الشارع المغاربي – دستور‭ ‬30‭ ‬جوان: ‬ كسوة‭ ‬جاهزة‭ ‬على‭ ‬قياس‭ ‬سيدنا‭ ‬الرئيس/ بقلم علي‭ ‬الجلولي‭ - ‬أستاذ‭ ‬فلسفة‭ ‬وقيادي‭ ‬بحزب‭ ‬العمال

دستور‭ ‬30‭ ‬جوان: ‬ كسوة‭ ‬جاهزة‭ ‬على‭ ‬قياس‭ ‬سيدنا‭ ‬الرئيس/ بقلم علي‭ ‬الجلولي‭ – ‬أستاذ‭ ‬فلسفة‭ ‬وقيادي‭ ‬بحزب‭ ‬العمال

قسم الأخبار

8 يوليو، 2022

الشارع المغاربي: بنشر‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬لمشروع‭ ‬دستوره‭ ‬الجديد‭ ‬مساء‭ ‬30‭ ‬جوان‭ ‬الجاري،‭ ‬دخلت‭ ‬البلاد‭ ‬طورا‭ ‬جديدا‭ ‬من‭ ‬أزمتها‭ ‬السياسية‭ ‬المتواصلة‭ ‬والتي‭ ‬يصر‭ ‬الحكام‭ ‬المتعاقبون‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬تعميقها‭. ‬لقد‭ ‬انبرى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الشعبي‭ ‬والمسيس‭ ‬إلى‭ ‬انتظار‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬علّه‭ ” ‬يحمل‭ ‬الشفاء‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬الشفاء‭”‬‭ ‬لعلات‭ ‬تونس‭ ‬وندوبها‭ ‬العميقة،‭ ‬هكذا‭ ‬استمات‭ ‬بعض‭ ‬أصدقائنا‭ ‬من‭ ‬اللذين‭ ‬ساندوا‭ “‬لحظة‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭”. ‬لكم‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬لفيفا‭ ‬واسعا‭ ‬من‭ “‬أصحاب‭ ‬النية‭ ‬الطيبة‭” ‬استفاقوا‭ ‬على‭ ‬لطمة‭ ‬كبرى،‭ ‬فمشروع‭ ‬الدستور‭ ‬لم‭ ‬يأتي‭ ‬لحلّ‭ ‬المعضلات‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬التي‭ ‬كرسها‭ ‬أو‭ ‬عمقها‭ ‬دستور‭ ‬2014،‭ ‬بل‭ ‬لقد‭ ‬جاء‭ ‬كسوة‭ ‬جاهزة‭ ‬على‭ ‬قياس‭ ‬سيدنا‭ ‬الرئيس،‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬صورته‭ ‬الدعاية‭ ‬الفجة‭ ‬لأنصاره‭ ‬أنه‭ ‬متزهد‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬وفي‭ ‬كرسيها‭ ‬ومغانمها،‭ ‬لكن‭ ‬هاهي‭ ‬الحياة‭ ‬تؤكد‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬وثيقة‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد‭ ‬التي‭ ‬خطها‭ ‬بيده‭ ‬راميا‭ ‬كل‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬طلبها‭ ‬من‭ ‬مسانديه‭ ‬ومؤيديه‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬المهملات،‭ ‬تؤكد‭ ‬بالدليل‭ ‬والبرهان‭ ‬والحجة‭ ‬القطعية‭ ‬أن‭ ‬سيدنا‭ ‬طالب‭ ‬سلطة‭ ‬ومريد‭ ‬كرسي،‭ ‬وأنه‭ ‬خاط‭ ‬وفصّل‭ ‬الدستور‭ ‬بما‭ ‬يجسد‭ ‬ذلك‭ ‬وبما‭ ‬يجعله‭ ‬ينتصب‭ ‬حاكما‭ ‬فرديا‭ ‬لا‭ ‬رادّ‭ ‬لحكمه‭ ‬ولا‭ ‬رقابة‭ ‬عليه‭ ‬ولا‭ ‬مساءلة‭ ‬لأدائه‭ ‬اليوم‭ ‬وغدا‭ ‬وبعد‭ ‬غد‭ ‬وحتى‭ ‬الممات‭.‬

إن‭ ‬مشروع‭ ‬دستور‭ ‬30‭ ‬جوان‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬دستور‭ ‬الحاكم‭ ‬المستبد،‭ ‬دستور‭ ‬صاغه‭ ‬فرد‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭ ‬بلغته‭ ‬المعلومة‭ ‬وأفكاره‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يشاركه‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬صيادي‭ ‬الفرص‭ ‬من‭ ‬الانتهازيين‭ ‬ومسدي‭ ‬الخدمات‭(‬les arrivistes‭) ‬،‭ ‬أفكار‭ ‬عكستها‭ ‬ديباجة‭ ‬مشروعه‭ ‬التي‭ ‬اعتبر‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس‭ ‬بدأ‭ ‬معه،‭ ‬إذ‭ ‬بعد‭ ‬الإرث‭ ‬الدستوري‭ ‬للقرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ “‬الزمام‭ ‬الأحمر‭” ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬قفز‭ ‬إلى‭ “‬الصعود‭ ‬الشاهق‭” (‬لفظ‭ ‬كان‭ ‬موسليني‭ ‬يستعمله‭ ‬كثيرا؟؟؟‭) ‬ل17‭ ‬ديسمبر‭ ‬2010‭ ‬ثم‭ ‬وبسرعة‭ ‬قياسية‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬جويلية2021‭ ‬التي‭ ‬اعتبرها‭ ‬ليست‭ ‬لحظة‭ ‬تصحيح‭ ‬مسار‭ ‬الثورة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لحظة‭ ‬تصحيح‭ ‬التاريخ‭ ‬والدخول‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة،‭ ‬فهل‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬سعيد‭ ‬عاقلا‭ ‬واحدا‭ ‬في‭ ‬برّ‭ ‬تونس‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يوافقه‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭. ‬لقد‭ ‬فسخ‭ ‬بجرة‭ ‬قلم‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس‭ ‬المعاصر‭ ‬ونضال‭ ‬شعبها‭ ‬أثناء‭ ‬حركة‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬ثم‭ ‬النضال‭ ‬ضد‭ ‬الاستبداد‭ ‬والدكتاتورية‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬14‭ ‬جانفي‭ ‬كلحظة‭ ‬انتصار‭ ‬على‭ ‬الدكتاتورية‭. ‬إن‭ ‬سعيد‭ ‬المهووس‭ ‬بالفردانية‭ ‬والزعامتية‭ ‬يعيد‭ ‬صياغة‭ ‬تاريخ‭ ‬البلاد‭ ‬بشكل‭ ‬تآمري‭ ‬لإلغاء‭ ‬نضالات‭ ‬الشعب‭ ‬وقواه‭ ‬التقدمية،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬سعيد‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الرأي‭ ‬والنضال‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭ ‬لكان‭ ‬تفصيل‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬مقاسه‭ ‬أفظع‭ .‬

دستور‭ ‬استبدادي‭ ‬وظلامي

ولما‭ ‬كان‭ ‬سعيد‭ ‬يمينيا‭ ‬ومحافظا‭ ‬بل‭ ‬وموغلا‭ ‬في‭ ‬الرجعية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكدته‭ ‬مواقفه‭ ‬وخطبه‭ ‬قبل‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬قصر‭ ‬قرطاج‭ ‬وبعده،‭ ‬فقد‭ ‬أكد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬رفضه‭ ‬وعدم‭ ‬احتكامه‭ ‬إلى‭ ‬المبادئ‭ ‬والقيم‭ ‬الكونية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬بل‭ ‬وعدائه‭ ‬للدولة‭ ‬المدنية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رمي‭ ‬لغم‭ ‬في‭ ‬مشروعه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬الذي‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬كون‭ ‬تونس‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ (‬وليس‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬باعتبارها‭ ‬الكيان‭ ‬القومي‭ ‬الذي‭ ‬تعتبر‭ ‬تونس‭ ‬جزء‭ ‬منه‭)‬،‭ ‬وأن‭ ‬الدولة‭ ‬مطالبة‭ ‬باحتكار‭ ‬تطبيق‭ ‬مقاصد‭ ‬الإسلام،‭ ‬نقول‭ ‬لغم‭ ‬لأن‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬هو‭ ‬فصل‭ ‬ذي‭ ‬صبغة‭ ‬عامة‭ (‬article générique‭ ) ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬الأول‭ (‬باب‭ ‬الأحكام‭ ‬العامة‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬سيجد‭ ‬صداه‭ ‬وحضوره‭ ‬ومرجعيته‭ ‬في‭ ‬تأويل‭ ‬نصوص‭ ‬الدستور،‭ ‬وأيضا‭ ‬وأساسا‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬الترسانة‭ ‬القانونية‭ ‬سواء‭ ‬المعتمدة‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬ستسن‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬سيفتح‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬والمجتمع‭ ‬باب‭ ‬جهنم،‭ ‬والإسلام‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الفصل‭ ‬ليس‭ ‬مقصودا‭ ‬به‭ ‬العقيدة‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬الشريعة،‭ ‬ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬مقاصد‭ ‬الشريعة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الفقهية‭ ‬هي‭ ‬مسألة‭ ‬فضفاضة‭ ‬تتنوع‭ ‬فيها‭ ‬الأحكام‭ ‬وتتناقض،‭ ‬والقراءة‭ ‬المقاصدية‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬محكومة‭ ‬بنفس‭ ‬قانون‭ ‬التعدد‭ ‬والتناقض،‭ ‬فمقاصدية‭ ‬الطاهر‭ ‬الحداد‭ ‬ومحمد‭ ‬الطالبي‭ ‬ويوسف‭ ‬الصديق‭ ‬هي‭ ‬غير‭ ‬مقاصدية‭ ‬القرضاوي‭ ‬وابن‭ ‬تيمية‭ ‬وابن‭ ‬قيم‭ ‬الجوزية‭ ‬وابن‭ ‬حنبل‭ ‬التي‭ ‬تنهل‭ ‬منها‭ ‬اليوم‭ ‬التيارات‭ ‬الأكثر‭ ‬ظلامية‭ ‬وفضاعة‭ ‬مثل‭ ‬الوهابية‭ ‬ومجمل‭ ‬الحركات‭ ‬الاخوانية‭. ‬لقد‭ ‬رمى‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬لغما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬تدمير‭ ‬تونس‭ ‬ذات‭ ‬التقاليد‭ ‬العقلانية‭ ‬والتنويرية،‭ ‬فهل‭ ‬كتب‭ ‬علينا‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬القهقرى‭ ‬ونناقش‭ ‬أي‭ ‬مقاصدية‭ ‬ستطبقها‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة؟‭ ‬هل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نجادل‭ ‬وأن‭ ‬نختار‭ ‬بين‭ ‬مقاصدية‭ ‬طالبان‭ ‬أم‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬بين‭ ‬المقاصدية‭ ‬التقليدية‭ ‬للملك‭ ‬سلمان‭ ‬أم‭ ‬المقاصدية‭ ‬العصرانية‭ ‬لابنه‭ ‬الأمير‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬والرئيس‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬والشيخ‭ ‬تميم‭ ‬بن‭ ‬خليفة‭ ‬كنماذج‭ ‬ل‭ “‬الشريعة‭ ‬لايت‭ ” ‬التي‭ ‬صاغتها‭ ‬مخابر‭ ‬القرار‭ ‬الامريكو‭-‬صهيوني‭ ‬ضمن‭ ‬مقارنة‭ “‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭” ‬والتي‭ ‬قدمت‭ ‬راشد‭ ‬الغنوشي‭ ‬رمزا‭ ‬للاعتدال‭ ‬والحداثة‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬لم‭ ‬يتجرأ‭ ‬حتى‭ ‬غلاة‭ ‬النهضة‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬التأسيسي‭ ‬على‭ ‬التمسك‭ ‬به‭ ‬لا‭ ‬اقتناعا‭ ‬بل‭ ‬انهزاما‭ ‬أم‭ ‬التحركات‭ ‬الشعبية‭ ‬الكبرى‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬النساء‭ ‬ضد‭ ‬مشروع‭ ‬دستور‭ ‬1‭ ‬جوان‭ ‬2013‭ ‬لحركة‭ ‬النهضة‭ ‬الظلامية‭. ‬لقد‭ ‬فرض‭ ‬الحراك‭ ‬المدني‭ ‬التقدمي‭ ‬على‭ ‬النهضة‭ ‬رغم‭ ‬أغلبيتها‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬التأسيسي‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬بالفصل‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬يقر‭ ‬بمدنية‭ ‬الدولة‭ ‬وسيادة‭ ‬الشعب‭ ‬كمصدر‭ ‬للشرعية‭ ‬وفرض‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬التحوير‭. ‬إن‭ ‬دستور‭ ‬سعيد‭ ‬يحمل‭ ‬انتكاسة‭ ‬كبرى‭ ‬ويحمل‭ ‬بذور‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬وعودة‭ ‬للنضال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬إلى‭ ‬مربعاته‭ ‬الأولى‭ ‬رفضا‭ ‬للدولة‭ ‬الدينية‭ ‬وانتصارا‭ ‬لدولة‭ ‬القانون‭ ‬والحريات‭ ‬التي‭ ‬ناضلت‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬الأجيال‭ ‬في‭ ‬تونس‭. ‬إن‭ ‬دستور‭ ‬سعيد‭ ‬هو‭ ‬تأسيس‭ ‬لدولة‭ ‬الاستبداد‭ ‬الديني‭ ‬وليس‭ ‬الاستبداد‭ ‬المدني‭ ‬أو‭ ‬الاستبداد‭ ‬المستنير‭ ‬الذي‭ ‬يطالب‭ ‬به‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬المنهزمة‭ ‬أمام‭ ‬فشل‭ ‬تجربة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬الفساد‭. ‬إن‭ ‬قناعتنا‭ ‬عميقة‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬لوحده‭ ‬أن‭ ‬دستور‭ ‬30‭ ‬جوان‭ ‬2022‭ ‬هو‭ ‬استعادة‭ ‬وإحياء‭ ‬لدستور‭ ‬1‭ ‬جوان‭ ‬2013‭ ‬الظلامي‭. ‬وهذا‭ ‬يعزز‭ ‬قناعتنا‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬سعيد‭ ‬وحركة‭ ‬النهضة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬صراع‭ ‬خيارات‭ ‬وبرامج‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬صراع‭ ‬كراسي‭ ‬ومواقع‭ ‬لا‭ ‬غير‭.‬

وهل‭ ‬يمكن‭ ‬لعاقل‭ ‬أن‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬دستور‭ ‬لا‭ ‬ينصص‭ ‬على‭ ‬الانتخاب‭ ‬العام‭ ‬المباشر‭ ‬والسري‭ ‬لمجلس‭ ‬النواب‭ ‬ومجلس‭ ‬الجهات‭ ‬والأقاليم؟‭ ‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬مخاتلة،‭ ‬لكنها‭ ‬مخاتلة‭ ‬معلومة‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬لاعتماد‭ ‬الانتخاب‭ ‬غير‭ ‬المباشر‭ ‬وتكريس‭ ‬الفكرة‭ ‬الفوضوية‭ ‬الشعبوية‭ ‬المدمرة‭ ‬المسماة‭ “‬البناء‭ ‬القاعدي‭” ‬التي‭ ‬تستعيد‭ ‬كل‭ ‬علاقات‭ ‬الزبونية‭ ‬والولاء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والقبلي‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬إنتاج‭ ‬هياكل‭ ‬السلطة‭/‬الوظيفة‭ ‬التشريعية‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬القرعة؟‭ ‬ألهذه‭ ‬الدرجة‭ ‬وصلت‭ ‬السذاجة‭ ‬بالبعض‭ ‬كي‭ ‬ينتصب‭ ‬مدافعا‭ ‬عن‭ ‬أفكار‭ ‬موغلة‭ ‬في‭ ‬الطوباوية؟‭ ‬الخوف‭ ‬كل‭ ‬الخوف‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التفطن‭ ‬لهذه‭ ‬السذاجة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ “‬فاتنا‭ ‬القطار‭” ‬و‭”‬كل‭ ‬يد‭ ‬شدت‭ ‬أختها‭” ‬ليخسر‭ ‬علينا‭ “‬أصدقائنا‭” ‬وقتها‭ “‬غلطتونا،‭ ‬نعم‭ ‬غلطونا‭” ‬وتكون‭ ‬البلاد‭ ‬والشعب‭ ‬قد‭ ‬خسرا‭ ‬وقتا‭ ‬آخر‭ ‬وراء‭ ‬دروشة‭ ‬وجنون‭ ‬ومغامرة‭ ‬اعتقد‭ ‬العديد‭ ‬منا‭ ‬أننا‭ ‬بمنأى‭ ‬عنها‭.‬

تناقض‭ ‬شعبوية‭ ‬سعيد وظلامية‭ ‬النهضة‭ ‬وهمي

إن‭ ‬الدليل‭ ‬الفاقع‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬الجوهر‭ ‬بين‭ ‬سعيد‭ ‬وحركة‭ ‬النهضة‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬القناعات‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تنهل‭ ‬من‭ ‬الإرث‭ ‬الرجعي‭ ‬والظلامي‭ ‬السني‭ ‬والشيعي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وحدة‭ ‬الخيارات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والارتباطات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬فكلاهما‭ ‬رغم‭ ‬شعاراته‭ ‬الدعائية،‭ ‬يكرس‭ ‬نفس‭ ‬الخيارات‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التبعية‭ ‬والخضوع‭ ‬لدوائر‭ ‬القرار‭ ‬المالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬العالمي،‭ ‬وهاهي‭ ‬حكومة‭ ‬سيادته‭ ‬تشرع‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولة‭ ‬خاضعة‭ ‬وقابلة‭ ‬بكل‭ ‬الاملاءات‭ ‬والوصفات‭ ‬من‭ ‬مراجعة‭ ‬لكتلة‭ ‬الأجور‭ ‬وتجميد‭ ‬للانتدابات‭ ‬وإلغاء‭ ‬لصندوق‭ ‬الدعم‭ ‬وخوصصة‭ ‬لما‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية،‭ ‬حكومة‭ ‬سعيد‭ (‬و‭ ‬ليست‭ ‬الا‭ ‬حكومة‭ ‬سعيد‭) ‬تفاوض‭ ‬وتخضع‭ ‬وتنصاع‭ ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬حكومة‭ ‬تابعة‭ ‬وغير‭ ‬محتكمة‭ ‬لخيارات‭ ‬وطنية‭ ‬وشعبية،‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬حكومة‭ ‬المشيشي‭ ‬والشاهد‭ ‬والصيد‭ ‬والعريض‭ ‬والجبالي‭ ‬وبن‭ ‬علي‭ ‬وبورقيبة،‭ ‬كلهم‭ ‬يحملون‭ ‬نفس‭ ‬الجوهر‭ ‬الطبقي‭ ‬اللاوطني‭ ‬واللاشعبي‭. ‬وهذا‭ ‬يحيلنا‭ ‬إلى‭ ‬دفاع‭ ‬بعض‭ “‬الرفاق‭” ‬عن‭ ‬سعيد‭ ‬وانخراطهم‭ ‬في‭ ‬مساندته‭ (‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نقول‭ ‬مبايعته‭). ‬فعلى‭ ‬أي‭ ‬أساس‭ ‬تمت‭ ‬صياغة‭ ‬هذا‭ ‬الموقف؟‭ ‬فاليسار‭ ‬عموما‭ ‬وفي‭ ‬مجمل‭ ‬العالم‭ ‬يصوغ‭ ‬مواقفه‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الخيارات‭ ‬الطبقية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬منحازة‭ ‬للفقراء‭ ‬والكادحين‭ ‬أم‭ ‬منحازة‭ ‬للأثرياء‭ ‬واللصوص‭ (‬بلغتنا‭ ‬نحن‭ ‬اليساريين‭)‬؟‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬المنوال‭ ‬المطبق‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬بلادنا؟‭ ‬أو‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬نفس‭ ‬منوال‭ ‬ذات‭ ‬الطبقات‭ ‬التي‭ ‬تنهب‭ ‬وتسيطر‭ ‬وتحكم‭ ‬تونس‭ ‬فعليا؟‭ ‬هل‭ ‬انزاح‭ ‬الكمبرادور‭ ‬والوكلاء‭ ‬ومافيات‭ ‬الريع‭ ‬والتهرب‭ ‬والتهريب‭ ‬والاستغلال‭ ‬والفساد‭ ‬أم‭ ‬مازالوا‭ ‬يحكمون‭ ‬قبضتهم‭ ‬؟

قد‭ ‬يجادلنا‭ ‬البعض‭ ‬بما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬16‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬ثروات‭ ‬البلاد‭ ‬ملك‭ ‬للشعب‭ ‬والدولة‭ ‬توزع‭ ‬عائداتها‭ ‬بالعدل‭ ‬وأن‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬على‭ ‬مجلسي‭ ‬النواب‭ ‬والجهات‭ ‬والأقاليم‭. ‬أولا‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬وبهذه‭ ‬الصياغة‭ ‬تقريبا‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬دساتير‭ ‬الدول‭ ‬الليبرالية‭ ‬المتوحشة،‭ ‬ثانيا‭ ‬المشكل‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬إقرار‭ ‬ملكية‭ ‬الشعب‭ ‬لمقدراته،‭ ‬المشكل‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬وأجهزتها‭ ‬التي‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬أجهزة‭ ‬طبقية‭ ‬تكرس‭ ‬الخيارات‭ ‬السائدة،‭ ‬ألم‭ ‬يتحول‭ ‬البرلمان‭ ‬منذ‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬مكتب‭ ‬ضبط‭ ‬لتمرير‭ ‬كل‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬المهينة‭ ‬لتونس‭ ‬وشعبها‭ ‬وشعارات‭ ‬ثورتها؟‭ ‬ألا‭ ‬يتحول‭ ‬الرائد‭ ‬الرسمي‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬أعداده‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬نشرة‭ ‬لسن‭ ‬أو‭ ‬تجديد‭ ‬وتمديد‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تحكم‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬وهي‭ ‬قوانين‭ ‬مذيلة‭ ‬بإمضاء‭ ‬سيادته‭ ‬رغم‭ ‬خطاباته‭ ‬الشعبوية‭.‬

ان‭ ‬بلادنا‭ ‬فرض‭ ‬عليها‭ ‬اليوم‭ ‬دخول‭ ‬طور‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الازمة‭ ‬العامة‭ ‬والعميقة‭ ‬والشاملة،‭ ‬وان‭ ‬عودة‭ ‬الوعي‭ ‬والتقاط‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬لتفويت‭ ‬الفرصة‭ ‬عن‭ ‬مزيد‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬المجهول،‭ ‬تظل‭ ‬ممكنة‭ ‬بل‭ ‬وضرورية،‭ ‬إن‭ ‬نساء‭ ‬تونس‭ ‬وسبابها‭ ‬ومثقفيها‭ ‬ومبدعيها،‭ ‬سياسييها‭ ‬التقدميين‭ ‬ونقابييها‭ ‬ومجمل‭ ‬نشطائها‭ ‬قادرات‭ ‬وقادرون‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬السحر‭ ‬على‭ ‬الساحر‭. ‬ان‭ ‬قدر‭ ‬تونس‭ ‬ليس‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬الشعبوي‭ ‬ولا‭ ‬24‭ ‬منه‭ ‬الظلامي‭ ‬ولا‭ ‬13‭ ‬جانفي‭ ‬الدكتاتوري،‭ ‬إن‭ ‬تونس‭ ‬ديمقراطية‭ ‬تقدمية‭ ‬عادلة‭ ‬وحرة‭ ‬ومستقلة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ضرورية‭ ‬اليوم،‭ ‬وهذا‭ ‬الحد‭ ‬الجامع‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أساسا‭ ‬لقطب‭ ‬وطني‭ ‬شعبي‭ ‬ديمقراطي‭ ‬يناقض‭ ‬الشعبوية‭ ‬والظلامية‭ ‬والدساترة‭ ‬سليلي‭ ‬الدكتاتورية،‭ ‬غير‭ ‬هذا‭ ‬سيضيع‭ ‬وقت‭ ‬ثمين‭ ‬وثمين‭ ‬جدا‭.‬

*نُشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 5 جويلية 2022.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING