الشارع المغاربي – الجزائر بين إكراهين: التطبيع أم التركيع !

الجزائر بين إكراهين: التطبيع أم التركيع !

قسم الأخبار

2 يوليو، 2021

الشارع المغاربي-الحبيب القيزاني:«الوضع مقلق ويتّسم بمخاطر تصعيد عسكري وتدخلات خارجية بما قد يؤدي الى تأجيجه في المنطقة بأكملها.. والصحراء الغربية هي آخر مستعمرات افريقيا التي يطمح شعبها الى تقرير مصيره وقد أكدت في العديد من المرات على تصرفات المحتلّ لالحاق الأقاليم الصحراوية بالقوة».

بهذه الكلمات حذّر الفريق السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري خلال مشاركته على رأس وفد عسكري في فعاليات الندوة التاسعة للأمن الدولي التي نظمتها روسيا يومي 23 و24 جوان الجاري في موسكو من أية طبخة خارجية للمساس بأمن بلاده.

كلام رئيس الأركان جاء بعد تحذيرات الرئيس عبد المجيد تبون من ان الجزائر مستهدفة وتأكيده على أن «لحم الجزائريين مرّ» وعلى أن جيش بلاده سيتصدى لأية محاولة لضرب استقرارها مجددا رفض الجزائر الاعتراف بإسرائيل ما لم تسوّ قضية فلسطين تسوية مقبولة. كما أنه جاء من موسكو حليفة الجزائر الطبيعية منذ عهد الاتحاد السوفياتي وفي اطار تظاهرة يحرص الكرملين على تنظيمها بحضور ممثلي دول تقضي سياسته الدولية بالوقوف الى جانبها عند الضرورة.

«ميليتري ووتش» و«الأسد الافريقي»

لكنه – ولعل هنا مربط الفرس – جاء أياما بعد تقرير صادر عن مجلة «ميليتري ووتش» Military Watch الامريكية المتخصصة في صفقات الأسلحة والشؤون العسكرية العالمية أكدت فيه أن «مناورات الأسد الافريقي البرية والجوية التي قادتها الولايات المتحدة بشمال افريقيا من 7 الى 18 جوان الجاري حاكت بشكل ملحوظ الهجوم على بلدين افتراضيين هما «روان» و»نيهون» وموقعهما هو الجزائر وقد كان ملاحظا ان المناورات ركزت بالأساس على كيفية استهداف منصات صواريخ «اس400» بشمال افريقيا (التي لا تمتلكها اية دولة بالمنطقة ما عدا الجزائر».

لماذا الجزائر؟

لا غرو في أن مفتاح الحملات الإعلامية التي تشنّ من حين لآخر على الجزائر او غيرها من الدول العربية في تل أبيب والشواهد على ذلك كثيرة.

فقد اثبتت الاحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط منذ عام 1947 الى حدود العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة ان محرّك الحملات واحد وثابت : الدفع نحو الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها.

فقد شنت إسرائيل عدوان 1967 واحتلت مزيدا من الأراضي العربية لمقايضتها بالصلح والاعتراف بها وتعقبت في ما بعد المقاومة الفلسطينية في لبنان عام 1982 لاجبارها على الاعتراف بها.

وبعيدا عن ساحات الحروب لا يخفى ما للوبي الإسرائيلي المتنفّذ في مراكز القرار بالعواصم الغربية الكبرى من دور في التحريض على الدول العربية وغيرها التي ترفض الاعتراف بالدولة العبرية. وقد نجح هذا اللوبي في تأليب تحالف دولي على العراق حتى تم غزوه ثم كان الدور على نظام القذافي بعد هرسلته طيلة أعوام وفرض عقوبات وحصار عليه بينما تعرض السودان لحصار وعقوبات أيضا ووصل الامر الى تقسيمه حتى رضخ وطبّع في النهاية مع إسرائيل. أما سوريا فقد اثبتت اعترافات عدد من المسؤولين الغربيين والعرب انه كانت لتل أبيب أيضا يد في التخطيط للعدوان الذي استهدفها طيلة 9 سنوات إضافة الى الغارات الجوية والصاروخية شبه اليومية التي تتعرض لها على يد الجيش الإسرائيلي. أمّا لبنان فقد وصل الأمر معه الى حدّ تجويع شعبه أملا في تأليبه على المقاومة في حين تتعرض ايران منذ سقوط نظام الشاه الذي كان مواليا لامريكا وحليفا لإسرائيل الى عقوبات وحصار وتهديدات بذرائع مختلفة لا لشيء إلا لأنها تعادي دولة إسرائيل.

لماذا باتت الجزائر تحت نيران الصحافة المعادية لها؟ وما المطلوب منها لتجنب سيناريوهات سوداء يتم التلويح بها ضدّها تارة عبر مسؤولين غربيين متطرّفين وأخرى عبر حملات صحف تدور في فلك اللوبي الإسرائيلي؟

يبدو أن وراء كل ذلك عدة أسباب :

أولها وقياسا على السوابق الغربية في التعامل مع ما يسمّى «دول الممانعة» العربية تشبث الجزائر برفضها رفضا مطلقا الاعتراف باسرئيل.

أولها وقياسا على السوابق الغربية في التعامل مع ما يسمّى «دول الممانعة» العربية تشبث الجزائر برفضها رفضا مطلقا الاعتراف باسرئيل.

ثالثها تصدّيها لبالونات الاختبار الحرب النفسية التي يطلقها الاعلام الغربي والإسرائيلي من حين لآخر حول وجود نوايا ومؤشرات على إمكانية ركوب الجزائر قطار التطبيع مع إسرائيل مع ما يعني ذلك من اعتراف بها. وقد لعب الاعلام الموالي للدولة العبرية على هذا الوتر وحاول مثلا استغلال المصافحة التي جرت بين الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ايهود باراك خلال جنازة ملك المغرب الراحل الحسن الثاني وتقديمها على أنها فاتحة اعتراف جزائري بإسرائيل الشيء الذي دحضه بوتفليقة بنفسه. وقبل ذلك حاول الاعلام العبري النفخ في ما زعم انه لقاء سري جمع في مدريد بين بوتفليقة وشمعون بيريز تماما مثلما طبّل وهلّل لزيارة وفد من الفنانين الجزائريين «التقدميين» إسرائيل، الحدث الذي ردّت عليه القيادة الجزائرية بتخوين أعضاء الوفد وتذكيرها بأن الزيارة لم تكن رسمية وبأن لا علاقة لها بثوابت الجزائر إزاء قضية فلسطين.

رابع الأسباب تصدّي الجزائر المتواصل لـ «التحرش» الذي يمارسه ما تسميه الصحافة الجزائرية «حزب الاستعمار بفرنسا» الذي تقول انه ما زال يحن الى زمن «الجزائر الفرنسية» ولم يهضم تقليم اظافر نفوذ فرنسا وشركاتها في البلاد لصالح روسيا والصين. وفي هذا الاطار يجدر التذكير بأن للإسرائيليين أطماع قديمة في الجزائر اذ كشف الفرنسي رولاند لمباردي الحاصل على الدكتورا في التاريخ والباحث بمعهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي-الاسلامي بجامعة اكس-مرسيليا أن الدولة العبرية لم تكن فقط حليفا مفضّلا لفرنسا في عدوان السويس الثلاثي على مصر عام 1956 (فرنسا وبريطانيا واسرائيل) وأن مخابراتها عملت جنبا إلى جنب مع المخابرات الفرنسية لتعقّب الثوار الجزائريين وتنفيذ سلسلة اغتيالات وتفجيرات وعمليات تخريب وأن فيلقا يهوديا شارك مع قوات الاستعمار الفرنسي في قتال المجاهدين الجزائريين.

وذكّر الباحث بأنه قبل أن يرفض الجنرال ديغول خيار «الجزائر الفرنسية» شهدت الساحة السياسية بفرنسا جدلا حول الخيار الذي يمكن تبنيه مؤكدا أن البعض طرح فكرة تقسيم الجزائر أو «أسرلتها» مستشهدا بكلام ديغول عن اقامة «اسرائيل فرنسية». وأشار لمباردي الى تقرير أعدّه عام 1961 كاتب الدولة الفرنسي للاعلام آلان باريفيت بطلب من ديغول وحمل عنوان «هل يجب تقسيم الجزائر؟».

وقال لمباردي إن خطة التقسيم كانت تقضي بإقامة منطقة تمتد من الجزائر العاصمة الى مدينة وهران وتضمّ كل الفرنسيين والجزائريين المتحالفين معهم وتجميع بقية الجزائريين الذين يريدون العيش في بلاد تحكمها جبهة التحرير الوطنية في ما تبقى من البلد مع احتفاظ فرنسا بمنفذ للصحراء ومنح سكانها حكما ذاتيا. أما الجزائر العاصمة فينصّ المخطط – طبقا لما أورد لمباردي – على امكانية تقسيمها الى شطرين على طريقة برلين والقدس، شطر يضمّ القصبة وآخر يضمّ باب الواد وبينهما جدار فاصل.

ويضيف لمبادري ان فكرة اقامة ما أسماه بـ «روديسا فرنسية» كانت تروق للاسرائيليين باعتبار أنها ستمكنهم من الحصول على النفط والغاز الجزائريين متابعا : «حاول ديفيد بن غوريون خلال احدى زياراته لباريس التأثير على ديغول لتبنّي خيار التقسيم» ناقلا عن بايريفيت أن ديغول أجابه لمّا عرض عليه مخطط التقسيم «اجمالا أنت تريد اقامة اسرائيل فرنسية وهذا ما حاول بن غوريون دفعي اليه لمّا جاء ليقابلني ولكنه نبّهني الى أن مخططا مماثلا لن ينجح إلاّ اذا أرسلنا أعدادا هائلة من المعمّرين الفرنسيين الى الجزائر واستقروا هناك نهائيا وانخرطوا في الجيش الفرنسي لمحاربة الجزائريين».

تحت المظلة النووية الروسية؟

في خطاب ألقاه يوم 1 ماي 2018 بقاعة المؤتمرات بموسكو في حضور النخب السياسية والعسكرية كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ترسانة جديدة من الأسلحة والصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية واستهداف أي مكان في العالم دون أن يتمكن أحد من اعتراضها.

الأهمّ من ذلك أن بوتين وضع النقاط على الحروف عندما أكد في خطابه أن «روسيا تعتبر أي هجوم نووي على حلفائها هجوما عليها» وأنها «ستردّ عليه فورا دون أي تردّد».

وبقطع النظر عن أن التعهد الصادر عن بوتين يشمل بدرجة أولى كوريا الشمالية التي كانت تتعرض آنذاك الى تهديدات نووية أمريكية بسبب تجاربها وتطوير صواريخ بعيدة المدى أو ايران التي كان رئيس وزراء إسرائيل السابق نتنياهو يلوّح بضرب منشآتها النووية وهما دولتان حليفتان للمحور الروسي-الصيني المعادي للمعسكر الغربي فإن تقارير صحفية روسية أشارت الى أن المقصود بكلام الرئيس الروسي دولتان عربيتان حليفتان لبلاده : سوريا التي تدخلت فيها عسكريا ومنعت تنفيذ مخطط اسقاط نظامها وحصلت بها على قاعدة عسكرية بحرية بميناء طرطوس الى جانب قاعدة حميميم بما خوّل لها تواجدا عسكريا ثمينا في اطار صراعها الجغراستراتيجي مع الغرب على المنطقة ثم الجزائر التي تقول التقارير الصحفية الروسية – طبقا لما نقلت عنها صحيفة «القدس العربي» يوم 3 جويلية 2018 أن روسيا تطبق معها عقيدة الحماية بالمظلة النووية بصيغة مختلفة عبر تزويدها بأسلحة متطورة مثل صواريخ «أس 400» ومنظومة صواريخ «ألكسندر».

مقال صحيفة «القدس العربي» استند إلى تقارير روسية سابقة أشارت إلى نية الغرب التدخل في الجزائر خلال ما يعرف بالربيع العربي عبر تأجيج الأوضاع مستغلا التذمر من الجدل الذي رافق الانتخابات الرئاسية في 2014، أو عبر نقل الفوضى من ليبيا من خلال جماعات مسلحة.

وكشفت التقارير آنذاك أن هدف القوات هو التدخل في حالة حدوث اضطرابات في دول شمال أفريقيا. وأن تلك القوات لم تكن مخصصة لليبيا لأن قوات المارينز في إيطاليا كانت هي المكلفة بهذه المهمة. وذكّرت التقارير بتصريح بروس ريدل الذي عمل مستشارا لأربعة رؤساء أمريكيين ومن ضمنهم باراك أوباما في ولايته الأولى خلال ندوة في معهد ريال إلكانو للدراسات الاستراتيجية في مدريد سنة 2013 أن الربيع العربي سيجرف الجزائر عما قريب.

ونقلت الصحيفة عن خبير في العلاقات الجغراسياسية قوله أن “الجزائر حليفة روسيا، والولايات المتحدة لديها الدرع الصاروخي في قاعدة روتا جنوب إسبانيا لمواجهة الصواريخ الروسية، والقرب الجغرافي هو خطر حقيقي، وأمام الغرب حلان، العمل على تغيير نوعية الحكم في الجزائر ليميل إلى الغرب أو إحداث الفوضى فيها للتدخل» مضيفا «وبعدما فقدت روسيا ليبيا وكانت على وشك فقدان سوريا، لن تغامر بفقدان الجزائر كحليف سياسي رئيسي وحليف عسكري في حالة نزاع دولي كبير”.

وحسب التقارير فإن تصريحات بوتين بالدفاع عن الحلفاء، أبانت الخطوط العريضة لقرار روسيا تزويد الجزائر بأسلحة متطورة للغاية في تلك الفترة الحساسة وأن الغاية من القرار لم تكن تغذية سباق التسلح مع المغرب لأن هذا الأخير لن يهاجم الجزائر في النهاية وإنما لجعل الجزائر تمتلك قوة ردع ضد سيناروهات التدخل الغربي إذا حاول تكرار سيناريو ليبيا بالتدخل الجوي تحت غطاء محاربة الجماعات المسلحة التي كان يفترض أنها ستتسلل إلى الجنوب الجزائري.

وذكرت التقارير أن روسيا قامت بتزويد الجزائر بنظام إس 400 المضاد للطيران والذي يعتبر الأحسن في العالم وقادر على مواجهة كل الطائرات الغربية مهما كانت قوتها بما فيها «رافال» الفرنسية و»أف 35» الأمريكية وأنها زوّدتها أيضا بصواريخ “إلكسندر” التي توصف بالمرعبة لأنها ذات سرعة فائقة وقوة تدميرية هائلة بما فيها ضرب السفن الحربية في عرض البحار أو ضرب أهداف في الأراضي الأوروبية الجنوبية ولا يمكن اعتراضها بسهولة.

وخلصت التقارير إلى التأكيد أن امتلاك الجزائر هذه الأسلحة المتطورة وتواجد سفن حربية روسية في غرب البحر الأبيض المتوسط كان من جهة رادعا للغرب لتفادي التسبب في نزاعات في الجزائر لأن قطعة سلاح استراتيجية واحدة قادرة على تغيير مسار نزاع أو قضية، ومن جهة أخرى تطبيق روسيا لمفهوم الدفاع عن الحلفاء الذي يجعل منه فلادمير بوتين الآن عقيدة رئيسية في تصوره للدفاع عن أمن روسيا وحلفائها.

وأضافت أن عددا من الدول ستستفيد من الحماية الروسية، وعلى رأسها كوبا وصربيا وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا وحتى إيران، مشيرا إلى أن الجزائر قد تستفيد مباشرة من التحول الجديد في عقيدة الدفاع لموسكو وإلى أن دولا عربية أخرى مرشحة لتوقيع اتفاقيات دفاع مشترك مع روسيا بعدما خذلت واشنطن حلفاء الأمس في العالم العربي.

لم يغفر الإسرائيليون للجزائر وقوفها الثابت ودعمها الفعلي للفلسطينيين على مدار تاريخ الصراع بين الطرفين. وهي لذلك مُدرجة في أجندتهم بقائمة سوداء للانتقام منها. ومهما يكن وبالنظر لموقعها الاستراتيجي وللثروات التي تزخر بها ورفض التطبيع في غياب الشروط التي تريد توفرها قبل الاقدام على مثل هذه الخطوة تواصل صحافة الدول الحليفة لإسرائيل النفخ في أبواق تضييق الحصار عليها وفبركة الذرائع لشيطنتها أمام الرأي العام العالمي بغية تنفيذ مخطط ضرب استقرارها وربما اشعال نار فتنة فيها. فهل ستجد الشقيقة الجزائر نفسها مخيّرة بين التطبيع أو التركيع؟

لا يبدو الأمر سهلا الى هذه الدرجة خاصة اذا تذكّرنا تحذير بوتين الآنف الذكر.

نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 29 جوان 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING