الشارع المغاربي-قسم الاخبار: عشية يوم امس، اعلن عن وفاة جيلبار النقاش احد اهم رموز اليسار والمناضل الوطني عن عمر يناهز 81 سنة ، خبر حزين هز الساحتين السياسية والحقوقية ورافقه تذكير واسع بمناقب الفقيد واشادة بتاريخه الناصع وبوطنيته ونضاله .
ونعت رئاسة الجمهورية الفقيد واصفة اياه بـ” أحد المناضلين التونسيين الصادقين ممن آمنوا بمبادئ التحرر والعدل وناضلوا من أجلها إلى آخر رمق” مضيفة في بلاغ نشرته على صفحتها الرسمية بموقع “فايسبوك” : “لقد خسرت تونس بوفاة جيلبار النقاش أحد الذين ثبتوا وصمدوا وثابروا بالرغم من غياهب السجون التي قضوا فيها سنوات طويلة من شبابهم وبالرغم من الأصفاد التي أدمت أياديهم ولكنها لم تثل أبدا في عزائمهم وإرادتهم وإخلاصهم”.
وتابع البلاغ” عاش جلبار نقاش ثابتا مؤمنا بالثورة ومات ثابتا وهو مؤمن بها أيضا حتى وهو على فراش المرض، وسيحفظه التاريخ في تونس وفي العالم كله كرمز من رموز التحرر الوطني بل كأحد رموز تحرر الإنسانية جمعاء”. واعلنت ان رئيس الجمهورية قيس سعيد ” اسدى تعليماته لسفير تونس بباريس لتيسير كل الإجراءات لنقل جثمان الفقيد إلى تونس حيث أوصى قبل وفاته بأن يوارى الثرى فيها”.
واوصى جيلبار او “بابي” مثلما يحلو لكل من عرفه ان يناديه بدفنه في تونس ، وتناقل اصدقاؤه ورفاقه سنوات النضال الطويلة التي قضاها جيلبار ومواقفه الثابتة والداعمة للقضية الفلسطينية وادانته لـ”الصهيونية” ، ولم تثر في اي مناسبة ديانته اليهودية او هويته السياسية اليسارية وكان لذلك مثالا للوطني التونسي الاصيل وعنوانا من اهم عناوين النضال خلال حقبتي بورقيبة وبن علي واحد أصحاب المواقف الصادقة بعد الثورة .
وتعددت منذ ليلة يوم امس بلاغات النعي من مختلف الاحزاب والشخصيات السياسية والحقوقية ، واعيد نشر شهادة جيلبار النقاش في احدى جلسات الاستماع لهيئة الحقيقة والكرامة بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتمّ أيضا تداول تدوينة نشرها الرئيس المؤقت السابق المنصف المرزقي في ظاهرها نعي وفي باطنها مغالطات ومحاولة لتوظيف كل مناسبة حتى في لحظة حزن مريرة .
واعرب الكثيرون عن غضبهم من تدوينة المرزوقي التي جاء فيها ” توفي السيد جلبار النقاش الذي عرفته طيلة الثمانينات …جمعتنا نفس قيم اليسار الاجتماعي والحركة الحقوقية وكان أيضا من القلائل الذين غامروا بنشر إحدى كتبي باللغة الفرنسية L’échec et l’espérance ثم فرقتنا الخلافات الايدولوجية حول الموقف من الاسلاميين لكنني لم اتخل يوما عن احترامي لوطنيته وصدقه وإخلاصه للمبادئ التي قادته سنوات طويلة للسجن والمضايقات والعزل الاجتماعي ناهيك عما تعرض له من عنصرية وتمييز بسبب ديانته اليهودية. وداعا أيها الرجل الفاضل وكل تعازي الصادقة لأهله وذويه “.
ومن بين التعاليق على حائط المرزوقي “انت تغتنم حتى المآتم للإشهار لنفسك وكتبك وتكيل التهم لرجل ميت بكونه استئصالي وتفتعل خلافات معه لكي ترفع من وضاعتك. كان بإمكانك التعزية والترحم وكفى”.
وايضا “خسارتك دكتور يعني من الي عمله الكل صورته اقصائي… كان جيلبار أبعد الناس عن الفرز الايديولوجي واقربهم للفرزعلى ثوابت وأسس الوطنية …مات المثال وبقيت الصور الهجينة”.
وكذلك “سيدي الكريم، الموت أعظم من أن يذكر مع إسم كتاب لك قد نشر في أحد الأيام … كان الأجدر بك الترحم وكفى… كفى لغوا ونرجسيّة وأناك المتضخمة.”
وبالعودة الى مسيرة الراحل ، نذكر انه من مواليد 1939 ودرس بالمعهد الوطني الفلاحي في باريس ثم عاد إلى تونس لتنطلق مسيرته الحافلة ، ناضل في حقبتي بورقيبة وبن علي ، وحكم عليه بـ14 سنة سجنا سنة 1968 ، قضى منها 10 سنوات بسبب نشاطه السياسي ضمن حركة ” بارسباكتيف” وتعرض للتعذيب والتنكيل وشتى انواع المضايقات بعد خروجه من السجن ، لينتهي به الامر في المنفى ويعود الى تونس بعد الثورة.
اعاد جيلبار نشر كتابه الاشهر “كريستال” في حلته العربية بعد مرور أكثر من 35 سنة على إصدارها باللغة الفرنسية .
كان النقاش ماركسيا، وذلك يعني بالنسبة إليه ولرفاقه أن يعادي الحركة الصهيونية مبدئيا، باعتبارها حركة استعمارية عنصرية، أما الانتماء الديني فهو شأن شخصي صرف. شارك في كل الفعاليات المنددة بالانتهاكات الصهيونية على مرّ العقود.
بعد الثورة كان جيلبار أحد مؤسسي جمعية Manifeste 20 mars “مانفيست 20 مارس”، حافظ رغم الهزات والتلقبات على هويته السياسية الوطنية الصادقة بعيدا عن اية حسابات سياسية. ويذكر عنه انه انسحب من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي التي خطت بداية مسار الانتقال الديمقراطي . كان معارضا لاول حكومة انتقالية التي ترأسها الراحل الباجي قائد السبسي، وعارض ايضا حكومتي الترويكا اللتين تزعمتهما النهضة وساند بقوة العدالة الانتقالية وكان من اهم رافضي مشروع قانون تحصين الثورة.