الشارع المغاربي – ولّى زمن العمالقة.. بقلم: علي صالح بن حديد

ولّى زمن العمالقة.. بقلم: علي صالح بن حديد

31 أغسطس، 2018

الشارع المغاربي: شهدت الساحة السياسية الدولية خلال القرنين الماضيين تحوّلات جذرية كان لسياسيين بارزين دور حاسم فيها ارتقى بكل واحد منهم الى مرتبة العملاق على ركح الصراع الجغراسياسي العالمي. وإذا كانت الأحداث تصنع الرجال فإن العظماء من الرجال يصنعون بدورهم الأحداث بمواقفهم وصمودهم وتصميمهم على بلوغ أهدافهم تاركين بصمات عميقة في تاريخ بلدانهم وحتى العالم.

فخلال المائة سنة الأخيرة عاشت المعمورة حربين عالميتين وأزمات بين الدول إلى جانب ثورات في عدد من بقاع العالم مثل الثورة البلشفية وملاحم كفاح مسلح سطرتها الشعوب المستعمرة لنيل استقلالها مثلما حدث في مصر والجزائر وفيتنام وكوبا وبوليفيا وجنوب افريقيا لعب خلالها عمالقة على سبيل الذكر لا الحصر ايزنهاور وروزفلت وشي غيفارا وفيدال كاسترو وجمال عبد الناصر ومانديلا وتشرشل وديغول وأديناور وهوشي منه وشوان لاي وماو تسي تونغ ونهرو وتيتو أدوارا محورية غيّرت مجرى تاريخ شعوبهم.

في المغرب الكبير نذكر عمر المختار شيخ المجاهدين في ليبيا وعبد الكريم الخطابي والمهدي بن بركة في المغرب وعبّان رمضان وهواري بومدين في الجزائر والحبيب بورقيبة وفرحات حشاد في تونس وكلهم رجال من طينة العمالقة أيقظوا في شعوبهم روح ثورات شاملة بأبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية.

واليوم، بعد مرور عقود على هذه الأحداث تتقدم هنا وهناك شعوب على طريق البناء والتشييد والتعويل على طاقاتها الوطنية بما في ذلك بلدان اسلامية مثل ماليزيا وتركيا وايران التي نجحت رغم الحصار المفروض عليها منذ زهاء 40 سنة في تطوير طاقاتها الذاتية لتصنع سلاحها الدفاعي وتتحول الى قوة اقليمية فاعلة يحسب لها حساب في الشرق الأوسط وحتى في الساحة الدولية ناهيك المواجهة التي تخوضها هذه الايام ضد أمريكا بعد مفاوضات عسيرة مع نادي كبار الدول.

أما ما يسمّى بالعالم العربي فتتقاذفه أمواج أحداث حوّلته إلى شبه ريشة في مهب عواصف الصراع الدائر بين الدول الكبرى من أجل السيطرة على الثروات والأسواقأصبحت الأموال العربية تقتل الشعوب العربية وتستنزف الطاقات العلمية والثقافية العربية وتتسبب في هجرة الشعوب والادمغة العربية بما يخدم المشروع الصهيوني القديمالجديد. وما هدف الحروب التي عرفها العراق وسوريا واليوم اليمن سوى تفكيك الطاقات العلمية العربية وتدمير التراث الحضاري (نهب متحف العراق اثر غزوه وتدمير مدينة تدمر بسوريا وآثار اليمن) لمحو هوية شعوب هذه الدول حتى تضحي لقمة سائغة أمام اسرائيل.

على أن ما يحزّ في النفس أن بلدان المغرب الكبير تملك من المقومات الجغرافية والتاريخية والاقتصادية وحتى الدينية ما يؤهلها لتفوز بدور فعّال أمام اكبر تكتل اقتصادي في المنطقة (الاتحاد الاوروبي) ولتصبح بوّابة القارة الصاعدة افريقيا لو شُحذت العزائم وسُخّرت الطاقات لبناء سوق اقتصادية موحّدة ومتكاملة، لكن البنية التحتية السياسية المغاربية المهترئة بفعل ورم قضية الصحراء الغربية نسفت كل الجهود والطموحات وحوّلت بناء الاتحاد المغاربي الى سراب.

ورغم أن هذا الحلم يبقى في عيون المحبطين بفعل التجارب والمحاولات الفاشلة بعيد المنال فلا يجب أن يغيب عنّا أن التاريخ حافل بدروس من شأنها تحفيز قادة وشعوب المنطقة على السعي بجدّ لتحقيق ما يبدو مستحيلا. ويكفي أن نذكر الحرب الاهلية التي عرفتها الولايات المتحدة والتي لم تمنعها من أن تتحوّل الى أكبر قوة عظمى في العالم وكذلك الحرب الاهلية الصينية الى جانب نجاح كل من المانيا واليابان وكوريا الجنوبية في استعادة مكانتها بين الدول المتطورة بعدما حوّلتها الحروب الى رماد. ومن الحاضر القريب نستحضر مثال رواندا البلد الافريقي الذي دمرته حرب أهلية أتت على الحجر والبشر بفظـائع نادرا ما شهد التاريخ مثيلا لها واستجمع أنفاسه وخلق من الضعف قوة ليتحول الى بلد يحتذى به في النمو الاقتصادي على الساحة الافريقية.

في غياب رجال من طينة العمالقة قادرين على التجميع يتحتم على الأحزاب الوسطية والأوساط الشبابية بالفضاء المغاربي توحيد جهودها لتحسيس الشباب الناشىء بالهوية المغاربية واعتماد شبكات التواصل الاجتماعي والندوات الفكرية والاعلامية لوضع خطة واقعية لبناء لبنة أولى تتبعها خطوات في اتجاه الهدف المنشود بعيدا عن الشعارات الجوفاء والخطب الرنانة حتى لو كانت الخطوات صغيرة عملا بالمثل الصيني القائل : “رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة“.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING