الشارع المغاربي – القرض الهزيل وشروطه المُذلّة يكشف أطراف الابتزاز والمناورة/ بقلم: جمال الدين العويديدي

القرض الهزيل وشروطه المُذلّة يكشف أطراف الابتزاز والمناورة/ بقلم: جمال الدين العويديدي

قسم الأخبار

21 أكتوبر، 2022

الشارع المغاربي: كثر الحديث حول إمكانية تدخل صندوق النقد الدولي من عدمه لتقديم قرض جديد في إطار آلية “تسهيل الصندوق المُمدّد”والذي تزامن مع زيارة الوفد المفاوض لواشنطن حيث أعتُبر القرار من طرف عديد الجهات وفي مقدمتهم الحكومة المُنقذ الوحيد من الوضع الكارثي الذي دُفعت إليه البلاد على المستوى الاقتصادي والمالي والاجتماعي. فما هي حقيقة هذا الاعتقاد الراسخ وهل يصمد امام واقع المديونية خاصة الخارجية منها التي تُمثل بين %60 و%70 من إجمالي المديونية العمومية والتي تبين بالكاشف انها مديونية غير قابلة للتسديد في آجالها بالنظر إلى حالة الركود التي يتخبط فيها الاقتصاد الوطني منذ اثني عشر سنة على التوالي. 

الملفت للانتباه حول هذا الموضوع هو ان المقاربة بين مبلغ القرض المعلن في حدود 1,9 مليار دولار امريكي (تقريبا 6,2 مليار دينار) سوف يصرف على مدى أربع سنوات بمعدل 1,6 مليار دينار سنويا لا تستقيم مع مدى عُمق العجز المالي الداخلي والخارجي للبلاد في السنة المالية لسنة 2022 فقط الذي بلغ 53 مليار دينار في أقل تقدير إلى مُوفّى شهر سبتمبر 2022. هذا العجز الإجمالي يشمل عجز الميزانية الذي يفوق 25 مليار دينار والعجز التجاري في النظام العام المُعتمد دوليا منذ سنة 2010 في تحديد وضع المبادلات التجارية والذي حقق رقما قياسيا مفزعا في التسعة أشهر الأولى من سنة 2022 في حدود 28,6 مليار دينا حسب آخر إصدار من المعهد الوطني للإحصاء.

المبادلات التجارية للتسعة أشهر الأولى لسنة 2022 في النظام العام المعتمد عالميا منذ سنة 2010 لاحتساب العجز التجاري تفضي إلى عجز تجاري قياسيا 28,6- مليار دينار –المصدر: المعهد الوطني للإحصاء بالمليار دينار

   Augmentation 9 mois
  9 mois 2020 9 mois 2021 9 mois 20222022/2020 2022/2021
Solde commercial –         10,14  –      11,97  –      19,24    
régime général–      17,68  –   21,32  –      28,6  62%34%
régime off shore            7,54          9,35           9,36    
Taux de couverture73,1%73,7%68,7%  
régime général30,8%30,0%32,6%  
régime off shore 162,3%161,9%149,0%  

مفارقات عجيبة تحدث في تونس:

  • عجز تجاري في حدود 28,6 مليار دينار في تسعة أشهر وبنسبة تغطية للواردات بالصادرات في حدود %32,6. وضع لا يوجد له مثيل في العالم لا يمكن ان يفضي إلا إلى إفلاس الدولة.
  • العجز مع الاتحاد الأوربي في النظام العام يُمثّل ما بين %45 و%50 من العجز الإجمالي أي ما يعادل بين 13 و14 مليار دينار في التسعة أشهر الأولى لسنة 2022. 
  • هذا الواقع الثابت يتزامن مع تسويق رسمي تونسي وفرنسي-أوروبي أن تونس لديها فائض تجاري مع فرنسا وإيطاليا وألمانيا؟ ادعاء يستخف بالشعب التونسي ولا يمكن لأن يُصدقه العقل؟
  • مغالطات بالجملة والتفصيل تم تفنيدها بالحجج والبراهين المحلية والدولية.
  • حكومة تمرر قانون مالية لسنة 2022 يقضي في الفصل 57 منه إجراءات ترشيد التوريد بطريقة انتقائية على مستوى المنتوجات المعنية لصالح لوبيات معينة وتستثني منتوجات المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
  • كما تستثني مُسبّقا تطبيق إجراءات الترشيد على منتوجات…بلدان الاتحاد الأوروبي…بدعوى باطلة أن لتونس فائض تجاري مع بلدان الاتحاد…

إذا عُرف السبب بطل العجب. 

  • التسويق لفائض تجاري مع الاتحاد الأوروبي مطيّة لعدم الترفيع في المعاليم الديوانية على المنتوجات الأوروبية إذا ما تقرر تطبيق الفصل 57 من قانون المالية؟
  • الغريب في الأمر أن الحكومة الحالية تغافلت عن تطبيق الفصل 57 من قانون المالية رغم كل نواقصه لقرابة عشر أشهر واستفاقت اليوم مُعلنة تطبيقه بداية من تاريخ 17 أكتوبر 2022 أي قبل شهرين ونصف من نهاية السنة وبعد ما استفحل الامر؟
  • كما نلاحظ كل خطوة مدروسة بتفاصيلها للدفع نحو توريط البلاد في مديونية أصبحت غير قابلة للسداد وفتح باب التوريد على مصراعيه هو فتح باب للمديونية الخارجية التي يتسلل منها من طامع في التسلّط على الوطن.

في كل الأحوال ومن هذا المنطلق نتساءل:

هل يعقل في بلد في حالة إفلاس غبر مُعلن أن يسمح بتوريد مُجحف وفوضوي يُفضي إلى عجز تجاري قياسي منذ استقلال البلاد بمعدل 3,2 مليار دنار شهريا ويفاوض  صندوق النقد الدولي بشروط مُذلّة ومُجحفة على قرض في حدود 1,55 مليار سنويا هذا إذا ما تم التوقيع على مشروع الاتفاق من طرف مجلس إدارة صندوق النقد الدولي في أواخر شهر ديسمبر 2022 أي بعد انتظار نتائج الانتخابات التشريعية التي ستجري يوم 17 ديسمبر 2022؟

طبعا هذه المقاربة غير منطقية ولا تستقيم بالمرة لسبب أساسي وهو أن المديونية الخارجية التونسية خرجت عن السيطرة وأصبحت غير قابلة للخلاص خاصة في ظروف نمو مثعطّل تماما منذ سنة 2011 إلى اليوم. والسؤال المطروح من يقف وراء هذه المناولة الابتزازية التي يقوم بها صندوق النقد الدولي وما هي الأهداف التي تطمع إليها الأطراف التي تقف وراء تسلط صندوق النقد الدولي لفرض إملاءات مُجحفة سوف تدفع البلاد إلى انفجارات شعبية نتيجة اليأس والإحباط والفقر والتهميش؟

المبلغ الهزيل وشروطه المجحفة عربون يكشف دور المستفيد الذييدفع البلاد إلى الاستسلام والتفريط في مقدرات البلاد ومؤسساته وثرواته

عندما قارعنا كل الأطراف المعنية بعدم جدية المبلغ المطروح سارعت الأطراف المعنية الداخلية والخارجية باستنباط  خرافةأن هذا القرض سيفتح أبواب القروض الثنائية والمتعددة الأطراف إذا ما تم تثيبت التزامات الحكومة التونسية بتطبيق الإملاءات المطلوبة بصفة نهائية ومضمونة والتي يتم الدفع لها بخطى حثيثة وهي:

1/ تكوين وكالة تصرف في المديونية توكل إلى البنك الأوروبي لإعادة الأعمار والتنمية بقرار وبدبير فرنسي.

2/ بالتوازي يتم تكوين وكالة للتصرف في الحزينة العمومية “Tunisie Trésor “

3/ كلا الوكالتين سوف تكونا تحت رعاية مباشرة ولصيقة من الطرف الأوروبي. وسوف تفاوض بالوكالة عن أهم الأطراف الدائنة في تونس وهي فرنسا وإيطليا وألمانيا واليابان من أجل مقايضة الديون (بدينار منهار) مقابل أسهم في أهم المؤسسات الاسترتيجية في البلاد والمقايضة حول اللزمات الخاصة بالتنقيب على النفط والغاز الطبيعي ولزمات الطاقات المتجددة.

إحدى العلامات لهذا المشروع الاستعماري الجديد هو الإعلان مباشرة بعد إعلان مشروع قرار صندوق النقد الدولي من واشنطن عن هبة بمبلغ 800 مليون يورو سوف تُمنح لتونس من طرف الاتحاد الأوروبي…من اجل ربط شبكات الكهرباء مع الدول الأوروبية…تمهيدا لتشغيل المحطات الشمسية لتوليد الكهرباء التي تحصلت عليها الشركات الألمانية والفرنسية والإيطالية في شكل لزمات لا يعرف الشعب التونسي مضمونها ومدى ضمان حقوق البلاد من استغلالها. ليتم بذلك امداد الطاقة إلى أوروبا بدينار منهار من وراء ظهر الشعب التونسي وفي غفلة منه. مع التذكير ان إيطاليا هي من قامت بتمويل وتركيز خط الغاز الطبيعي الذي يأتي من الجزائر يمر عبر تونس والبحرالمتوسط ليصل غل إيطاليا حدة لإيطاليا. 

كما يبدو جليا هذه الحكومة تقوم بتفعيل كل ما تم التخطيط له منذ سنة 2013 بتواطئ مع صندوق النقد الدولي وفي إطار الخطوات التي قامت بها كل الحكومات والقوى السياسية والبرلمانية السابقةالتي مررت قوانين الاستثمار الموجهة للخارج وقانون البنك المركزي. هذه الحكومة التي عينها رئيس لجمهورية وتحت مسؤوليته التامة لا تملك أي وسيلة للصمود أمام الزحف الأوروبي المتطاول. والمسؤولية الجسيمة يتحملها رئيس الجمهورية بالكامل.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 18 اكتوبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING