الشارع المغاربي – الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ :‬بين‭ ‬رؤى‭ ‬سعيد‭ ‬الانتظارية‭ ‬وخطر‭ ‬الوضع‭ ‬الآني

الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ :‬بين‭ ‬رؤى‭ ‬سعيد‭ ‬الانتظارية‭ ‬وخطر‭ ‬الوضع‭ ‬الآني

قسم الأخبار

1 أبريل، 2022

الشارع المغاربي-كريمة‭ ‬السعداوي: تحدث‭ ‬كثيرا‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬حملته‭ “‬التفسيرية‭” ‬عن‭ ‬مشروعه‭ ‬لإعادة‭ ‬تغيير‭ ‬ملامح‭ ‬عيش‭ ‬التونسيين،‭ ‬بل‭ ‬ووصل‭ ‬به‭ ‬الامر‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬طرح‭ ‬حلول‭ ‬كونية‭ ‬لمشاكل‭ ‬الانسانية،‭ ‬وفقا‭ ‬لتصوره،‭ ‬وذلك‭ ‬لدى‭ ‬حضوره‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬اللقاءات‭ ‬الدولية‭ ‬بدعم‭ ‬خاص‭ ‬من‭ “‬مفكر‭” ‬الحملة،‭ ‬رضا‭ ‬لينين،‭ ‬وانخراط‭ ‬مذهبي‭ ‬الطابع،‭ ‬لاتباع‭ ‬سموا‭ ‬أنفسهم‭ “‬نواة‭ ‬المشروع‭”.‬

مر‭ ‬سعيد‭ ‬بعد‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬تدريجيا‭ ‬لتجسيم‭ ‬تصوراته‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ووقّع‭ ‬مؤخرا‭ ‬ثلاثة‭ ‬مراسيم‭ ‬غريبة‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬احكامها‭ ‬وصياغتها‭ ‬مقارنة‭ ‬بسائر‭ ‬القوانين‭ ‬النافذة‭ ‬وتعلقت‭ ‬بالصلح‭ ‬الجزائي‭ ‬والشركات‭ ‬الأهلية‭ ‬ومقاومة‭ ‬المضاربة‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭. ‬وللوهلة‭ ‬الاولى‭ ‬اثارت‭ ‬تسميات‭ ‬المراسيم‭ ‬الاستغراب‭ ‬لاستخدام‭ ‬مصطلح‭ “‬الاهلية‭” ‬مثلا‭ ‬وهو‭ ‬مصطلح‭ ‬رسخه‭ ‬الاستعمار‭ ‬زمن‭ ‬الحماية‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬تونس‭ ‬الاصليين‭ ‬Les indigènes،‭ ‬كما‭ ‬اثار‭ ‬اضافة‭ ‬مصطلح‭ “‬غير‭ ‬المشروعة‭” ‬بدوره‭ ‬الانتباه‭ ‬للفظة‭ “‬المضاربة‭” ‬باعتبار‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬مضاربة‭ ‬مشروعة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المضاربة‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية،لان‭ ‬كل‭ ‬مضاربة‭ ‬هي‭ ‬قانونا‭ ‬وعرفا‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭ ‬لارتباطها‭ ‬منهجيا‭ ‬وبشكل‭ ‬مباشربالتحيل‭ ‬والاحتكار‭ ‬بمختلف‭ ‬اصنافه‭.‬

وبالتدقيق‭ ‬في‭ ‬بنود‭ ‬المراسيم‭ ‬التي‭ ‬اتسمت‭ ‬بضبابيتها‭ ‬وبإنجازها‭ ‬بشكل‭ ‬احادي‭ ‬ودون‭ ‬تشاور‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬الخبراء‭ ‬المحاسبين‭ ‬وهم‭ ‬المعنيون‭ ‬الاساسيون‭ ‬بإجراء‭ ‬الاختبارات‭ ‬العدلية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تنفيذها،‭ ‬يتضح‭ ‬بجلاء‭ ‬انه‭ ‬جرى‭ ‬اصدار‭ ‬هذه‭ ‬المراسيم‭ ‬في‭ ‬صيغة‭ ‬تجعل‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬تطبيقها‭ ‬صعبا‭ ‬للغاية‭ ‬ان‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستحيلا‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭ ‬لتكون‭ ‬مراسيم‭ ‬ولدت‭ ‬ميتة‭.‬

ومن‭ ‬الغريب‭ ‬ان‭ ‬المراسيم‭ ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬كلها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬قوانين‭ ‬سابقة‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬حيثيات‭ ‬كل‭ ‬القوانين‭ ‬والمراسيم‭ ‬بكل‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬تذكر‭ ‬بالضرورة‭ ‬في‭ ‬توطئتها‭ ‬بمرجعيات‭ ‬النصوص‭ ‬القانونية‭ ‬السابقة‭ ‬والسارية‭. ‬كما‭ ‬ان‭ ‬التعقيد‭ ‬الشديد‭ ‬الذي‭ ‬صبغ‭ ‬نصوصها‭ ‬ولبسها‭ ‬يفتحان‭ ‬باب‭ ‬التجاوزات‭ ‬والتقديرات‭ ‬الخاطئة‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬فان‭ ‬هذه‭ ‬المراسيم‭ ‬تصبح‭ ‬قوانين‭ ‬دولة‭ ‬رغم‭ ‬شرعيتها‭ ‬المنقوصة‭ ‬وفاعليتها‭ ‬المنعدمة‭ ‬بحكم‭ ‬انها‭ ‬نتاج‭ ‬فعل‭ ‬منفرد‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬صياغتها‭- ‬مثلما‭ ‬يفعل‭ ‬دائما‭ ‬حكام‭ ‬تونس‭ – ‬توظيف‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬وحكومتها‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬نقاش‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬التشاركية‭ ‬اللازمة‭ ‬مع‭ ‬الاطراف‭ ‬الفاعلة‭ ‬والمعنية‭ ‬بها‭.‬

في‭ ‬جانب‭ ‬اخر،‭ ‬يعتبر‭ ‬سلم‭ ‬العقوبات‭ ‬الوارد‭ ‬في‭ ‬مرسوم‭ ‬المضاربة‭ ‬غير‭ ‬مناسب‭ ‬اطلاقا‭ ‬للأفعال‭ ‬التي‭ ‬يؤاخذ‭ ‬عليها‭ ‬مقترفها‭ ‬اذ‭ ‬انه‭ “‬يُعاقَب‭ ‬بالسّجن‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬روّج‭ ‬عمداً‭ ‬أخباراً‭ ‬أو‭ ‬معلومات‭ ‬كاذبة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬صحيحة‭ ‬لدفع‭ ‬المستهلك‭ ‬للعزوف‭ ‬عن‭ ‬الشراء‭ ‬أو‭ ‬قصد‭ ‬إحداث‭ ‬اضطراب‭ ‬في‭ ‬تزويد‭ ‬السوق‭ ‬والترفيع‭ ‬في‭ ‬الأسعار‭ ‬بطـريقة‭ ‬مباغتة‭ ‬وغير‭ ‬مبرّرة‭” ‬و‭”‬يكون‭ ‬العقاب‭ ‬بالسجن‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬وبخطية‭ ‬مالية‭ ‬قدرها‭ ‬مائتي‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المضاربة‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭ ‬تتعلق‭ ‬بمواد‭ ‬مدعّمة‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬بالأدوية‭ ‬وبسائر‭ ‬المواد‭ ‬الصيدلية‭”‬،‭ ‬كما‭ ‬يكون‭ “‬العقاب‭ ‬بالسجـن‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬وبخطية‭ ‬مالية‭ ‬قدرها‭ ‬خمسمئة‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬إذا‭ ‬ارتكبت‭ ‬الجرائم‭ ‬خلال‭ ‬الحالات‭ ‬الاستثنائية‭ ‬أو‭ ‬ظهور‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬طارئة‭ ‬أو‭ ‬تفشي‭ ‬وباء‭ ‬أو‭ ‬وقوع‭ ‬كارثة،‭ ‬ويعاقب‭ ‬بالسجن‭ ‬بقية‭ ‬العمر‭ ‬وبخطية‭ ‬مالية‭ ‬قدرها‭ ‬خمسمئة‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬إذا‭ ‬ارتكبت‭ ‬الجرائم‭ ‬المذكورة‭ ‬عند‭ ‬مسك‭ ‬المنتجات‭ ‬بنية‭ ‬تهريبها‭ ‬خارج‭ ‬أرض‭ ‬الوطن‭”. ‬وتعتبر‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬الاجحاف‭ ‬التشريعي‭ ‬المطلق‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬تعلق‭ ‬الامر‭ ‬بالقوانين‭ ‬الرادعة‭ ‬لارتكاب‭ ‬المخالفات‭ ‬والجنح‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمالي‭.‬

اما‭ ‬بخصوص‭ ‬مرسومي‭ “‬الشركات‭ ‬الاهلية‭” ‬و‭”‬الصلح‭ ‬الجزائي‭”‬،فهما‭ ‬نموذج‭ ‬صارخ‭ ‬لـ‭ “‬التراتيب‭” ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬بامتياز‭ ‬بالبعد‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬وغير‭ ‬القابلة‭ ‬للتحقيق‭ ‬بحكم‭ ‬انها‭ ‬لا‭ ‬تعتبر‭ ‬اولوية‭ ‬ولا‭ ‬تحل‭ ‬في‭ ‬الظرف‭ ‬الراهن‭ ‬مشاكل‭ ‬التمويل‭ ‬شبه‭ ‬المستحيل‭ ‬علما‭ ‬انه‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬التسليم‭ ‬جدلا‭ ‬بإمكانية‭ ‬نجاح‭ ‬خطة‭ “‬الصلح‭ ‬الجزائي‭” ‬وتأسيس‭ “‬الشركات‭ ‬الاهلية‭”‬،‭ ‬فان‭ ‬ذلك‭ ‬لن‭ ‬يمكن‭ ‬سوى‭ ‬من‭ ‬تعبئة‭ ‬200‭ ‬او‭ ‬300‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬وعلى‭ ‬سنوات‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬حتى‭ ‬لصيانة‭ ‬بعض‭ ‬حافلات‭ ‬شركات‭ ‬النقل‭ ‬الجهوية‭.‬

سعيد‭ ‬ونظرياته‭ ‬الخارجة‭ ‬عن‭ ‬معايير‭ ‬الاقتصاد

تعكس‭ ‬المراسيم‭ ‬الرئاسية‭ “‬الاقتصادية‭” ‬الثلاثة‭ ‬لرئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬نظرة‭ ‬خاصة‭ ‬لإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬للمشاكل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬عبر‭ ‬سن‭ ‬القوانين‭. ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬غير‭ ‬صائبة‭ ‬اذ‭ ‬ان‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬للمشاكل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يتم‭ -‬من‭ ‬ناحية‭ ‬معيارية‭ -‬في‭ ‬إطار‭ ‬المنظومة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬باعتبار‭ ‬ان‭ ‬ديناميكيتها‭ ‬تسبق‭ ‬باستمرار‭ ‬الجانب‭ ‬القانوني‭ ‬وتتجاوزه‭.‬

ولم‭ ‬يراع‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬لدى‭ ‬توقيعه‭ ‬المراسيم‭ ‬الثلاثة‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الطاولة‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬عليها‭ ‬معاهدتا‭ ‬الحماية‭ ‬والاستقلال‭ ‬لإكساء‭ ‬الامر‭ ‬طابعا‭ ‬تاريخيا‭ ‬مفقودا،‭ ‬ان‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬يتخبط‭ ‬في‭ ‬الإفلاس‭ ‬ويحتاج‭ ‬الى‭ ‬حلول‭ ‬راهنة‭ ‬يصوغها‭ ‬العارفون‭ ‬بخباياه‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الهواية‭ ‬والتقلب‭ ‬في‭ ‬أهداف‭ ‬مشوهة‭ ‬بلا‭ ‬رؤية‭ ‬ولا‭ ‬إرادة‭ ‬ولا‭ ‬إدارة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬معه‭ ‬السلط‭ ‬القائمة‭ ‬من‭ ‬غايات‭ ‬الا‭ ‬الارتماء‭ ‬مجددا‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬لعلها‭ ‬تظفر‭ ‬بقرض‭ ‬باهظ‭ ‬الكلفة‭ ‬ومشروط‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬لسد‭ ‬الحاجات‭ ‬المالية‭ ‬المتعاظمة‭ ‬وتتنازل‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬تونس‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬عن‭ ‬استقلالية‭ ‬قرارها‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬خياراتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتستجدي‭ ‬به‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬لإغاثة‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭.‬

نسي‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬كذلك‭ ‬ان‭ ‬الحصيلة‭ ‬السلبية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬نتيجة‭ ‬متوقعة‭ ‬لسياسات‭ ‬اقتصادية‭ ‬هشة‭ ‬تفتقد‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طوال‭ ‬لخطط‭ ‬تنموية‭ ‬مضبوطة‭ ‬ولرؤى‭ ‬استراتيجية‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتكرر‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬منظومة‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬بشكل‭ ‬صارخ‭ ‬ومستفز‭. ‬لقد‭ ‬انخرطت‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬العولمة‭ ‬واقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬دون‭ ‬أية‭ ‬امكانات‭ ‬بما‭ ‬مثل‭ ‬تخليا‭ ‬عن‭ ‬استراتيجيات‭ ‬التنمية‭ ‬لعقدي‭ ‬الستينات‭ ‬والسبعينات‭ ‬والمرتكزة‭ ‬على‭ ‬استرداد‭ ‬السيادة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بالاعتماد‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬أولى‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬العمومي‭ ‬كمحرك‭ ‬أساسي‭ ‬للتنمية‭ ‬المستندة‭ ‬لبعث‭ ‬أقطاب‭ ‬صناعية‭ ‬كبرى‭ ‬موزعة‭ ‬على‭ ‬الجهات‭ ‬مع‭ ‬السعي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ثانية‭ ‬لتشجيع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬التنموية‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬بهدف‭ ‬التوصل‭ ‬لبناء‭ ‬اقتصاد‭ ‬وطني‭ ‬إنتاجي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬بالصناعة‭ ‬والفلاحة‭ ‬والخدمات‭.‬

وبعد‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬اثر‭ ‬إنهاك‭ ‬نظام‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬بالكامل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمجتمع،‭ ‬توطدت‭ ‬سياسات‭ ‬الهواية‭ ‬والفشل‭ ‬والفساد‭ ‬لتتعكر‭ ‬اوضاع‭ ‬البلاد‭ ‬الى‭ ‬اقصى‭ ‬الحدود‭ ‬بوجود‭ ‬هذا‭ ‬المزيج‭ ‬المتفجر‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬ينخر‭ ‬البلاد‭ ‬الى‭ ‬اليوم،‭ ‬بل‭ ‬انه‭ ‬تعمق‭ ‬وذلك‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬الركض‭ ‬للاستجابة‭ ‬لإملاءات‭ ‬دوائر‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الرامية‭ ‬الى‭ ‬إخضاع‭ ‬تونس‭ ‬مجددا‭ ‬للبرامج‭ ‬المالية‭ ‬والقروض‭ ‬المشروطة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ارساء‭ ‬تدابير‭ ‬تقشفية‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬مصاريف‭ ‬التنمية‭ ‬وتوجيه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬الخيارات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التونسية‭.‬

ورغم‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يسارع‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬الخطى‭ ‬ويستعجل‭ ‬الزمن‭ ‬لاختصار‭ ‬المراحل‭ ‬لتكريس‭ ‬مشروعه‭ ‬السياسي‭ ‬مع‭ ‬فشل‭ ‬الاستشارة‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬وقبيل‭ ‬اشهر‭ ‬معدودة‭ ‬من‭ ‬الاستفتاء‭ ‬والانتخابات‭ ‬التي‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬إجرائهما‭.‬

ولكن‭ ‬الوقت‭ ‬يداهم‭ ‬مشروع‭ ‬سعيّد‭ ‬المتعثر،‭ ‬مع‭ ‬الضغوطات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية،‭ ‬وتتكاثر‭ ‬على‭ ‬حكومته‭ ‬المطالب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الحارقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتظر،‭ ‬بينما‭ ‬خزائن‭ ‬الدولة‭ ‬فارغة،‭ ‬والمانحون‭ ‬يرفضون‭ ‬مد‭ ‬يد‭ ‬المساعدة‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬الاستجابة‭ ‬لمطالبهم‭ ‬وهي‭ ‬سياسية‭ ‬بامتياز،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يتحدّى‭ ‬الرئيس‭ ‬سعيّد‭ ‬الجميع،‭ ‬ويطلب‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تسييره‭ ‬شؤون‭ ‬الحكم،‭ ‬ولا‭ ‬يولي‭ ‬التقارير‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬والتصنيفات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أي‭ ‬اهتمام،‭ ‬بل‭ ‬انه‭ ‬سخر‭ ‬منها‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭.‬

ولكن‭ ‬سعيد‭ ‬يدرك‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬قريباً‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬حقيقة‭ ‬اقتصادية‭ ‬مرة،‭ ‬وسيصطدم‭ ‬بأفواه‭ ‬مفتوحة‭ ‬ملت‭ ‬الوعود‭ ‬والسياسة‭ ‬والخطب‭ ‬الرنانة،‭ ‬ولذلك‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬فعليا‭ ‬سوى‭ ‬مناورات‭ ‬اصدار‭ ‬المراسيم‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬مفاوضة‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬وتقديم‭ ‬كل‭ ‬التنازلات‭ ‬الممكنة،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬رفض‭ ‬اصدقاء‭ ‬الامس‭ ‬أي‭ ‬تمويل‭ ‬لنظامه‭.‬

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 29 مارس 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING