الشارع المغاربي – الخياري والتبيني..وجهان لعملة سياسية تونسية فاسدة !

الخياري والتبيني..وجهان لعملة سياسية تونسية فاسدة !

قسم الأخبار

3 يوليو، 2021

الشارع المغاربي-العربي الوسلاتي: يقول المفكّر والعلاّمة التونسي عبد الرحمان ابن خلدون إنّ الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها. والقهر الذي يرمز اليه ابن خلدون في قولته الخالدة مرتبط أساسا وبالضرورة بالفقر والظلم والاستبداد وبفساد الحكّام. تماما مثلما يرتبط ثبات الأخلاق بمناعة الأمم وقدرتها على الصمود في وجه الانحطاط وشياع الرذيلة والجريمة. وتسرّب الفساد الأخلاقي الى داخل جدران وبلاط الحاكم وقصوره المجاورة مؤذن حتما بخراب الأمّة وبانهيار آت لا محالة لكلّ مقوّمات الدولة. فانهيار الأخلاق يعني انهيار الكيان برمّته والدليل قوله تعالى: (وَإِذا أَرَدنا أَن نُهلِكَ قَريَةً أَمَرنا مُترَفيها فَفَسَقوا فيها فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرناها تَدميرًا). وما نعيش اليوم ونشاهد من انحطاط وفسق أخلاقي لدى بعض رموز الدولة هو أكبر دليل على اقتراب هلاك قريتنا. وإذا كان الأمر لا يقتصر فقط على مترفينا بل طال مداه طبقات أوسع وأشمل فإنّ ما تقدم عليه بعض النخب السياسية الحاكمة في البلاد يعدّ أحسن مثال على سقوط الدولة وانهيارها ويقيم الدليل كذلك على فساد مكارم أخلاقها.

نقول هذا الكلام ونحن نعاين حالة السقوط الأخلاقي الغريب والمريب التي يعيشها المشهد السياسي التونسي المتعّفن بطبعه. شتائم وتنابز بالأعراض والحرمات وفيديوهات جنسية مسرّبة بطلاها نائبان من نواب الشعب. راشد الخياري وفيصل التبيني أزاحا الستار عن فصل جديد من فصول الصراع السياسي المقنّع في تونس القائم على المكائد والدسائس والخبائث. هذا الصراع كشف للعيان المستوى الحقيقي لبعض النواب الذين قادتهم «ثورة الصدفة» للوصول الى باحة البرلمان للدفاع عن الحق والفضيلة فبرعوا في تشييد أسوار دولة الرذيلة…

التبيني والخياري هما وجهان لعملة تونسية واحدة, عملة محلّية لا تعلو قيمة صرفها وتحريرها في سوق الطهارة والنظافة, هي عملة تصرف فقط في سوق النجاسة والقذارة وعلى قارعة الطرقات المقطوعة وعلى تخوم الأوكار الخبيثة والنفوس المريضة. قد تكفي جولة عابرة في العناوين الرئيسية لنشاط النائبين «غير المحترمين» في الفترة الأخيرة لتلخيص فظاعة المشهد وقتامة الصورة. انحدار أخلاقي غير مسبوق وعورات مكشوفة على الملأ تخفي وراءها مشاهد أكثر قذارة وأكثر حقارة. صراع في القاع يحتكم لقانون الضرب تحت الحزام حاد بعمد أو دونه عن مربّع التنافس السياسي السويّ ليغرق المتخاصمان في مستنقع لا قرار له يفيض دناءة وحقارة وروائح كريهة تزكم الأنوف.

يوم الخميس الماضي كان تاريخ الانهيار الأخلاقي الكبير. سقطة أخلاقية لم يسبق لها مثيل ووصمة عار تدنّس تاريخ البرلمان التونسي عندما أقدم النائب راشد الخياري الفار من العدالة على نشر فيديو ”جنسي” مقزّز يخدش الحياء والحرمات زعم الخياري ان بطله هو النائب فيصل التبيني .حركة دنيئة سبقتها تحرّكات مماثلة في نفس الاتجاه عندما قام النائب نفسه بممارسة نفس السلوكات وقام بنشر تسريبات لمحادثات وصور يزعم أنّ التبيني متورّط فيها في محاولة استدراج امرأة قال عنها التبيني في ما بعد إنها مأجورة من الخياري للإيقاع به. كان هذا السلوك المرضي لا يعدو أن يكون سوى مجرّد هبوط اضطراري في مربّع المعارك الجانبية التي لا تسمن ولا تغني من جوع لو كان الأمر يتعلّق فقط بشخصين عاديين لا تنمو مداركهما العقلية والفكرية بقدر نموّ أعضائهم التناسلية ولكن الأمر يخصّ شخصيتين من المفروض أنهما اعتباريتين, شخصيتان تعتبران ظاهريا ومبدئيا من نخب البلاد ومن قادة العباد, شخصان لا يمثلان أخلاقهما وفكرهما بقدر ما يمثلان أصوت الناس التي أوصلتهما الى تلك المكانة الرفيعة والعالية داخل الحرم البرلماني. كانت السقطة الأخلاقية لم تكن لتحدث هذا الشرخ المعنوي الفظيع وهذا الصوت المريع لو أنها لم تصدر عن أشخاص يمثلون السلطة التشريعية في البلاد, أشخاص من المفروض أنهم حماة الأخلاق والميثاق والفضيلة وليسوا مشرّعين للفساد وللرذيلة.

حادثة الفيديو الجنسي المسرّب ليست حالة شاذة في سلوك التبيني والخياري فأسلوب ومهارة التنابز بالحرمات والأعراض راسخة في ثقافة الاسمين, فالتبيني نفسه والذي كان يشكّل في نظر كثيرين نسبة الى منظره وهندامه وخاصة طريقة كلامه صوت الفلاحين الطاهرين تسلّح منذ تسلّله الى داخل البرلمان بعبارات ومفردات خادشة للحياء تعكس مستواه الحقيقي وتعكس حقيقة معدنه وأخلاقه.. فيصل التبيني خاض كثيرا في عرض الخياري مثلما اشتهى وأراد ولم يستثن من عرضه شيئا والغريب في الأمر أنه لم يكن يتحرّج من الخوض في هذه المسائل في السرّ والعلن وكأنّ الرجل تعوّد التجوّل أمام منزله عاريا غير عابئ بعورته المكشوفة ولا بسمعته المعروضة.

الخطير في لعبة الفيديوهات المنسوبة للخياري والتبيني أن النائبين يبدو كأنهما مجرّد وقود معركة خفيّة تدار خيوط اللعبة فيها عن بعد. وما يقول التبيني في حقّ الخياري من معلومات شخصية سريّة وما يردّد بخصوص وجود أطراف خارجية تسعى لضرب مفاصل الدولة في مقتل وما يقوم الخياري بتسريبه ضدّ بعض خصومه السياسيين وحتى ضدّ رئيس الدولة يؤكّد أن المعركة الحقيقية ليست بين هذين «الصغيرين» فهما في الحقيقة مجرّد بيدقين ميّتين لا محالة فوق واجهة بلورية تعكس فظاعة الصورة وتنقلها الى الخارج هناك حيث تتربّص بعض العناوين الخفيّة بمسار التجربة الديمقراطية التونسية.

تتالي الاتهامات والفيديوهات والتسريبات أفرغ القضيّة من مضامينها الحقيقية وجعلها مثل قنبلة صوتية دويّ انفجارها لا يوازي مفعولها. فالخياري والتبيني لا يحظيان بدعم أو تأييد شعبي يذكر وليسا محلّ اهتمام حتى من الناس الذين توسموا فيهم الخير ذات يوم. يبقى الاشكال الوحيد القائم في ظلّ هذا السقوط الأخلاقي أن استمرار بقاءهما داخل قبّة البرلمان وتمتعهما بالحصانة مسيء لسمعة تونس السياسية ومسيء أكثر للسلطة التشريعية التي لا يمكن لها أن تكون بين أياد قذرة موغلة في الفساد والرذيلة. هذه النقطة جعلت عددا من السياسيين والناشطين يكسرون حاجز الصمت و يخرجون عن واجب التحفظ للتنديد بما آتاه الثنائي المذكور في حق نفسيهما وعائلتيهما وفي حقّ المؤسسة البرلمانية ككل خاصة بعد أن باتت رائحة السقوط الأخلاقي تخنق الجميع وتسيء لكل العائلة السياسية التي يبدو أنها مجبرة اليوم على التبرّء من السلوكات المريضة لهذين النائبين.

هذا التبرّؤ لا يجب أن يحجب كلّ الحقيقة ولا يجب بالتالي أن يقف عند مستوى التنديد فحسب بل صار لزاما المرور الى محطّة المساءلة قبل فوات الأوان وقبل بداية الانهيار الفعلي لكل مؤسسات الدولة. ومن ثمّة وجب التفكير في قوانين داخلية تجرّم المساس من الأعراض وتحرّم الخوض في الحياة الشخصية للنواب الذين يمثلون هذا الشعب الكريم أكثر من تمثيلهم لأنفسهم في انتظار أن نجد حلّا حقيقيا لحصانة «الأشرار» الذين يحتمون بأسوار البرلمان من شرّ أعمالهم ومن سوء أخلاقهم.

السقوط الأخلاقي الذي نعاينه اليوم ليس ظاهرة منعزلة عن المنظومة السياسية الحالية فهي انعكاس لها وامتداد للتدحرج القيمي الذي نشأت عليه الحياة السياسية التونسية في ما بعد 14 جانفي.

نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 29 جوان 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING