الشارع المغاربي : العربي الوسلاتي : لم يكن أكثر المتشائمين من جماهير النادي الافريقي يتوقّع أن يصل الحال بالفريق الى ما هو عليه الآن… هزائم بالجملة وخطايا بالحملة وترتيب مهين لا يليق بفريق عريق كان بالأمس القريب شاهد إثبات على صولات وجولات الرياضة التونسية.
النادي الافريقي الذي أنهى الموسم الفارط في وصافة الترتيب حاجزا لنفسه مقعدا في أمجد المسابقات الافريقية وحاملا على أعناقه لقب الأميرة التونسية في عزّ ضائقته المالية وتحت وصاية هيئة تسييرية يتكبّد اليوم هزيمته الرابعة على التوالي بعد مضيّ ستّ جولات فقط من انطلاق السباق… وحديث غير مسبوق عن حرب تكتلات وخونة ومرتزقة يرتعون داخل الحجرات. تطورّات مريبة وتحرّكات غريبة حول أسوار الحديقة ومخاوف جماهير النادي الافريقي لها ما يبرّرها فالواقع المرير الذي يعيشه النادي اليوم ينبئ بهزّات أخطر وأشمل وتواتر رسائل الفيفا المحمّلة بالخطايا المالية وبالتهديد والوعيد إضافة الى صراع الأخوة الأعداء داخل وخارج الدار يوحيان بأنّ مصيرا مجهولا يلاحق خطوات المارد الأحمر في قادم المشوار…
يحدث كلّ هذا في وقت لا يحرّك فيه رئيس النادي عبد السلام اليونسي أيّ ساكن… يتابع عن قرب ما يحدث من فوضى خلاّقة داخل هذا الصرح الكروي الكبير عاجزا عن التغيير رغم محاولات الانقاذ التي شرع فيها بعزل الإطار الفنّي السابق وتثبيت بنك جديد… رئيس النادي الافريقي الذي شبّ وشاب داخل جدران الحديقة والخبير جيّدا بلعبة الكواليس وهو الذي مرّ على دفّة التسيير منذ سنوات وسنوات ويعرف ما يحصل في العتمة وداخل الغرف الموصدة تجاوزته الأحداث وبدأ يفقد زمام الريادة ويفلت من بين أصابعه مقود القيادة في ظلّ تصاعد رقعة الانتقادات والاحتجاجات خاصة بعد اتساع جبهة الرفض ضدّ سياساته وتحركاته بدليل ثورة الجماهير التي اندلعت مؤخّرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وقد تخرج قريبا الى العلن وتصل الى مركبّ الحديقة “أ”.
في خضم كل هذا الخور والجدل لا بدّ من التأكيد على حقيقة ثابتة هي أن اليونسي ليس مذنبا وليس محّل اتهام لأنّه لم يدّخر جهدا لإعادة المارد الأحمر الى مساره الطبيعي والرجّل رمى بنفسه في أحضان “المحرقة” رغم علمه بحجم الديون والتركة الثقيلة التي تركتها الهيئات السابقة والمتعاقبة ولكن ذنبه الوحيد أنه وصل الى رئاسة النادي الافريقي في وقت تتربّص فيه أكثر من جهة وأكثر من طرف ومن حزب بهذا الكرسي الهزّاز… النادي الافريقي اليوم وفي ظلّ معركة الأحزاب ولعبة اللوبيّات المعلنة لم يعد سيّد نفسه ولا ملكا لجمهوره أو هكذا يتوهّم البعض بل أصبح أصلا تجاريا تعود ملكيته للمالك القديم صاحب المخزن الكبير وللمالك الجديد عرّاب الحزب الصغير…
وحتى تكون الصورة مكتملة الملامح والعناوين ولا تعمينا الهزائم عن الحقيقة ولا عن تعقّب بصمات المذنبين ما يحصل في النادي الافريقي اليوم ليس نتاج عثرات رياضية مثلما يزعم البعض أو نتاجا طبيعيا لسقطات بعض “الملاعبية” أو مشكلة مدرّب ونقائص فنيّة كما يروّج البعض الآخر رغم يقيننا بأنّ النسخة الحالية من الإفريقي رديئة جدّا ولا ترتقي الى مصاف الكبار على الأقّل قياسا بما عهدنا من أهل الدار… فمشكلة الافريقي الحقيقية ليست رياضية بل هي أزمة هويّة… أزمة تفاقمت عناوينها وتغذّت من صراع “الكبارات” المتجذّر في “العقلية” منذ عهد البايات… قلعة باب الجديد تدفع اليوم فاتورة انتمائها الى شعب أعزل تحكمه بعض الرؤوس الفاسدة والنواميس البالية… النادي الافريقي الذي كان يستمدّ ثباته من صهيل أقدامه ويتّقد كبريائه وحياؤه من آهات جماهيره لم يعد هو نفسه… النادي الافريقي لم يعد تلك القلعة الشامخة العالية العصيّة على الخيانة وعلى مخطّطات الانقلابات الناعمة والجبانة… اليوم تغيّرت موازين القوى في محيط النادي الافريقي واختلط الحابل بالنابل والقلعة هجرها الأوفياء وعمرّ فيها الدخلاء من الابن الضال الى المسيّر السمسار…وتسلّل الى داخل الدار جنود خونة أهملوا القضيّة وزيّفوا الوصيّة وباعوا الأمانة وقبضوا الهديّة…
لن يشفى النادي الافريقي من أوجاعه بين يوم وليلة من دون آلام وأوهام فحرب الزعامات لا يبدو أنها ستضع أوزارها قريبا ولعبة الانتخابات بدأت تطلّ برأسها السافر وخزّان الافريقي مليء بالأصوات وبالآهات…
ستبقى دار لقمان على حالها… فلقمان ترك وصيّة إمّا استعادة الكرسي أو هدم كلّ ما بنى الرجال منذ نشأة الجمعية…