الشارع المغاربي – وثيقة: عندما كان «الطلاين يحرقو» الى تونس بحثا عن «الخبز والأمن والحرية»

وثيقة: عندما كان «الطلاين يحرقو» الى تونس بحثا عن «الخبز والأمن والحرية»

15 يونيو، 2018

الشارع المغاربي – لطفي النجار: أن تحمل قوارب «الحرقة» آلاف المهاجرين وتتّجه شمال المتّوسّط اليوم بحثا عن أمل في حياة أفضل، فليس ذلك في تاريخ الهجرات الكبرى قديما وحديثا حصرا على أهل جنوب المتوسّط. إذ طالما شكّل المتوسّط ملاذا للهروب من ضفّة إلى ضفّة أخرى، من جنوبه إلى شماله أو العكس أيضا مثلما حدث في التاريخ الغابر أو حتى في القرنين الماضيين في موجات لجوء ونزوح جماعي من جنوب القارة الأوروبية إلى ضفاف تونس هربا من الفقر والحاجة أو فرارا من القمع والحروب.

الهجرات الكبرى أو حراك Mouvement الجموع سمة البحر المتوسّط زمن الحروب والأزمات بمستوياتها المتعدّدة، حينا تتجه شمالا وحينا آخر تولي جنوبا مثلما حدث في محطات عديدة من التاريخ لمّا كانت تونس  ملجأ وملاذا للإيطاليين والمالطية واليونانيين وشعوب البلقان و«الفرنجة».

«الحرقة» إلى تونس أو الهروب إلى «الأرض الموعودة»

يذكر  ألفونسو كامبيزي و فلافيانو بيزانيللي في كتابهما المشترك :» ذكريات وقصص من البحر الأبيض المتوسّط ـ تاريخ الهجرة الصقلية في تونس بين القرنين التاسع عشر والقرن العشرين ـ»، أنّ أكثر من 100 ألف إيطالي وصلوا إلى شواطىء تونس بعد أن انطلقوا في قوارب من سواحل إيطاليا. هاجر الإيطاليون حينها ( في بدايات القرن الماضي) بعد استفحال البؤس والفقر المدقع في الجنوب الإيطالي وارتفاع البطالة، فركبوا القوارب من جزيرة بانتيليريا متّجهين جنوبا إلى تونس بحثا عن العمل والرزق وهربا من اليأس والجوع والحاجة.

بعد قرن أو يزيد، تتكرر المأساة الإنسانية في تفاصيلها البشرية اليوم جنوب المتوسّط، لتتغيّر فقط بعض مفردات المشهد الدرامي : جزيرة قرقنة هي جغرافية المحنة وموطنها اليوم بدل جزيرة بانتيليريا الإيطالية، وشواطىء صقلية هي الأمل والمبتغى بعد أن كانت نابذة وطاردة لأهلها في بدايات القرن الماضيالتفاصيل تغيّرت وتتبدّل باستمرار، ولكنّ جوهر المشهد ولبّه يبقى إنسانيا لا يتبدّل: فرار غريزي من العطالة والجوع وبحث طبيعي عن حياة أفضل وأكرم.

موجات الهجرات التي كانت تولّي وجهها نحو شواطىء تونس لم تكن بسبب الفقر والبؤس فحسب مثلما حصل في نهايات القرن 19 وبدايات القرن 20، بل كانت أيضا بسبب القمع والاضطهاد، كما حصل للإيطاليين عند صعود الفاشيين إلى الحكم في الثلث الأول من القرن الماضي. مئات القوارب وآلاف المهاجرين المنطلقين من سواحل إيطاليا وصلوا إلى الوطن القبلي التونسي، إلى قربة وقليبية ومنزل تميم وغيرها من القرى والمدن الساحلية التونسية الشمالية. قبض على العشرات منهم مثلما ذكرت حينها الصحف التي نقلت معاناتهم ووصفت هجرتهم بـ«الموجة الكبرى من الهجرة الغير شرعية للإيطاليينالتي تسبّبت في اكتظاظ كبير للمهاجرين بالعديد من القرى والأرياف بالوطن القبلي»، واستجوبت الصحف بعضهم، الذين ردّوا بالحرف : «نحن نموت جوعا في صقلّية، ونحبّذ أن نموت هنا في تونس على أن نعود». لقد كانت تونس في زمن «حرقة الطلاين» إليها «الأرض الموعودة» التي يهرب إليها المهاجرون من شمال المتوسّط بحثا عن «الخبز والأمن والحرية».

تونس المكلومة

نصف قرن فقط، ينقلب «المتوسّط» على رأسه: إيطاليا تصبح عضوا في مجموعة السبع الكبار في العالم ( مجموعة الدول الصناعية الكبرى ) وتصبح سهول وأراضي جنوبها منطقة جذب لليد العاملة التونسية، وتتحوّل سواحلها إلى شواطىء نجاة وأمل لآلاف الشباب التونسي. في حين تلج تونس دائرة التيه بسبب ضعف في قدرة القيادة وسوء في التقدير، ليسقط شبابها في قاع المتوسّط ضحايا بعد يأس وبؤس وعطالة مزمنة وانسداد لكلّ أفق ممكن..»هي الأمور فعلا كما شاهدتها دول» على قول الشاعر الأندلسي النفزي الذي يضيف في عجز البيت «من سرّه زمن ساءته أزمان»و«أزمان قرقنة»  اليوم  فواجع ورثاء ونواح وجثث متناثرة على سطح مياه المتوسّط تجاوزت درجة الإساءة لتمسّ «العظم»تونس مكلومةإنّه الوجعإلهي متى نستيقظ؟.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING