الشارع المغاربي – النهضويون يُبَارِكُون خَرَابَ تونس! / بقلم لطفي النجار

النهضويون يُبَارِكُون خَرَابَ تونس! / بقلم لطفي النجار

قسم الأخبار

7 مارس، 2021

الشارع المغاربي: اشتغلت أجهزة التحشيد والدعاية للحزب الحاكم لأسابيع عديدة، بعد أن أَذِن «الزعيم» في الأنصار بِالنّفِير العام ذَوْدًا عن «حَوْزَةِ» باردو  ونُصْرةً «للشرعِيةِ»، فتنادى له «رِجال» وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق !. كان «سَبْتًا» حاشدا بُحَّت خلاله حناجر جُمُوعُ النهضويين دفاعا عن «المُلْكِ الشرعي»، وهُتافا بإسم «المَلِك البرلماني»…وفي المقابل، كان أيضا «سَبْتًا» سيرياليا «للتوانسة» وهم يُتابعون  في ذهول واندهاش من خلف شاشاتهم هذا الاستعراض النهضوي العجيب…فعلا نحن في قلب الملهاة..إنّهم يُبارِكون خراب تونس !

تقول قواميس اللّغة وشرح المعاني أنّ اللّفْظ القرآني «وعلى كلّ ضامر» تعني «البعير المهزول»، فنقول مثلا أهزل القوم أي أصاب مواشيهم قحط وجدب. وحركة النهضة في سياق الحال أهزلت تونس وأصابتها قحطا وخرابا بعد عِشْرِية شكّلت خلالها عَصَب الحكم وعَمُوده الفقري أو ركِنا رَكْينًا فيه أحيانا كثيرة أو مشارِكة بالتعيين المباشر أو الاستشارة والحوار ثُمّ التوافق حول تركيبته حينا آخر. اليوم وبعد ما حلّ بأرض تونس من خراب طال الحرث والأرض والبحر والرزق والنسل حتى صارت البلاد «مرعى سوائم» الفساد و»مبيت وحوش» الإفساد (واللّفظ لابن أبي الضياف في وصف لحال تونس في  منتصف القرن 19)، يَخرُج علينا النهضويون وأنصارهم بالآلاف مُبْتَهِجين ومناصرين لشيخهم في معركة «كسْرِ عِظام» مع رئيس البلاد و كأنّهم عُمْيٌ لا يُبْصرون كلّ هذا الخراب الماثل أمام نواظر العين وتحت الأرجل.

مسيرة «مُبْتَهِجة» وسط الخراب !

سوف لن نَلِج قراءة دلالات هذا الخروج النهضوي في شارع محمد الخامس عشيّة السبت الفارط من زاوية الرسائل السياسية التي أرادت الحركة بَعْثها للداخل الوطني والخارج الإقليمي الدولي. فالرسائل واضحة حسب تقديرنا ولا تحتاج إلى طول تحليل، وهي رسالتين اثنتين: واحدة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد تُنَبّهه بأن لا «يَغْتَرّ» بشرْعِيته الانتخابية الجارفة وأنّ الحركة لازالت جماهيرية وقويّة لا تنكسر حاضرة ومنغرسة في الشارع، تنزل متى أرادت وقرّرت وهي لا تهاب تهديدا أو وعيدا، وعلى من يُريد حشرها في الزاوية أن يَتمهّل ويُعيد ترتيب حساباته. أمّا الرسالة الثانية (وهي الأهم حسب تقديرنا) فهي موجّهة إلى وراء البحار وتحديدا إلى القوى الدولية تُعلمها أنّ مواصلة الرهان على حركة النهضة مطلوب ومضمون بصفتها الحزب الأكبر والأكثر تنظيما وقدرة على التحشيد والتعبئة، وهي الحزب «الجماهيري» و»الشعبي» الأوّل، وليست استطلاعات الرأي المتواترة سوى تزويرا وتشويها للوقائع على الأرض. المهم إذن بالنسبة للحركة هو البقاء في الحكم رغم الإفلاس الاقتصادي والانسداد السياسي والأزمة الاجتماعية الخانقة.

فِعلا لا يُبْصِروا النهضويون الوقائع، ويَصُمُّون آذانهم عن الحقائق الماثلة، بل هم يُبارِكون عبر خروجهم الحافل عشية السبت الفارط هذا التردّي الخطير لحال البلاد الذي لم تعرفه تونس في تاريخها المعاصر، من خلال هَوسِهم بالمُلْكِ والحكم ليس إلّا، عبر رفع شعارات تُظهِر ما لا تُبْطن كالتحجُّجِ ب»الدفاع عن الشرعية والبرلمان»، و»دعم الديمقراطية والذود عن المؤسّسات». في الوقت الذي يعيش «التوانسة» ضنكا في الحياة لم يعرِفوه منذ أجيال عديدة، في ظلّ «شرعية» منهكة وضعيفة وبرلمان عاجز وعقيم وديمقراطية فاسدة ومؤسّسات مُفْلِسة.

لنبدأ في شرح الوقائع وتِبْيَان هَوْل الخراب من بيانين صادرين (بعد اجتماعي رئيس الدولة والحكومة بالقناصل الفاعلة في تونس ) عن مجلس الغرف المشتركة للصناعة والتجارة المتكوّن من 14 دولة تستحوذ على الحصّة الأهم في الاستثمارات في تونس، والغرفة التونسية الفرنسية الاقتصادية يُوَصّفان فيه الوضع السياسي بالمنفِّر للمستثمرين ويُنَبِّهان من خطورة تواصل «سقوط تونس في وضع ملتبس اقتصاديا وجبائيا». وقد صدر البيانان مباشرة تقريبا بعد أن خفّضت وكالة التصنيف الائتماني «موديز» ترقيم إصدار العملة الأجنبية والعملة المحلية لتونس من ب2 إلى ب3 مع الإبقاء على الآفاق سلبية نظرا إلى ضعف الحوكمة في البلاد في مواجهة تفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية وعجز السلطة في القيام بإصلاحات في الجباية وفي المؤسّسات العمومية وعدم قدرتها على التصرّف في الدين العام.

وتُشير جلّ قراءات وتحاليل خبراء المال والاقتصاد إلى أنّ إعلان الوكالة عن التخفيض المذكور وهو الثامن منذ 2011، هو بمثابة التأكيد النهائي لدى دوائر المال والأعمال الإقليميين والدوليين والجهات المانحة والمُقْرِضة الأجنبية أنّ الحكّام في تونس في عجو تام عن إيجاد الحلول نتيجة سوء تصرّف في الشأن العام وغياب الكفاءة. الشيء الذي تسبّب في اختلال التوازنات المالية وعدم القدرة على سداد الديون وسوء التصرف فيها.

لا تشذّ وكالة «موديز» عن قاعدة تِبْيان هذا الخراب الذي نعيش، إذ تؤكّد جلّ وكالات التصنيف الأخرى كوكالة «فيتش رايتينغ» ووكالة «ستاندرد آند بورز» على نفس الترقيمات السلبية مع توقّعات سلبية أيضا نظرا (وهذا مفصّل في تقاريرهما المنشورة) للصراع المحموم والخطير بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ( ومسيرة النهضة تُذْكِي هذا الصراع وتدفع به نحو المجهول)، ونظرا أيضا لغلبة المحاصصة الحزبية والتعيينات على أساس الولاء الحزبي في المواقع الاقتصادية التي تتطلّب كفاءة عالية وخبرات مشهودة، وهو ما غالت فيه النهضة وحرصت عليه منذ وصولها للحكم في 2011. وتعتبر تقارير هذه الوكالات أنّ قد تشهد (وهذا الأرجح) مزيدا من تخفيض الترقيم السيادي لتونس إلى -ج أأ1 – بِما يعني أنّ البلاد صارت مصنّفة «عالية المخاطر»، أي أنّها عاجزة فعليا وواقعيا على الإيفاء بإلتزاماتها المالية، أي  «وْبِالفلّاقي» مُفْلِسَة.

هذا هو الخراب الذي خرج له النهضويون مهلّلين مبتهجين !. وهو خراب لم تُحَبّرْه ريشة المناوئين «للشرعية»، بل بيّنته تقارير وتصنيفات وكالات دولية رسمية. إضافة إلى تقارير في الداخل نذكر منها تقرير الغرفة التونسية الفرنسية للتجارة والصناعة (صدر يوم 22 فيفري) يُشير إلى انخفاض مبيعات 57 بالمائة من المؤسسات خلال النصف الأول من شهر فيفري المنقضي، بالإضافة إلى إيقاف ثلاثة أرباع من الشركات لنشاطها خلال سنة 2020 أو التخفيض من إنتاجها، ولجوء 43 بالمائة من المؤسّسات إلى تسريح عمّالها (شمل هذا المسح 145 شركة تونسية-فرنسية). نُضيف أيضا لهذه الصورة الخطيرة والقاتمة جدا للأوضاع الراهنة بيانا آخر صدر يوم الخميس 25 فيفري لمجلس الغرف المشتركة المتكوّن من 14 غرفة تونسية وأجنبية للصناعة والتجارة بعنوان «صيحة فزع شركاء تونس» عبّر فيه أصحابه عن «الأسف لحالة عدم الاستقرار السياسي التي تُشَكّل عقبة حقيقية للاستثمار» نتيجة «غياب أي رسالة واضحة من السلطات العمومية، الكفيلة باستعادة ثقة الفاعلين الأجانب المتواجدين في تونس، قد يؤدي إلى تفاقم الصعوبات التي تواجهها البلاد».

أخيرا وليس آخرا كما يُقال، نُضيف لهذه اللّوحة المظلِمة تقرير المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي الصادر يوم الجمعة الفارط حول الأوضاع المالية والاقتصادية في تونس حيث تمّ تسجيل عجزا بيّنا في المالية العمومية قُدِّرَ  بِ11 فاصل 5 بالمائة من إجمالي الإنتاج المحلّي (بإستثناء الهبات) وارتفاعا حادّا وخطيرا في مستوى الدين العام. وأشار التقرير المذكور إلى انخفاض الإيرادات نتيجة هبوط وتراجع خطير في في الحصيلة الضريبية، مِمّا يُمْكِنُ أن يَتَسَبَب في ارتفاع الدين العام المركزي إلى قرابة 87 بالمائة من إجمالي الناتج المحلّي. هذا وقد تعرّض تقرير المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي لأوّل مرّة إلى المسألة السياسية الداخلية بشكلٍ مباشر لمّا تطرّق (وهي سابقة خطيرة) إلى سوء التصرّف وغياب الحوكمة الرشيدة في القائمين على شأن البلاد على امتداد عشرية بأكملها مرّوا خلالها على رئاسة الحكومة فيها عشر رؤساء وأكثر من 400 وزير وكاتب دولة بالتمام والكمال.

هذا هو إذن، الخراب وقد «ترَقْمَنَ» في تقارير وتصنيفات دولية بعيدا عن الإنشائيات والثرثرة، وبعيدا  أيضا عن  «ّتَرَهْدِينْ» الدفاع عن الشرعية والبرلمان…

هي عشرية من الحكم ثمّ تنصّل مفضوح من المسؤولية، والنتيجة إغراق الدولة في التداين والإفلاس ورَهْنَها عند صناديق الإقراض العالمي… وفي النهاية ويا للعجب العُجاب مسيرة «شعبية» مُسانِدة تُطالب بإدامة بقاء الحكّام ليواصلوا مسيرة «الخراب المظفّرة» !

نُشر بصحيفة “الشارع المغاربي” الصادرة يوم 2 مارس 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING