الشارع المغاربي – 3000 مليار من التعويضات زمن الكورونا: فضيحة قوم لا يؤمنون بالوطن !

3000 مليار من التعويضات زمن الكورونا: فضيحة قوم لا يؤمنون بالوطن !

قسم الأخبار

17 يوليو، 2021

الشارع المغاربي-أنس الشابي: في أوّل بيان صدر عن حزب حركة النهضة بعد عودته يوم 10 فيفري 2011 طالب الغنوشي بالتعويضات ويعدّ ذلك سابقة في تاريخ البلاد ! فالمناضلون الذين قدموا النفس والنفيس من أجل استقلال البلاد لم يصنعوا ذلك ولا جال بخاطرهم مثل هذا الصنيع. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه النقطة بندا قارا تعمل كل الوزارات على تنفيذه ولو بالتحايل. ويتذكّر الجميع أن حسين الديماسي استقال من الوزارة لأن الاستجابة لهذا الطلب ستؤدي إلى إنهاك المالية وإفلاس الدولة وهو الموقف الذي عبّرت عنه خيرة من نخبة المختصين في المالية والاقتصاد. ورغم المخاطر التي حذّر منها الخبراء فإن الحكومات المتعاقبة عملت جميعها وبلا استثناء على تمكين المنتسبين للنهضة من الأموال والترقيات والمناصب والمنافع بلا وجه حق حتى وصل الأمر بيوسف الشاهد إلى إصدار الأمر عدد 40 المؤرخ في 15 جانفي 2019 المنشور بالرائد الرسمي بتاريخ 18 منه والذي ينصّ على تحويل ما يقتطع كرها من مرتبات ومنح التونسيين كمساهمة في النهوض بالصناديق الاجتماعية التي أفلستها التعويضات إلى «تسوية وضعيات المنتفعين بالعفو العام» ! اليوم والوباء يحصد أرواح التونسيين والدولة على حافة الإفلاس لم يتورّع حزب النهضة عن الدفع برئيس مجلس شوراه إلى تهديد رئيس الحكومة إن لم يتم التعويض لهم قبل 25 جويلية الجاري بمبلغ 3000 مليار وتبعه في ذلك عبد الرزاق الكيلاني المكلف بإدارة الملف.

أثار تهديد الهاروني استغراب التونسيين ليتساءل بعضهم عن مدى صدق وطنية هذا الحزب وشعوره بالمسؤولية تجاه «شعبه» إن صحّت هاء النسبة. في تقديري أن الإصرار على التعويض رغم الوضع الذي يمرّ به الوطن ليس إلا الترجمة الحقيقية لقناعات فكرية وسياسية تتمثل في إيمان الحركات الإسلامية جميعها بلا استثناء بمفهوم الأمة والجماعة وكفرها بالوطن. يقول المودودي أحد أبرز قادة الفكر الإسلامي مثلما وصفه الغنوشي في مجلة المعرفة: «إن أكبر عدو لدعوة الإسلام بعد جهل الكفر والشرك هو شيطان العصبية والوطنية»(1). أما سيّد قطب فقد واصل في نفس المنهج إذ جاء في «معالم في الطريق» ما يلي: «بهذا الجزم القاطع جاء الإسلام.. جاء ليرفع الإنسان ويخلصه من وشائج الأرض والطين… فلا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله… فلا جنسية للمسلم إلا عقيدته التي تجعله عضوا في الأمة المسلمة في دار الإسلام…. والأرض التي لا يهيمن فيها الإسلام ولا تحكّم فيها شريعته هي دار حرب بالقياس إلى المسلم وإلى الذمي المعاهد كذلك… يحاربها المسلم ولو كان فيها مولده وفيها قرابته من النسب وصهره وفيها أمواله ومنافعه»(2). هذا التوجه المعادي للوطن يجد التنظير والتقعيد من قبل يوسف القرضاوي الذي يحضر بكثافة في بلادنا من خلال بؤره المنتشرة إذ يقول: «في حالة التعارض بين الدين والوطن فإن الدين هو المقدم لأن الوطن له بديل والدين لا بديل له»(3). ضمن هذا الإطار العام الذي حدّده قادة الحركة الإسلامية تتحرك بقية التشكيلات المنتمية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ومن بينها حركة النهضة لدينا حيث يقدّم الانتماء للأمة والجماعة على الانتماء للوطن وهو ما نلمسه في السياسات التي انتهجها هذا التنظيم وبانت بالخصوص بعد استفراد النهضة بالحكم منذ سنة 2011 ومن بين أهمها التضحية باستقلالية القرار الوطني وسيادته والتضحية بأرواح التونسيين في وقت انتشر الوباء انتشار النار في الهشيم. كل ذلك في سبيل الحصول على التعويضات، وكتابات الغنوشي شاهدة على أنه يؤمن بالأمة وبالجماعة فقط وعلى أن لا علاقة له بالوطن وبيان ذلك في ما كتب بخط يده:

1) الحركة الإسلامية في تونس نبت غريب لم تنشأ في البيئة التونسية ولم يكن للزيتونة عليها أي تأثير بل نشأت في صدام معها. يقول الغنوشي: «ولذلك لم تكن الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس من ثمار جامع الزيتونة بل لم يكن للجامع دور يذكر في نشأتها. كانت الحركة الإسلامية إلى حد كبير انعكاسا لأثر الفكر الإصلاحي في المشرق… وأوّل ما قرأت لابن عاشور كان في الثمانينات ولم أكن قد قرأت كتابا إسلاميا تونسيا واحدا…. بل كل الذي قرأته من قبل كتابات مشرقية هي التي فتحت لي الطريق إلى الإسلام ولكنها أوقعتني في قطيعة مع تراث الإسلام المحلي… واصطدمنا في المجتمع التقليدي بمشايخ جامع الزيتونة…. أنا لم يكن عندي أي دافع لأن أقرأ «التحرير والتنوير»… كنت أقرأ وأكاد أحفظ عن ظهر قلب «الظلال»(4) وهو ما جعل هذه الحركة تتعامل مع التونسيين من موقع الغريب. فهي مجتمع منغلق على نفسه في أفراحه وأتراحه ولباسه وقراءاته… يختلف عن التونسيين في كل شيء ولهذا السبب بالذات لم تستطع الى حدّ الآن أن تكوّن لها علاقات بالنخبة وبقي تأثيرها منحصرا في المنتمين إليها. فهي تعيش غربة تؤكد أنها نبت لا ولن يثمر في الأرض التونسية».

2) تقوم الدولة الحديثة على أساس المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الدين أو اللغة أو الجنس أو غيرها من المحدّدات الأخرى. أما الدولة التي يدعو إليها الغنوشي فهي الدولة العقائدية التي يحدّد واجباتها في: «بذل أقصى الجهد لإزالة الحواجز بين المسلم وأخيه المسلم وأن تجتهد في أن تكون ملجأ وعونا للمظلومين من كل ملة وورشة عمل وجهاد وثورة شاملة مفتوحة للكفاءات الإسلامية حيث ما كانت…. ولا مانع عندنا إطلاقا بل نرى مهما جدا بالنسبة إلى دولة إسلامية أن تستعين في إدارة أجهزة الحكم ولو في أعلى سلم التوظيف بالكفاءات الإسلامية… في اللجان المختصة لمجلس الشورى أو في هيئة العلماء للرقابة على القوانين وما إلى ذلك دون تقيد بالجنسية»(5) فهي دولة المجاهدين الذين يتم إعدادهم لنشر إسلام الحركة وليست دولة ملتزمة بالقوانين الدولية وأسس العيش المشترك. ومواصلة في نفس الاتجاه، لا ينظر الغنوشي بعين الرضا إلى النظام الإسلامي الإيراني لأنه يعلي من القومية الفارسية ممثلة في المذهب الجعفري الإثنى عشري وولاية الفقيه ويشترطهما في الوظائف العليا للدولة. يقول: «ونحسب أن في الدستور الإيراني بهذا الصدد تشدّدا في التأكيد على إيرانية الدولة….. نأمل أن يشهد تليّنا بل نذهب إلى أبعد من ذلك إلى أهمية تمكين عدد من رجال الفكر والسياسة البارزين في خدمة الإسلام من حق العضوية كاملة ـ ولو بقدر محدود ـ كسرا لحواجز الجنسية وتبشيرا بدولة الإسلام العالمية»(6). والمستفاد مما ذكر أن من يشرّع ويبرّر للتفريط في السيادة الوطنية بتسليم قيادتها لغير أهلها لن يتورّع عن نهب الدولة التي لا تطبق الشريعة تحت أي ستار كان كالتعويضات أو غيرها طالما اعتبر أن في ذلك دعما للدولة العقائدية المفتوحة للمجاهدين من كل أصقاع الدنيا.

3) لا يعترف الغنوشي بالذاتية والشخصية التونسية التي صاغها التاريخ والعيش المشترك بين أبنائها إذ يرى في دولته العقائدية: «مجتمعا مفتوحا لكل العقائد والأجناس يتمتع فيه الجميع بحقوق المواطنة إما بعقد الإسلام أو بعقد الذمة أي المواطنة أو الجنسية»(7) وهو ما يعني أن سكان ما يسمى الجمهورية التونسية صنفان مسلمون وهم أتباع نحلته والبقية أهل ذمة مستأمنون بعد دفع الجزية مقابل التنازل عن حقوقهم في الدفاع عن وطنهم كتوانسة.

ضمن هذه الرؤية التي تلغي مفهوم الدولة العادلة وتنتقل بها إلى دولة المؤمنين تتنزل المطالبة بالتعويضات التي تقوم لدى حزب النهضة مقام الجزية على الكفرة دفعها للجماعة. كل ما قيل أعلاه لخّصه مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين في قوله «طز في مصر» وإن في التاريخ لعبرة.

الهوامش

1) «بين الدعوة القومية والرابطة الإسلامية: لأبي الأعلى المودودي، دار العربية للطبع والنشر بيروت 1967، ص36.

2) «معالم في الطريق» سيد قطب، دار الشروق مصر 1980، ط8 ص151 و157.

3) «الوطن والمواطنة في ضوء الأصول العقدية والمقاصد الشرعية» يوسف القرضاوي، دار الشروق مصر، ص34.

4) «من تجربة الحركة الإسلامية في تونس» راشد الغنوشي، دار المجتهد للنشر والتوزيع، طبعة تونس الأولى 2011، ص41 و 43 و44 و229.

5) «الحريات العامة في الدولة الإسلامية» راشد الغنوشي، مركز دراسات الوحدة العربية، ص137، هذه الفقرة نجدها في الطبعة التونسية لسنة 2011 في الصفحة155.

6) المصدر السابق ص137. 7) «حقوق المواطنة وضعية غير المسلم في المجتمع الإسلامي» راشد الغنوشي، مطبعة تونس قرطاج تونس 1989، ص27.

المصدر السابق ص69.

صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 13 جويلية 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING