الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: لاحظ عدد هام من المواطنين في المدة الاخيرة نقصا حادا في عدة ادوية بالصيدليات وهو امر صار مع الاسف معتادا سيما منذ 2016، حيث تعاني المنظومة الصحية ككل من ندرة في الأدوية يرجعها البعض إلى نقص في السيولة لدى الصيدلية المركزية فيما يرى آخرون أن المتسبب فيها عصابات المضاربين والمهربين فضلا عن تفاقم مشاكل التزويد والخلاص التي لا تنتهي بين الصناديق الاجتماعية وكافة الاطراف المتدخلة في القطاع الصحي تقريبا.
ومع تواصل هذه الأزمة، يستعد مزودو الصيدليات للاحتجاج نهاية الشهر الحالي للمطالبة بالإسراع بتدارك الوضعية التي اثرت على انشطتهم على غرار الصيادلة والاطباء وغيرهم في ظل تأكيدات متواترة بان احتياطي الدواء في البلاد يشهد تراجعًا كبيرًا بالنظر الى فقدان ما يفوق 200 دواء حاليًّا وفقا للمهنيين وهي تتعلق بشكل خاص بالأمراض المزمنة كمرض السكري الخاص بالأطفال والضغط الدموي وأدوية مرض الصرع، وكذلك بالعديد من الفيتامينات ومسكنات الآلام، إلى جانب أدوية منع الحمل.
ويتوجس العديد من المرضى، من تواصل أزمة نقص الأدوية غير المسبوقة، فكثير منهم بات متخوفا جراء فقدان أصناف من الأدوية الأساسية في الصيدليات العمومية بالمستشفيات أو في الصيدليات الخاصة أيضًا، لما يمثّل ذلك من خطر على صحتهم.
وصرح في هذا الاطار حديثا نائب رئيس النقابة العامة لأصحاب الصيدليات الخاصة نوفل عميرة، أنّ عشرات الأدوية مفقودة وان جلّها أدوية حياتية لعدة أسباب أبرزها اقتصادية ناتجة عن منظومة تسعيرة الدواء الراجعة بالنظر إلى وزارة التجارة. وأشار عميرة، إلى أن العديد من الأدوية الجنيسة التي تعوّض أصنافا من الدواء المستورد لم تعد تصنع في المخابر التونسية لارتفاع أسعار المواد الأولية ولرفض وزارة التجارة الترفيع في أسعارها مما دفع بالمصنّعين للتخلي عن انتاجها.
في المقابل يبرز الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية خليل عموس، أن 95% من الأدوية متوفرة وان مخزونها موجود بما يكفي موضحا ان جميع التلاقيح متوفرة وانه من جملة 4000 نوع من الادوية هناك إشكال في حوالي 30 نوعا فقط. ويشدد عموس في ذات السياق على أن مشكل فقدان الأدوية عرف تراجعا ملحوظا وعلى أن الصيدلية المركزية تجاوزت المرحلة الحرجة على المستوى المالي.
وكشف تقرير صدر عن وكالة الترقيم الدولية “ب.ب.اي” ان سوق الادوية في تونس مثل نحو 2500 مليار سنة 2019 موزعة بين الواردات بنسبة 48% كاحتكار للصيدلية المركزية التونسية و 52% في محور الانتاج المحلي. كما بين التقرير ان الصيدلية المركزية تمثل المزود الحصري للمؤسسات الصحية العمومية وما شابهها بواقع 76% مما يمنحها اولوية مقابل المنافسة وان ذلك يمثل اشكالية مهمة. كما تم التأكيد على ان الوضعية المالية للمؤسسة جد معقدة خصوصا باعتبار اهمية مستحقاتها لدى الحرفاء والتي بلغت قيمتها نحو 941 مليارا نهاية 2018 وان تأثرها الشديد بتغير الصرف نظرا للقيمة العالية لوارداتها وشراءاتها المستهلكة واعباء استغلالها والتي تقدر بحوالي 1276 مليارا وهو الامر الذي يؤثر سلبا على علاقاتها مع المزودين الاجانب.
وبذلك تعاني المؤسسة من ثغرة مالية تقدر بزهاء 2217 مليون دينار. وابرزت وكالة الترقيم الدولية “ب.ب.اي” ان الصيدلية المركزية مدعوة بإلحاح الى العمل على اعادة النظر في طريقة ادارتها سيما انها مقبلة على عملية هيكلة ستشمل تنظيمها ومنظومتها الاعلامية وانتداب اطارات جديدة صلبها.
يُذكر ان مجلس التحاليل الاقتصادية كان قد اطلق مبادرة “فارما” في بداية العام الماضي في إطار خطة الانعاش الاقتصادي 2019-2020 لمعالجة أزمة فقدان الأدوية المتفاقمة عبر العمل على تعزيز القدرة التنافسية لشركات صناعة الأدوية، وأعلن اعتزام آنذاك تنفيذ المبادرة خلال الربع الأول من العام الماضي ولكن المبادرة لم تر النور باعتبار اشتداد مشاكل عدم الاستقرار في البلاد على اصعدة عديدة. وبيّن المجلس ان المبادرة تهدف إلى التوصل لاتفاق بين القطاعين العام والخاص مقابل التزام الدولة بتنفيذ مجموعة من الإجراءات فيما يتعهد القطاع الخاص بتحقيق أهداف الاستثمار والتصدير وتوفير فرص عمل جديدة.
وحسب الاحصائيات الرسمية، فإن هناك بتونس 74 شركة، من بينها 36 شركة مختصة في صناعة الأدوية، فيما تركز البقية على صناعة المستلزمات الطبية، برقم معاملات يبلغ سنويا 800 مليون دينار. ويؤكد العديد من المهتمين بالشأن الاقتصادي الوطني أن قطاع الصحة هو من أكثر القطاعات فسادا، وإنه ينافس فساد القطاعات الأخرى وإنه أصبح بيئة مثالية لاستيلاء بعض الاطراف النافذة على أموال طائلة من خلال التحيل عبر صفقات مشبوهة.