الشارع المغاربي – اللّهم عجّل بالإنقاذ...فقد انقطعت حلول الأرض/ بقلم: لطفي النجار

اللّهم عجّل بالإنقاذ…فقد انقطعت حلول الأرض/ بقلم: لطفي النجار

قسم الأخبار

27 فبراير، 2021

الشارع المغاربي: تُلْتقَطُ الحقيقة عارِية بِلا مساحيق و صادمة إلى حدّ الوجَعِ اليوم على وجوه “التوانسة” في الشوارع وفي السّاحات وفي المقاهي وحيْثُمَا ولّيت وجهك، دون حاجة إلى إفاضة في التحليل واستزادة في التأويل…في كلمات قليلة “التوانسة اليُومْ هَايْمِينْ”، لا تكاد تَلْمَح تعبيرا على قسمات الوجوه سوى الخوف والتوجّس من المستقبل بعد خيبات الرّاهن، وبعد أن انسدّ الأفق أمام أنظارهم وصار الغد في عِدَادِ المجهول.

لا تُولد الحقائق فَجْأة من العدَمِ بل تَنْشَأ وتَحْيا من رَحِمِ الوقائع والأرقام. ووقائع “تونس المحروسة” تقول على لسانِ أهلِها أنّ “الزَنْقَة وِقْفِتْ بِالهَارِبْ”. و”هَارِبُ” الحال هنا، هم “التوانسة” الذين ألْقَوْا بهم “رؤوس الحكم الثلاث” في “زَنقة حادّة” لا نفاذ ولا نجاة منها.

دَعْكَ من خطاب “كُلّنا مسؤولون” التعويمي، وَلْنتَّجِه صَوْب الحقيقة مباشَرَة قصْد توصيفها وتلخيصها في عنوان واحد يَخْتَزِلُ الرّاهن السياسي والاجتماعي والاقتصادي الوطني: عَطالة وفشل وعبث رئاسي وحكومي وبرلماني غير مسبوق. عَطالة نظام عَقِيم ومنظومة حُكْمٍ لمْ تُثْمِر منذ عَقْدٍ سوى الأزمات نَحَتَها دستور أغْلَقت فصوله كل منافذ الحلّ. وفَشَل رَسْمي مُزْمِن زائد عَبَثٍ ولَهْوٍ بمَصائر “التوانسة” عبر مُسَلْسَل “التحوير الحكومي” الذي بَلَغَت بعض حلقاته حدّ الكوميديا السوداء. يَحْدُث كلّ هذا في زمن انتشار الوباء في “تونس المحروسة” وعجز حكّامها عن إيراد الدواء، وفي زمن سقوط البلاد تحت براثن التداين حتى صارت ديون المالية العامة تعادل 100 بالمائة من الناتج المحلّي الإجمالي.

لقد طفَح الكيل فعلا، بعد أن انسدّت الآفاق في ظلّ تناطح رؤوس الحكم وصراعاتهم العابثة حول مربّعات نفوذهم ومجالات سيادتهم، وفي ظلّ غرق البرلمان في معارك دونكيشوتية لا تنتهي مع انتشار مخيف “للشعبوية” في هشيم آلام “التوانسة” وإحباطاتهم…تونس تغرق ولا مؤشّر أملٍ في الأفق، 70 مليار دينار ديون عائلاتها وأُسَرِهَا، وارتفاع معدلات البطالة فيها الى حدود الـ20 بالمائة، وإفلاسِ ثلث شركاتها ومؤسساتها الصغرى والمتوسّطة، وعجز موازنتها الحكومية لـ2021 (53 مليار دينار) المقدّر ِبـ15 مليار دينار بالتزامن مع رفض من الصندوق النقد الدولي لإقراضها المال بعد أن تمّ تخفيض تصنيف تونس 8 مرّات من قِبَلِ وكالات التصنيف العالمية…

لا رافعة اقتصادية لهذا الحكم، سوى الإفلاس والخواء بعد أن أثبت جدارته بالفشل فَلَمْ يجنِ “التوانسة” من ورائه سوى الخيبات المتتالية بسبب هُزالٍ في الكفاءة أو اكتنازٍ في الفساد ( أو كِليهما معا)، فكان الجدب وكان القحط.

لا مفرّ اليوم أمامنا، بعد أن أغْلَقوا في وجه تونس منافذ الأمل. ولا حلّ منتظر في الأفق القريب بعد لامبالاة الرئيس بمبادرة المنظّمة الشغيلة وانشغاله الخطابي المملّ بحكايات «الزقفونة» ومغامرات «بغلة العراق» وروايات ابن سلول في المدينة المنورة. لا مفرّ أمامنا بعد تهشّم الحكم وانشطاره إلى “كانتونات ثلاث”… “كلّ يغنّي على ليلاه” يُناور و”يُتَكْتك” ويُطارد أحلامه، وفي الأثناء يُطارد “التوانسة” خيوط الدخان..والأوهام !.

لقد انسدّت الآفاق فعلا، وهذا تشخيص سياسي للحال على إثر تصدّع في الحكم، وتنافر ظاهر بين رؤوسه، وفشل بيّن في كلّ مناشط الاقتصاد وتعطّل مزمن ومخيف لدواليب الدولة التي تتضاءل هيبتها يوما بعد يوم ويتقلّص سلطانها..الحال صار دقيقا جدا ومنذرا بالخطر…اللّهم عجّل بالإنقاذ…فقد انقطعت حلول الأرض…

نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 23 فيفري 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING