والعفن  وحتى لا نندم بعد فوات الأوان…

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 18 ماي 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING