الشارع المغاربي – 8 سنوات بعد 14 جانفي منظمة الأعراف: لاتزال بعيدة عن وظائفها الوطنية بقلم: جمال الدين العويديدي

8 سنوات بعد 14 جانفي منظمة الأعراف: لاتزال بعيدة عن وظائفها الوطنية بقلم: جمال الدين العويديدي

15 يونيو، 2018

الشارع المغاربي: صدر مؤخرا عن دار «أرابسك للنشر»  كتاب تحت عنوان «المنظمة النقابية لأرباب العمل التونسيين : الأطوار و الأدوار»  للأستاذ المولدي قسّومي الباحث في علم الاجتماع  بجامعة تونس والمتحصل على الدكتوراه و التأهيل الجامعي في نفس الاختصاص و قد قام بتقديم الكتاب الدكتور الهادي التيمومي أستاذ مميز في التاريخ بكلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية بتونس.

و قد جاء في مقدمة الكتاب أن من أبرز ما يلفت انتباه قارئ هذا الكتاب هو تأكيد صاحبه على ضرورة فهم واقع الأعراف التونسيين المغاير للواقع الغربيفالمقاول التونسي أو عنصر النخبة تطور في خصوصية تامة و مغايرة تماما لنظيره الأوروبي، فأهم ما ميّزه أنه تكوّن داخل جهاز تنظيمي عوض أن يتكوّن خارجه، فقد نشأ و تطوّر و حقّق مكانته و أدواره من خلال انتمائه إلى منظمة الأعراف و في إطار سياسة الدولة، و بعبارة أخرى، لقد أنشأته دولته، ثم دعّمته و احتضنته منظمته، خلافا للإنسان الاقتصادي الأوروبي الذي بنى دولته و حدد ملامحها الحديثة  و أسس منظمته…”

و انطلاقا من هذه الملاحظة الهامة، القابلة للتنسيب، يمكن القول أن منظمة الأعراف خلافا للمنظمة الشغيلة دأبت على التعايش في محيط مغلق أشبه بالمحيط الماسوني الذي لا يريد أن يكشف عمّا بداخله من تفاعلات و إفرازات. كما أن الخروج عن هذا المبدأ يعتبر خروجا عن المعهود في فضاء أقرب منه للملك الخاص الذي يدور في فلك السلطة من كونه نقابة مهنية تتفاعل بجدلية بناءة لها أهداف وطنية ثابتة و إستراتيجية تنموية تعمل في إطار تحقيق العدالة و السلم الاجتماعية بصفتهما دعامة الرقي و الازدهار لكل ملحمة تنموية مستديمة.

الانغلاق و غياب التداول الديمقراطي و الشفاف على تحمل المسؤوليات أهدر فرص الإصلاح 

     وقد كرس القانون الأساسي للمنظمة هذا المبدأ عبر فصوله الداخلية خاصة السابقة التي لم تحدد مدة التداول على المسؤوليات مركزيا أو وطنيا أو جهويا. حيث منذ بداية الستينات إلى جانفي 2011 لم تعرف المنظمة إلا رئيسين اثنين فقط أسوة بما جرى على المستوى السياسي في البلاد في نفس المدة. كما أن البعض من الجامعات و الغرف الوطنية و كذلك الاتحادات الجهوية و المحلية سارت على نفس المنوال حيث يتداول عليها نفس الأشخاص لعشرات السنين بدون انقطاع. و قد ساعد القانون الأساسي على تكريس هذا المنوال الذي طغى عليه طابع الركود  عبر سن فصول ردعية ضد أي تحرك بنّاء نذكر من بينها الفصل الرابع سابقا الذي خولللمكتب التنفيذي للإتحاد بصفته مسؤول على الحفاظ على الانسجام العام داخل المنظمة و على حماية مبادئها و شرفها و عليه فإن له الحق في اتخاذ ما يراه من إجراءات تحفظية تتمثل في التجميد أو الإيقاف عن النشاط داخل المنظمة أو بإسمها ضد كل تشكيلة أو شخص يرتكب أعمالا منافية لمصلحة الاتحاد العليا أو مصالح و قرارات تشكيلاته. على أن يكون لكل منهما الحق في رفع الأمر إلى لجنة مراقبة النيابات و الاعتراضات للنظر فيها و عرضها على المؤتمر الوطني القادم“. مع العلم أن لجنة المراقبة و الاعتراضات يتم اختيارها من طرف رئيس المنظمة بمعنى  قاض و حكم“. 

كيف يمكن تقييم أداء المنظمة خاصة بعد جانفي 2014 ؟

   لقد تعرضنا إلى الهياكل المنظمة لنشاط اتحاد الصناعة و مصادر تمويلها حتى يتسنى تقييم الأداء بطريقة موضوعية.

هذا النمط التنظيمي و التسييري المستنسخ من طبيعة النظام السياسي حدد طبيعة العلاقة التي كانت و مازالت    لصيقة بالسلطة خاصة منذ 1970 أين بدأ دورها يتطور تطابقا مع سياسة تحرير الاقتصاد و التأكيد على تدعيم دور القطاع الخاص. كما تطورت هذه العلاقة إلى مزيد من التبعية بداية من سنة 1987 و ما تلاها.

لذلك يبدو أنه بقدر ما أن المنظمة تتمتّع بمقدرات مادية هامة غير أنها  تفتقد لمقدرات تنظيمية و بشرية كان من الممكن أن تجعل منها مصدر دراسات إستراتيجية هامة تساهم بها في وضع ملامح الخطة التنموية في البلاد انطلاقا من مبادئ أساسية في علاقة بالسيادة الوطنية وبضرورة الالتزام باستقلال القرار الوطني و في علاقة أيضا بضرورة توفير العدالة الاجتماعية لبناء السلم الاجتماعية.

كما كان من المفروض أن تلعب دورا هاما في تصويب المسار على الأقل في مرحلة ما بعد الثورة أين أصبح هامش التحرك كبيرا و متوفرا. و لكن هذا الهامش التاريخي تم استعماله للحصول على منافع شخصية و ذاتية أي بنفس الطريقة السابقة حيث فسحت المجال للمناورة مع عدة أحزاب و أطراف سياسية داخلية منها و خارجية مثل العلاقة التي تم توطيدها مع الاتحاد الأوروبي بدون أي احتراز و بدون أي تدقيق في مسار اتفاق الشراكة الذي تمّ توقيعه في سنة 1995 و الذي كانت نتائجه وخيمة على النسيج الصناعي الوطني حيث أصبحت البلاد تشكو من تصحر صناعي خطير

في هذا الموضوع بالذات كيف يمكن تفسير صمت المنظمة أمام إفلاس أكثر من 10 آلاف مؤسسة صغرى ومتوسطة أدّت إلى فقدان أكثر من 400 ألف موطن شغل قار من جراء الممارسات المخلة بقواعد المنافسة التي مارستها الشركات الأوروبية منذ تطبيق اتفاق الشراكة مما جعلها تستفرد بأسواقنا الوطنية؟. كيف يمكن تفسير صمت المنظمة و عدم المطالبة بتطبيق القوانين المصادق عليها من طرف المنظمة العالمية للتجارة و المتفق عليها معالشريكالأوروبي مثل القانون عدد 106 لسنة 1998 المتعلق بالتوريد المكثف و القانون عدد 9 لسنة 1999 المتعلق بمقاومة ظاهرة إغراق السوق؟ 

ما جرى أمام هذا الانحلال الذي ألم باقتصادنا الوطني و الذي دفع البلاد إلى حالة إفلاس لا جدال فيها، هو أن  المنظمة انطلقت في الدفاع على لوبيات التوريد و السعي للحصول على علامات التسويق للبضائع المستوردةالفرنشيزبطريقة غير مسؤولة طغت عليها الأنانية
و اللهفة على الربح السهل عوض البناء و التشييد عبر النشاطات المنتجة و المشغلة و المربحة أيضا. كيف يمكن أن تستمر بلد مثل تونس في التوريد المكثف و الفوضوي و منظمة الأعراف لا تتساءل عن مصدر تمويل هذا التوريد الذي لن يكون إلا عبر مزيد من المديونية التي سترتهن مستقبل أبنائنا و أجيالنا.

كيف يمكن أن نتفهم موقف المنظمة من التسويق لمنوال تنموي أظهر فشله حتى داخل البلدان التي تبنته و التي أصبحت تتخلى عنه بكل جرأة و بخطوات حثيثة. ما يجري اليوم في قمة السبعة بكندا من صراع عنيف و قوي بين الولايات المتحدة و بلدان الاتحاد الأوروبي حول قرار توظيف الرسوم الديوانية من جديد على منتوجات الحديد و الألومينيوم القادمة من أوروبا كان من المفروض أن يكون عنصرا كافيا للدفع نحو مراجعات عميقة و موضوعية لإعادة بناء الاقتصاد الوطني و توفير مواطن الشغل المستديمة لأبنائنا الذين أجبروا للهجرة السرية و للانتحار غرقا و حرقا.     

  ما تقوم به المنظمة من تسويق غير معقول للتفويت في مؤسساتنا الوطنية الإستراتيجية لا يتناسب مع دور منظمة وطنية مسؤولة أمام منخرطيها و أمام الشعب التونسي. كما أن ما تُسوّقه من أجل تطبيق سياسة الشراكة العامة و الخاصة بدون تروّ و بدون القيام بدراسات مقارنة تقييمية لجدوى هذه الشراكة سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الخارجي يعتبر تسرع تمليه اللهفة على الاستيلاء على الملك العام. في هذا الموضوع لماذا لا تقوم المنظمة بدراسة موضوعية لمردود الشراكة العامة و الخاصة لشركةقرطاج باورالتي تحصلت على لزمة منذ بداية الألفين لتوليد الكهرباء و بيعه لمؤسستنا الوطنية بشروط مُجحفة منها التزام الشركة الوطنية بشراء كل المنتوج حتى و إن كان فوق حاجياتها كما أن الشركة الأجنبية تتزود بالغاز الطبيعي بأسعار تفاضلية لا تمنحها شركتنا الوطنية إلا لهذه الشركة بينما يتم  شراء هذا الغاز الذي يُستخرج من أراضينا بالعملة الصعبة و بأسعار السوق العالمية؟ و كذلك الشأن فيما يخص مطار النفيضة الذي تم الاتفاق على كلفة في حدود 450 مليون دينار و ارتفع إلى مليار دينار وهو لليوم غير مستعمل كما يجب. و في هذا الصدد صدر عن دراسات رسمية بريطانية و فرنسية أثبتت أن كل الصفقات الخاصة بالشراكة العامة و الخاصة في كلا البلدين أدت إلى تضاعف كلفة تنفيذ المشاريع لصالح القطاع الخاص و تم الطلب بالتراجع عن هذه التجارب.

فشل المنظمة في الدفاع عن اقتصاد وطني يضمن مصالح كل المنخرطين أدى إلى خروج قطاعات مهنية محورية مثل قطاع النسيج
و الملابس في الصناعة و قطاع أصحاب سيارات الأجرة في الخدمات 

هذا الفشل أدى إلى عزوف كبير في الانخراط بالمنظمة كما أدى وهو الأخطر إلى خروج قطاعات مهنية تعتبر أساسية حيث تكونت جامعة مستقلة لقطاع النسيج و الملابس بعد إعلان انسلاخ مؤسسيها من المنظمة تنديدا بالتصرف الشخصي  كما تكونالاتحاد الوطني لأصحاب التاكسينظرا لتفاقم ظاهرة التضارب في المصالح بين المسؤولين على المنظمة الذين طغت عليهم  النزعة التجارية و التوريد و بين أرباب الصناعة الذين يتشبثون بقطاعاتهم و أصحاب المهن الصغرى الذين لم يعد يقرأ لمصالحهم أي حساب

و السؤال هل سيعمل الرئيس الجديد للمنظمة على إصلاح الوضع أم سيُبقي الأمر على ما هو عليه؟

نقاط استفهام كبرى نختمها بصمت المنظمة على مشروع اتفاق منطقة التبادل الحر الشامل والمعمق وهي تعلم مدى خطورة هذا المشروع على السيادة الوطنية وعلى اقتصاد البلاد. مواقف تحكمها حسابات ضيقة و ذاتية جعلت من المنظمة أقرب منها للأصل التجاري يتداول عليه كل من ترأسها من كونها منظمة وطنية قوية و ذات مقترحات فعالة.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING