الشارع المغاربي – 22 نوفمبر 2018،تاريخ فاصل في المشهد السياسي التونسي /بقلم: جمال الدين العويديدي

22 نوفمبر 2018،تاريخ فاصل في المشهد السياسي التونسي /بقلم: جمال الدين العويديدي

29 نوفمبر، 2018

الشارع المغاربي : لقد أكدنا في عديد المناسبات أن غياب الرؤيا الإستراتيجية وانعدام البرامج المعمقة إضافة إلى عدم توفر الحد الأدنى من المبادئ الأخلاقية لتسيير الدولة يمثل قاسما مشتركا لدى أغلبية الأحزاب السياسية خاصة منها تلك التي وصلت إلى الحكم بعد انتخابات 2011 وانتخابات 2014.  لقد تبين بالكاشف أن كل هذه الأحزاب تفتقد إلى مشروع اقتصادي واجتماعي وطني قادر على القطع مع سياسة التبعية ونحت مسيرة تنموية شعارها السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني.

من هذا المنطلق يمكن التأكيد أن التوافق الذي حصل بين حزب نداء تونس و حزب حركة النهضة اثر انتخابات 2014 لم يكن من باب الصدفة. كما يمكن التأكيد أيضا أن هذا التوافق يمكن أن يتجدّد اثر الانتخابات القادمة في سنة 2019 بطريقة أو بأخرى. وذلك لأسباب موضوعية سياسية واقتصادية أساسها أن كلا الحزبين اعتمدا الولاء التام للولايات المتحدة الأمريكية وللاتحاد الأوروبي ترجمها التوقيع على دخول تونس في الحلف الأطلسي بصفة شريك غير رسمي. وهي خطوة لم يقدم عليها الرئيس الحبيب بورقيبة بحكمة شديدة نظرا لما تحمله هذه الشراكة من إمكانية توريط البلاد في مشاكل كبيرة مع العالم الخارجي  خاصة إذا ما تعلق الأمر بالبلدان العربية المناهضة لهذا الحلف مثل الوضع في الجزائر وفي ليبيا في السابق. توافق الحزبين للدخول في هذه الشراكة العقيمة يمكن اعتباره بدون منازع خطأ فادح في حق تونس وفي حق الشعب التونسي.

أما على المستوى الاقتصادي فإن كلا الحزبين متشبثين بالليبرالية المطلقة وهما بذلك يتوجهان نحو مزيد من الخصخصة عبر التفويت في مؤسساتنا العمومية الإستراتيجية.كما أنهما متفقان على التوقيع مع الاتحاد الأوروبي على اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق “الأليكا” الذي سيفتح البلاد على مصراعيها نحو مزيد النفوذ الأوروبي في علاقة غير متكافئة و في خطوة غير مدروسة.كما أنهما لا يجدان أي حرج في تطبيق الإملاءات الخارجية التي تبدو في واقع الحال متفق عليها بين أطراف ثلاثة وهي الاتحاد الأوروبي واللوبيات الداخلية المتنفذة وهذين الحزبين بدرجة ثالثة بصفتيهما الضامنان لتنفيذ هذه السياسة.

لذاك ما يجري اليوم بين الطرفين لا يعدو أن يكون صراعا داخليا يهدف لتحديد تمركز كل طرف داخل هذه اللعبة الثلاثية في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. انطلاقا من ذلك يمكن التأكيد أن الشعار الذي أطلقه الاتحاد العام التونسي للشغل حول “السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني” لا يعني شيء بالنسبة للكتل الثلاثة التي تعتبر نفسها مرشحا أساسيا للسلطة والتي يمثلها كلا من حزب حركة النهضة من جهة وشقي حزب نداء تونس الأول ممثل من طرف رئيس الجمهورية ونجله وأتباعه والثاني ممثل من طرف رئيس الحكومة ومن حام حوله من كتل و أحزاب صغيرة تتمثل في شخصي كمال مرجان  ومحسن مرزوق.

وتأكيدا على هذا التوصيف نلاحظ أنه ما أن انتهى الإضراب العام الذي عرف نجاحا كبيرا والذي شهد حضورا لوجوه محسوبة على الشق المقرب لرئيس الجمهورية داخل حزب نداء تونس سعيا لإضعاف ما يعتبرونه “الشق المتمرد” و “الحليف المتنكر”، حتى رجع كل طرف لصراع التمركز من جديد و في نفس الدائرة المتفق عليها بينهم.

تحركات لا تستجيب للقضايا المصيرية المتعلقة بالسيادة الوطنية و بالتنمية الحقيقية

في هذا الإطار تأتي حركة رئيس الجمهورية للتسريع بطرح قانون المساواة في الإرث باعتباره ورقة ضاغطة على حزب حركة النهضة الذي يبدو انه رافضا لتمرير هذا القانون. كما يسعى من خلال طرح هذا القانون لزعزعة العلاقة السائدة بين رئيس الحكومة وحليفه حزب حركة النهضة. كما سارع رئيس الجمهورية بقبول زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في خطوة ينوي ترجمتها كعربون دعم مالي من المملكة العربية السعودية يريد استغلاله في حملته الانتخابية القادمة. خاصة وأن ولي العهد السعودي أصبح في وضع لا يحسد عليه في خلفية  آثار الحرب الظالمة التي شنها منذ أكثر من ثلاثة سنوات على الشعب اليمني الشقيق وفي علاقة بما خلفه اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشغجي.

لذلك نقول أنه في غياب تحقيق أي من النتائج التي روج لها رئيس الجمهورية في حملته الانتخابية لسنة 2014، تبدو هذه التحركات هزيلة وبعيدة كل البعد عما طرحه الاتحاد العام التونسي للشغل من قضايا مصيرية تتعلق بالسيادة الوطنية وبالتنمية الحقيقية.

وكذلك الشأن بالنسبة لرئيس حزب حركة النهضة الذي سارع بتثمين دوره ودور حزبه في تحقيق التحوير الوزاري الأخير ومحاولة إخراجه في صورة نصر عظيم بالغ في تسويقه إلى درجة دفعته  لاقتراف خطأ جسيم في حق شخصيات وزارية معتبرة وذلك حينما صرح بكل غرور “أنّ الحركة رفعت فيتو ضدّ بعض الوزراء الفاسدين في الحكومة وتمّ استبدالهم بوزراء صالحين”. هذا التجني جعل بعض الوزراء المغادرين يعلنون عن قرارهم مقاضاة راشد الغنوشي مما دفعه لتقديم اعتذارا بعد يومين من تصريحه الجارح.

وبدون أي تجني كيف يمكن لحزب حكم البلاد منذ سنة 2012 إلى اليوم أي ما لا يقل عن سبعة سنوات متتالية قام أثناءها بتوريط البلاد تحت سقف المديونية عبر فتح المجال للاتحاد الأوروبي للتدخل بقوة في تحديد ملامح البرنامج الاقتصادي للبلاد في إطار مزيد الاندماج داخل الهيمنة الإقليمية للاتحاد الأوروبي. من ذلك استغل الاتحاد الأوروبي توقيع رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي على وثيقة الشريك المميز في نوفمبر 2012 للدخول في تفاوض حول مشروع اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق. كما يجب الوقوف على دور حزب حركة النهضة في فتح الباب على مصراعيه لتدخل صندوق النقد الدولي من جديد في بلادنا بعد تدخله السابق في سنة 1986 الذي دمر المسيرة التنموية الوطنية. وهذا ما أقرته كريستين لاغارد المديرة العامة للصندوق بكل وضوح في الندوة  الصحفية التي نظمتها بتاريخ 17 فيفري 2012 بحضور محافظ البنك المركزي آنذاك.

لذلك نؤكد أنه في غياب تحقيق النتائج الملموسة التي روج حزب حركة النهضة سواء في انتخابات 2011 أو في انتخابات 2014 يبدو جليا أن تحرك الحزب بعد 22 نوفمبر 2018 كان بعيدا كل البعد عن مشاغل الشعب التونسي المتعلقة بالتنمية وبضرورة وضع حد لتدهور القدرة الشرائية للمواطن.

أما الطرف الثالث الذي يمثله رئيس الحكومة والذي مع الأسف يبدو أنه لم يستوعب ما جرى من حشد شعبي يوم 22 نوفمبر 2018 والذي حمل شعار السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني، سارع أيضا بتثمين دور حكومته واستعداده لتمرير قانون المالية لسنة 2019 في وضع مشحون بالغضب الشعبي  والمهني.  حيث قامت الحكومة بإقرار زيادات مشطة في سعر الطاقة طالت المواطنين بنسبة 13 بالمائة  دفعة واحدة و طالت المؤسسات وخاصة منها الناشطة في قطاع الصناعة والصناعات التقليدية والحرفيين بنسبة 46 بالمائة على ثلاث دفعات شبه متتالية في أشهر ماي وسبتمبر وأكتوبر في عملية لم تشهد لها البلاد مثيلا منذ الاستقلال.

من هذا المنطلق ودون أي تجن نتساءل كيف يمكن لرئيس الحكومة أن يتباهى بوجود نجاحات لحكومته والحال أن أهم المؤشرات تنذر بتدهور خطير للوضع الاقتصادي و الاجتماعي في البلاد نذكر من أهمها:

  • انهيار مستمر لقيمة الدينار مقابل اليورو بنسبة 37 % بين جويلية 2016 و اليوم ( من 2,42 إلى 3,32 دينار لليورو الواحد) مما أدى إلى مزيد تعميق العجز التجاري و المديونية.
  • ارتفاع نسبة الفائدة الرئيسية بأكثر من 125 نقطة في سنة 2018 فقط وهي ظاهرة فريدة من نوعها.
  • العجز التجاري في النظام العام ارتفع من 20,7 مليار دينار في سنة 2016 و مرشح إلى 29 مليار دينار لسنة 2018 حيث بلغ في موفى أكتوبر 24 مليار دينار.
  • رصيد العملة الأجنبية انخفض إلى مستوى مفزع في حدود 76 يوم رغم القروض المتحصل عليها مؤخرا بعدما كان في حدود 111 يوم سنة 2016.
  • نسبة التضخم ارتفعت من 3,7 % في سنة 2016 إلى 7,5 % حاليا.
  • البطالة تراوح مكانها في مستوى 15,4 بالمائة.

على رئيس الحكومة أن يختار بين المصلحة العليا للوطن أو الولاء للوبيات الداخلية و الخارجية

أمام هذه المؤشرات الرسمية الخطيرة التي لا جدال حولها، يحق لكل طرف معني بالشأن الوطني أن يتساءل  كيف يمكن لرئيس الحكومة أن يقبل بتسويق إيجابي لهذا الوضع وهو يعلم جيدا أنه لا يمكن الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية دون مراجعة لمنوال التنمية ومراجعة للاتفاقيات الملزمة مع الاتحاد الأوروبي. علاوة على ضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بترشيد التوريد الذي يعتبر البوابة الأساسية لرد الاعتبار لقيمة الدينار. كيف يمكن لرئيس الحكومة أن يستمر في تشجيع انتصاب العلامات التجارية الخارجية التي تستنزف رصيد الدولة من العملة الأجنبية وهو يعلم أن الدولة غير قادرة على ذلك نظرا للتصحر الصناعي الناتج عن اتفاق الشراكة الموقع في سنة 1995.

كيف يمكن في الأخير أن يتجاهل رئيس الحكومة ضرورة تواجد رؤية إستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار كل ما يجري في العالم من تحولات جذرية في الوقت الراهن محورها الأساسي بوادر بديهية تؤكد انتهاء حقبة العولمة والليبرالية المتوحشة وتبشر بضرورة الرجوع إلى تفعيل الدور المحوري للدولة الوطنية بوصفها الضامن الأساسي لتثبيت المسيرة التنموية عبر تركيز السلم الاجتماعية كشرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة.

على رئيس الحكومة أن يدقق بكل جدية في ما يجري حاليا في البلدان الأوروبية من انتفاضات شعبية عميقة وخطيرة نبه عنها عديد الخبراء من داخل صندوق النقد الدولي في تقرير صدر في سنة 2016 حيث أكدوا “أن سياسة التقشف والضغط على الأجور والزيادة في الأسعار وتقويض  القدرة الشرائية للمواطنين دمرت الفئات الكادحة والطبقة الوسطى وسوف تثور الشعوب من داخل البلدان الغنية مثلها مثل شعوب البلدان الفقيرة”. ما يجري في فرنسا اليوم والذي انتقل فتيله إلى البلدان المجاورة مثل بلجيكا و إيطاليا هو بدون منازع تأكيد على نهاية العولمة مثلما جاء على لسان هؤلاء الخبراء.

على رئيس الحكومة أن يفكر مليا في ما يجري اليوم وألا يطمئن لوعود المساندة التي يقدمها له سفراء مجموعة الدول السبعة.  وله في نهاية شاه إيران  وبن علي و مبارك و غيره ممن ركنوا لهذه القوى التي لا تستقيم على مبدأ درس عميق لمن أراد أن يهتدي.

المجتمع المدني يتضامن مع التمشي الوطني ويؤسس “رابطة الدفاع عن القطاع العام و السيادة الوطنية “

في خضم تحركات هذه الكتل الثلاث، بادر المجتمع المدني بالتحرك للوقوف ضد هذا التيار الجارف. من هذا المنطلق جاءت مبادرة تكوين “رابطة الدفاع عن القطاع العام والسيادة الوطنية ” من طرف عديد من المناضلين الوطنيين الذين عُرفوا بنضالهم المستمر ضد الدكتاتورية وضد التفريط في ثروات ومؤسسات البلاد نتمنى أن تكون حركة وطنية في الطريق الصحيح.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING