الشارع المغاربي – الغنوشي مُرشح النهضة للرئاسية يمد يده للجميع بمن فيهم عبير موسي / بقلم لطفي النجار

الغنوشي مُرشح النهضة للرئاسية يمد يده للجميع بمن فيهم عبير موسي / بقلم لطفي النجار

5 يوليو، 2019

الشارع المغاربي : في حوار تلفزي على قناة حنبعل أدارته الزميلة سماح مفتاح برز رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في ثوب “الحازم” في ما يتعلّق بالشّأن النهضوي الداخلي معتبرا أنّ أبناء التنظيم هم ” خطّ أحمر”، وأنّه المرشّح “الطبيعي” للرئاسيات “إذا كان للنهضة مرشّح من داخلها”. حسم الرجل إذن أمره أو يكاد وراء “أبواب بيته” ورتّبه ترتيبا ليخرج إلى الجميع باسطا يده رافعا يافطة “التوافق” وشعارها هذه المرّةّ: سفينة يركبها الجميع دون استثناء بمن فيهم عبير.

راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة هو أقرب إلى الترتيب والاستعداد للترشّح للانتخابات الرئاسية القادمة. هذا استنتاج بسيط نصل إليه بيسر لمّا نتابع تغيّرات الخطاب وتطوّراته و”توتّراته الداخلية” بل ودلالات ملفوظاته من ندوة إطارات النهضة السنوية إلى بلاتوه حنبعل. كانت إشارات خاطفة ورسائل مشفّرة إلى إطارات جماعته في الخطاب الأوّل تفيد أنّ الرجل غير “زاهد” في الترشّح لرئاسة تونس، ثمّ جاءت الخطوة الجديدة لمّا خرج على الملأ ليلة الأحد ليحسم شأنا داخليا ويقوم بنصف اختبار للرأي العام فيعلن “إذا كان للحركة مرشح من داخلها فمن الطبيعي أن يكون رئيسها وذلك وفق ما يقتضيه القانون”.
صحيح أنّ الغنوشي لم يعلن عن نيّته الترشّح للانتخابات الرئاسية كما قال في الشطر الأوّل من حوار “حنبعل” الأخير، وصحيح أيضا أنّه عبّر أنّ لا رغبة له حتى الآن في الترشّح مشدّدا أنّها “غير موجودة” ( الرغبة)، لكنّه يستدرك بسرعة مؤكّدا على أنّ الترشّح للسباق الرئاسي لا يتعلّق برغبة شخصية وإنّما يخضع “لحسابات دقيقة ومصالح وطنية مقدّرة ” كاشفا أنّ هذه الحسابات بصدد “التنضيج”. ثمّ ينساب الرجل في ما يشبه “التداعي الحرّ” للأفكار والخواطر الدفينة ( Association libre) ليفنّد ما قاله في الشطر الأوّل من كلامه ويعرّي ما خفي واستتر ليكشف أنّه “من السّابق لأوانه الحديث” عن ترشّحه للانتخابات الرئاسية “من عدمه ومازالت هناك فرصة للتفكير”. بل يتوغّل الرجل أكثر ويفيض في خطاب “الرغبة المتستّرة” قائلا “من الناحية الدستورية هذا حق من حقوقنا أمّا من الناحية العملية فهناك وقت للتنضيج وللتفكير، والتفكير بدأ فعلا والأكيد أنّنا لن نفعل ما فعلنا في انتخابات 2014 ولن نقف على الحياد لأنّ ذلك يعني إخلالا بالديمقراطية باعتبارنا الحزب الأوّل في البلاد”.
لو ندع لبرهة تعرّجات الخطاب وزئبقية ملفوظاته ومعانيه سواء في ندوة الإطارات السنوية أو مع سماح مفتاح في قناة “حنبعل، ونترك التأويل قليلا ونذهب مباشرة إلى قراءة منطقية حسابية بعيدا عن إنشائية “الرغبة” وحديث الخواطر ، نقول بإيجاز أنّ الغنوشي (وهذا ما جاء على لسانه) هو مرشّح الحركة الوحيد للرئاسية ولا أحد ينازعه حقّه في ذلك من النهضويين، وأنّه لم يظهر في إطلالتين أخيرتين زهدا في ذلك أو تقديما لقيادة شابة من داخل الحركة بل هو الآن في مساحة للتفكير فحسب تضع “للحسابات الدقيقة” أولوية قصوى ولا سيّما منها الحسابات الإقليمية والدولية والنظر كذلك في جهوزية التقبّل الداخلي والخارجي لخطوة دقيقة وشديدة الحساسية.
الغنوشي بصدد التهيّىء الشخصي للترشح وبصدد تهيئة الأرضية الوطنية لذلك في انتظار توفّر الشروط الجيوسياسية الإقليمية والدولية : المسألة هي مسألة وقت ومناخ إقليمي معقّد ودقيق فحسب يسمح بأن يحكم تونس رمزا هامّا من رموز الإسلام السياسي في المنطقة ومنظّرا لأدبياته على امتداد عقود.
هذا هو الاستنتاج المنطقي الذي يفسّر أيضا غضب الرجل واغتياظه من نتائج عمليات سبر الآراء التي جعلته في الغالب في مراتب متدنّية مقارنة بحركته التي تموقعت دائما في المراتب الثلاث الأولى. إذ اعتبرها الغنوشي (عمليات سبر الآراء) “سوقا” وأنّها ” صناعة مازالت في بداياتها وفيها قدر غير قليل من العبث بالرأي العامّ”. وتابع حديثه حول نتائج سبر الآراء “أقل ما نقوله مع أخذ ذلك بحسن النيّة أنّنا في تونس لم نتقن هذه الصناعة بعد ولا يعتمد عليها لأنّه اتضح أنّ الأهواء والرغبات داخلة في هذا الموضوع”…الأمر واضح إذن، رئيس الحركة مطمئن ومصدّق لنتائج سبر الآراء عندما تقدّم حزبه، ومكذّب ومشكّك في النتائج لمّا تؤخّره أو “تتناساه”…في جملة الشيخ “شاهي أما قاعد يحسب وماهوش منكّس” !
“سفينة الغنوشي” وعبير !
بدا الغنوشي في الحوار التلفزي المذكور على شاشة “حنبعل” متمسّكا بمبدإ التوافق مادّا يده للجميع دون استثناء سواء من اليسار أو القوميين أو الدساترة بمللهم ونحلهم المعلومة، معتبرا أنّ “العمود الفقري” لتونس هو الاعتدال ونبذ الإرهاب والتمسّك بالديمقراطية دون إقصاء أيّ طرف وهذا يحسب في ميزان رئيس حركة النهضة السياسي رغم علمنا بأنّ الموقف مشروط بالظرفية وهذا مشروع في السياسة التي تحكمها دائما مقولات التكتيك والمناورة و”المكر”.

تحدّث رئيس حركة النهضة عن “السفينة” الجامعة التي لا يصحّ ولا يمكن أن تترك خارجها أحدا من كلّ الحساسيات الفكرية والسياسية، مشددّا على محورية مكانة ورمزية رئيس الجمهورية الذي اعتبره “ضامنا” أساسيا للديمقراطية في تونس. اعتبر الغنوشي أنّ رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي “عرصة في الانتقال الديمقراطي”، وأنّ هناك من يريد إرباك التجربة التونسية. وتحدّث عن “الوعكة المرضية” للرئيس قائلا أنّ “الباجي لاباس عليه” وأنّه “بصدد التعافى”، وقد كرّرها (يتعافى) مرّات عديدة، وهي تعني لغة (والغنوشي كاتب وعارف بمعاني اللّغة) أنّ الباجي بصدد الشفاء ونيل العافية وربّما يحتاج الأمر( التعافي) إلى وقت، وهو ما يترك مضامين الخطاب بمجملها مفتوحة على التأويل، وهي إحدى ميزات الغنوشي أي ترك حبل المعنى على الغارب.

لم يفوّت الغنوشي الفرصة خلال ظهوره الأخير دون التعرّض بذكاء لعبير موسي الصّاعدة في نتائج سبر الآراء وصاحبة المواقف “الحاسمة” من حركة النهضة التي اعتبر تصريحاتها التي قالت فيها أنّ رئيس الجمهورية “رهينة” في القصر وحذّرت من انقلاب من داخل مؤسّسة الرئاسة ّقنبلة موقوتة”. وأضاف أنّ غاية عبير موسي هي “المساهمة في تغذية حالة الهلع والمشاركة في تخويف الشعب التونسي وإيقاعه في حالة شلل وإرباك”.

لقد استثمر راشد الغنوشي بدهاء ما نقدّر أنّها “تغفيصة” قامت بها رئيسة الحزب الحرّ الدستوري وتسرّعها في نحت موقف سياسي بناء على تخمين ومعطيات غير ثابتة زادت به في الإرباك وإشاعة الخوف والهلع بين التونسيين. لم يدع الغنوشي الفرصة تمرّ دون أن يسدّد هدفا سهلا في مرمى عبير، ويذكّرها بأنّ “النهضة هي التي أعطت لعبير موسي تأشيرة حزبها ولولا النهضة لما كانت موجودة” وهو يقصد بذلك طبعا زمن حكم الترويكا. نجح الغنوشي إذن دون كلّ القيادات النهضوية في تحجيم “ظاهرة عبير موسي” بجملتين اثنتين فقط مع الاحتفاظ باليد مبسوطة إلى حزبها ودون استقواء في الخطاب أو عنف مضاد، وكأنّ بالغنوشي يخاطب عبير “أنا الأدهى وأكبر منّك في الحيلة أيضا…وأبواب الفينة مفتوحة لك ولحزبك”…المهم هو “الاقتصاد في الاتهامات” كما قال .

نشر بالعدد الأخير من اسبوعية”الشارع المغاربي”.

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING