الشارع المغاربي – بيان حركة النهضة بمناسبة مرور 40 عاما على تأسيسها: عجايب وغرايب/ بقلم: أنس الشابي

بيان حركة النهضة بمناسبة مرور 40 عاما على تأسيسها: عجايب وغرايب/ بقلم: أنس الشابي

قسم الأخبار

11 يونيو، 2021

الشارع المغاربي: بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيسها نشرت حركة النهضة بيانا فضفاضا من الكلمات والجمل التي لا علاقة لها بما يعيش الوطن من أزمات وهَوَان نتيجة السياسة التي انتهجتها طوال العشر سنوات الماضية من حكمها وبيان ذلك:

1) جاء في البيان قولها إن مسيرتها تميّزت بـ: ” دفاعها عن الهوية العربية الإسلامية لتونس” والهوية لفظ ملتبس لا يحيل إلى معنى سياسي محدّد بل هو إلى المفاهيم الحضارية أقرب. فما سمّته هوية لديها نجد تفسيره في “الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي” اللذين يحكمان عقيدتها وما زالت متشبثة بهما ونجدهما منشورين على صفحتها إلى يوم الناس هذا رغم أنها ادعت في ما سُمّي المؤتمر العاشر بأنها فصلت الدعوي عن السياسي. ومما جاء في هذه الرؤية أن منهج الحركة يقوم على فهم النص الديني حدّدت له ضوابط على المنتسب اليها الالتزام بها وإلا عُدّ مارقا. فالهوية المتحدث عنها ليست في حقيقتها سوى أركان الإيمان مثلما وردت في كتب العقيدة وهو أمر يحمل في طياته تكفير المخالف وتفسيق المتردّد في مساندتها. من نتائجه التي عشناها وخبرناها رشها إماما خالفها الرأي في فهمها بعض الآيات بماء الفرق أو إحراق حارس مقر لحزب صنّفته حزبا كافرا أو استهداف رجال الأمن والجيش وصفهم بالطواغيت فضلا عن تكفير المثقفين والفنانين والسياحة وغير ذلك. فالهوية في فهم الحركة لا تخرج عن تطبيق الشريعة وإجبار الناس على الاعتقاد بما تعتقد والتسليم لها بالحكم وهو أمر نلاحظه في خط سيرها، خصوصا في العشر سنوات الأخيرة التي حكمت فيها وهي السنوات التي واجهت فيها الشعب بنخبه المستنيرة ولكنها لم تستطع تمرير أي من مفاهيمها الفاسدة أو جمع المواطنين حولها وهو ما اصطلح على تسميته بـ”الممانعة الشعبية لأخونة الدولة والمجتمع التونسيين”.

2) جاء في البيان: “ودفعت ضريبة ذلك عشرات الشهداء وآلاف المشرّدين والمساجين من مناضليها وأنصارها”. كلام عملت الحركة على ترويجه وتضخيمه قصد الحصول على التعويضات ودليلي على ذلك أن أحد قادة الحركة المسمى لطفي العمدوني المتحصل على دكتورا من جامعة الزيتونة نشر كتابا ضخما في طبعة أنيقة بمناسبة المؤتمر العاشر للحركة عنوانه “شهداء النهضة من أجل الهوية والحرية والكرامة في تونس” في 540 صفحة حشر فيه أسماء وصور الموتى الذين انتسبوا للحركة وعدّهم شهداء يتحمل النظام السابق المسؤولية في وفاتهم. واعتبر شهداء الذين توفوا نتيجة مرض السرطان الصفحات 291 و294 و351 و358 و400 و402 و407 و409 و411 و418 و434 و442 و446 و452 و455 و499 و514 كذلك الذين توفّوا بالسلّ ص291 والكبد الوبائي ص293 و423 و460 والرئتين ص413 والجلطة القلبية ص421 والسكري ص421 و462 والمالاريا الدماغية ص488 والأزمة القلبية في المغرب ص531 وآخر توفي نتيجة اصابته بأمراض كثيرة مثلما جاء في الكتاب ص260 وغيره توفي في مستشفى الرابطة قسم الأمراض الجرثومية ص212، وكذلك من توفّوا جرّاء حوادث مرور ص176 و345 و348 والغريب أن أحد هؤلاء كان جنديا توفي في حادث سيارة وانتظمت له جنازة عسكرية ص376. هناك صنف آخر من شهداء هذا الحزب الكاذب وهم الذين قتلوا أنفسهم فأحدهم رمى نفسه من أعلى سور بنزرت ص465 وآخر شرب كمية كبيرة من الأدوية ص467 وثالث شنق نفسه ص469 ورابع اختنق ص 472. ثمة أيضا نوع آخر من الشهداء أحدهم سقط من نخلة ص405 وثان سقط من مبنى عال ص 182 وثالث غرق في السودان ص493. أما الذين توفّوا في بيوتهم واعتبرهم العمدوني شهداء نتيجة القتل البطيء مثلما قال فمنهم من تقطّع له عرق في الدماغ سنة 2003 وأجريت له عملية أولى وثانية وتوفي بعد ذلك بسنتين سنة 2005 ص435 ومنهم من خرج من السجن سنة 1989 وتوفي سنة 2005 ص355 وثالث خرج من السجن سنة 1997 وتوفي سنة 2004 ص359 ورابع خرج من السجن سنة 1997 ووقع له حادث شغل سنة 2010 وتوفي سنة 2011 ص363. والغريب حقا أن أحد شهداء الحركة حسب مقاييس العمدوني تاه في الصحراء هربا من التجنيد فأكلته الذئاب ص378. هذا التضخيم في الأعداد مقصود للحصول على التعويض المادي. فعشرات الآلاف من المنتسبين للحركة تم إدماجهم في الوظيفة العمومية كما أن عددا كبيرا منهم ظهرت عليه آثار الثراء المفاجئ للكميات المهولة من الأموال التي حصلوا عليها في شكل تعويض وهو ما أحدث خللا في الموازين المالية التي تحمّل تبعاتها المواطن في شكل غلاء أسعار وتفقير مستمرين.

3) تُوهم الحركة نفسها أن نتائج انتخابات 2011 “تعكس تجذر الحركة في وجدان الشعب التونسي والمصداقية العالية التي تحظى بها لدى شرائح اجتماعيّة واسعة” والحال أن نتائج أوّل انتخابات بعد أحداث 2011 إنما كانت انتخابات عوقب فيها النظام السابق بعد الحملة الشعواء التي شُنّت عليه داخليا وخارجيا ولم تكن لها أية دلالة محدّدة لا بخصوص النهضة ولا بغيرها من الأحزاب التي اندثرت جميعها. أما النهضة فإنها لم تحافظ على الأصوات التي جمعتها. فمن بين مليون ونصف المليون صوت لم يتبق لها سوى الثلث وهم المستفيدون من التعويضات والمنافع التي حصلوا عليها من حكمها ويخشون زوالها بزواله. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى القول بأن الحركة متجذرة في وجدان الشعب التونسي كذب مصمّت وهراء لأن الحركة نبْت أجنبي في مرجعياته وفي انتماءاته الإيديولوجية وحتى التنظيمية فهي جزء من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. يقول الغنوشي: “لم تكن الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس من ثمار جامع الزيتونة بل لم يكن للجامع دور يذكر في نشأتها… كانت الحركة الإسلامية إلى حدّ كبير انعكاسا لأثر الفكر الإصلاحي في المشرق… واصطدمنا في المجتمع التقليدي بمشايخ جامع الزيتونة”(1) وهو اعتراف بأنه لا علاقة للحركة بتونس الأرض والتاريخ والجماعة وما يؤكد ذلك الغربة الكبيرة التي تعيشها حيث لا نجد لها حضورا في النخبة المثقفة وفي أي فرع من فروع الإبداع بل كل ما هناك أسماء يقتصر دورها على التبرير أو إيجاد المسوغات كالادعاء بجدّ مشترك أو بأن لها علاقة ما بصالح بن يوسف وغيرهما من الأكاذيب التي تنفيها الوقائع والدراسة، حركة النهضة نبت غريب لن يثمر في التربة التونسية وإن لوّثها فإلى حين.

4) جاء في البيان: “دعوتها مجدّدا إلى الترفّق بالتجربة الديمقراطية التونسية الوليدة…. والاستقرار السياسي” وهو كلام كان من المفروض أن تكون الحركة هي المبادرة به وتعطي المثال عليه. فالترفق بالتجربة يستلزم المحافظة على التوازنات الهشة للحكم. ففي فترة الباجي حثت الحركة الشاهد على الاستعصاء على من عيّنه بتعلة الاستقرار السياسي وفي الفترة الحالية أعادت نفس السيناريو مع المشيشي وفي كلتا الحالتين لا يعني الاستقرار السياسي لديها سوى تحقيق المزيد من المكاسب لأن المطالب بالاستقرار والصمت هو الآخر حليفا كان أو تابعا.

5) ادعت الحركة في بيانها هذا أنها تعرضت إلى: “المؤامرات المحلية والدولية التي استهدفتها على مرّ السنين” وهو أمر لا دليل لها عليه إذ يعلم الجميع أن هذه الحركة شاركت مشاركة فعلية في كل المؤامرات الدولية التي استهدفت بلدانا شقيقة وصديقة كسوريا وليبيا ومصر وأنها منخرطة انخراطا كليا في المخطط الصهيوني سواء عن طريق العلاقات المباشرة مع “أيباك” أو غير مباشرة من خلال فتح فرع للمؤسسة التي يرأسها عضو الكنيست السابق الصهيوني عزمي بشارة ولا يجب أن يغيب عن البال أن الحركة تمثل أحد أهم أضلاع الحلف التركي القطري.

إن المتأمل في حصيلة 40 سنة منذ تأسست هذه الحركة يلاحظ أنها في فترة السرية التي دامت 30 سنة وتخللتها فترات من العمل العلني حيث شاركت في الانتخابات ونشرت الجرائد وأمضت المواثيق لم تترك سوى الذكر السيء لأنها لم تقتصر على مواجهة السلطة بل تجاوزت ذلك إلى التنكيل بالمواطنين من خلال التفجيرات والاعتداءات المنظمة التي طالتهم رشا بماء الفرق واحتجازا لعميد وإحراقا لمواطنين أبرياء واندساسا في الجيش للانقلاب على الشرعية. أما في الفترة العلنية التي حكمت خلال طوال العشر سنوات الماضية فالحصيلة كارثية على الدولة التي شارفت على التفكك والمالية العمومية التي أفلست والطبقة الوسطى التي اندثرت ولم يعد لها وجود والصناعات المحلية التي انهارت بسبب إغراق السوق بالسلع التركية والمواطن الذي أصبح يقتات من المزابل في مشهد لم نعرفه منذ أن فتحنا عيوننا في دولة الاستقلال.

وآخر قولنا: “لله الأمر من قبل ومن بعد” وأهلكهم بما فعلوا ويفعلون.

الهوامش 1) من تجربة الحركة الإسلامية في تونس» دار المجتهد للنشر والتوزيع، طبعة تونس الأولى 2011، ص41 و44.

نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 8 جوان 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING