الشارع المغاربي – تفعيل الفصل 163 من القانون الانتخابي: حركة النهضة بين فكّي محكمة المحاسبات! / بقلم: معز زيود

تفعيل الفصل 163 من القانون الانتخابي: حركة النهضة بين فكّي محكمة المحاسبات! / بقلم: معز زيود

قسم الأخبار

7 أغسطس، 2021

الشارع المغاربي: بعد أيّام معدودة من إعلان القرارات الأخيرة لرئيس الجمهوريّة، توالت الدعوات إلى تفعيل ما كشفه التقرير العام لمحكمة المحاسبات من تجاوزات خطيرة تتعلّق بالتمويل المشبوه وغيرها من الجرائم الانتخابيّة. وهو ما يُشكّل مطلبًا من شأنه أن ينسف منظومة انتخابات 2019 برمّتها..

في فورة الانتشاء بقرارات الرئيس قيس سعيّد، ولاسيّما بعد تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوّابه، باتت أولويّة الأولويّات لدى الكثير من التونسيّين تتمحور حول ضرورة المسارعة بمحاسبة كافّة من يثبت ضلوعهم في الفساد. هذه المحاسبة المشتهاة لم تتوقّف عند المطالبة بالتحقيق الجدّي والسريع مع من يُشتبه في أنّ أيدهم قد طالت المال العام، وإنّما تمتدّ أيضا إلى مقاضاة من كشفت محكمة المحاسبات منذ ما يقارب العام عن مسؤوليتهم في التلاعب بخيارات الناخبين التونسيّين خلال الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة السابقة.

وهنا ينبغي التذكير بأنّ القانون الانتخابي، ينصّ في الفصل 163 منه على أنّه «إذا ثبت لمحكمة المحاسبات أنّ المترشّح أو القائمة قد تحصّلت على تمويل أجنبي لحملتها الانتخابيّة، فإنّها تحكم بإلزامها بخطيّة ماليّة تتراوح بين 10 أضعاف و50 ضعفا لمقدار قيمة التمويل الأجنبي». كما يُشدّد الفصل ذاته على أن «يفقد أعضاء القائمة المتمتّعة بالتمويل الأجنبي عضويّتهم بالمجلس المُنتَخَب ويعاقب المترشّح لرئاسة الجمهورية المتمتّع بالتمويل الأجنبي بالسجن لمدّة خمس سنوات. ويُحرم كلّ من تمّت إدانته بالحصول على تمويل أجنبي لحملته الانتخابيّة من أعضاء قائمات أو مترشحين من الترشّح في الانتخابات لمدّة خمس سنوات من تاريخ صدور الحكم بالإدانة».

دواعي التفعيل

وبالنظر إلى اعتبارات قانونيّة وسياسيّة تتعلّق بموازين القوى خلال الفترة المقبلة، تنادى المحتفون بتجميد نشاط مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن أعضائه إلى ضرورة الإسراع بالبتّ في الملّفات القضائيّة التي أعدّتها محكمة المحاسبات، ولاسيما بالنظر إلى أنّ القانون الانتخابي ينصّ بوضوح على سقوط الجرائم الانتخابيّة بالتقادم بعد انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ إعلان النتائج النهائيّة للانتخابات التي مرّ اليوم على تنظيمها قرابة عامين، فضلا عن أنّ الفصل 80 من الدستور يُحدّد فترة تطبيق التدابير الاستثنائيّة بثلاثين يوما قابلة للتمديد المشروط…

تمثل أمام ناظرينا إذن إشكاليّة التداخل بين ما هو قضائي وما هو سياسي. فلا معنى لقرارات قيس سعيّد الأخيرة من دون المسارعة بتفعيلها في كافّة المجالات. والحال أنّ تطبيق القانون على كلّ من عبثوا بالقانون الانتخابي وبإرادة الناخبين تبدو القضيّة الأكثر حساسيّة.

وهنا من الضرورة بمكان العودة إلى بعض تفاصيل التقرير العام لمحكمة المحاسبات الصادر في بداية شهر نوفمبر 2020. فقد أحصت المحكمة كمّا هائلا من التجاوزات تراوحت بعضها بين غياب الشفافيّة على مستوى الأموال المرصودة للحملات الدعائيّة، سواء المتعلّقة بالتظاهرات الانتخابيّة الميدانيّة أو على شبكات الميديا الاجتماعيّة أو التخلّف عن تقديم الحسابات الماليّة وتقديم حسابات مغلوطة، وبين عدم إيداع موارد ماليّة في الحسابات البنكيّة وتلقّي أموال مشبوهة في شكل تبرّعات من ذوات طبيعيّة أو معنويّة مثل الجمعيّات الخيريّة، كما هو الحال خصوصا بالنسبة إلى جمعيّة «خليل تونس» أو «عيش تونسي». وهو ما «يخفي انطلاق حملته الانتخابيّة (المقصود هنا المرشح نبيل القروي) قبل الفترة المحدّدة قانونا للغرض وقيام الجمعيّة بالترويج بصفة غير مباشرة للمترشح»، وفق تقرير محكمة المحاسبات…

ومع ذلك يبقى في مقدّمة ما ورد في التقرير من جرائم انتخابيّة ما كشفته المحكمة بشأن شبهات التمويل الأجنبي لبعض الأحزاب والمرشّحين للانتخابات الرئاسيّة، وعلى رأس هؤلاء المرشح للانتخابات الرئاسيّة الأخيرة نبيل القروي وحركة النهضة وقائمات «عيش تونسي»، وخاصّة ما يتعلّق بالتعاقد مع شركات أجنبيّة للتسويق السياسي و»اللوبيينغ». وعلى سبيل الذكر أفاد تقرير محكمة المحاسبات أنّ نبيل القروي تعاقد مع شركة ضغط أجنبيّة بقيمة ماليّة تناهز 2 مليون و850 ألف دينار بهدف كسب التأييد المتزامن مع الفترة الانتخابيّة، مشيرة إلى أنّه تمّ تحويل جزء من قيمة العقد بمبلغ 427 ألف دينار بتاريخ 23 سبتمبر 2019 من حساب بنكي غير مصرّح به لدى البنك المركزي التونسي ويعود إلى زوجة القروي التي تقود حملته الانتخابيّة. ووفق التقرير، فقد «أفرزت الأعمال الرقابيّة أنّ المبلغ الذي تمّ تحويله لفائدة الشركة الأجنبيّة لم يكن مصدره تونسيّا». وهو ما قد يُنبئ بوجود تمويل أجنبي من أجل التأثير في خيارات الناخبين التونسيّين.

ووفق ما بلغنا، فإنّ محكمة المحاسبات كانت قد أعدّت، قبل فترة من إعلان القرارات الأخيرة لرئيس الجمهوريّة، مذكرات إحالة تخصّ ما شاب الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة السابقة من تجاوزات وجرائم انتخابيّة أتاها عدد من الأحزاب والقائمات الانتخابيّة والمرشحين للانتخابات الرئاسيّة. وإعمالا لمقتضيات الفصل 163 من القانون الانتخابي، قامت محكمة المحاسبات بإحالة ملفات تلك القضايا الجزائيّة إلى القضاء العدلي والمالي.

وكان الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس محسن الدالي قد كشف، خلال الأسبوع المنقضي، عن فتح بحث للتحقيق في تلقّي أحزاب سياسيّة تمويلات أجنبيّة خلال انتخابات 2019. ومن جهته صرّح النائب منجي الرحوي أنّ القائمات الانتخابيّة المهدّدة بالسقوط جرّاء حصولها على تمويلات أجنبية خلال حملتها الانتخابية تشمل 91 نائبا، معتبرا أنّ ذلك «سيُفضي مباشرة إلى حلّ البرلمان من وجهة النظر السياسية». كما ذهب الرحوي إلى أنّ التحقيق سيشمل حركة النهضة وحزب قلب تونس وجمعية «عيش تونسي».

والمؤكّد أنّ هذا التوجّه الساعي إلى الاستفادة قدر الإمكان من قرارات قيس سعيّد قصد القطع مع عودة حركة النهضة إلى الهيمنة على الحكم ومؤسّسات الدولة المرتبطة به ليس مجرّد ظاهرة «فيسبوكيّة» ولا يقف عند عدد من النوّاب المعادين لحركة النهضة من أمثال منجي الرحوي. فهو يشمل أيضا مجموعات أخرى تجتمع على ضرورة اقتناص هذه الفرصة التاريخيّة لوضع حدّ للنزيف الذي ما انفكّت تكابده البلاد في ظلّ هيمنة حركة النهضة على المشهد البرلماني والحكومي والسياسي عموما، وذلك بمساندة حلفاء مؤقّتين وعابرين في كلّ مرحلة من المراحل التي خاضتها البلاد خلال العشريّة الأخيرة. ونذكر في هذا الصدد مثلا المجموعة التي أطلقت على نفسها اسم «المبادرون من أجل الخلاص الوطني»، التي وصفت قرارات رئيس الجمهوريّة، في بيانها التأسيسي» بأنّها تُعدّ «الخطوة الأولى في اتجاه ما تتطلبه عمليّة الإنقاذ المتمثلة بالأساس في إنهاء هيمنة الإسلام السياسي واجتثاث كل العناصر الماديّة والبشريّة التي مكّنته من التحكّم في مفاصل الدولة باعتباره الطرف السياسي المعطّل لسيرورة الانتقال الديمقراطي والسائر بالبلاد نحو الخراب والتبعية لقوى الظلامية والتخلف». وتضمّ هذه المبادرة شخصيّات معروفة تنشط في المجتمع المدني وفي الحقلين السياسيّ والفكري أمثال: حمّادي بن جاب الله والمنصف قوجة وعبد العزيز المزوغي ورفيق بوجداريّة وغيرهم…

غموض البدائل…

في كلّ الأحوال من الضروري أن يجري تفعيل قرارات محكمة المحاسبات بعد أنّ تمّت إحالتها، لا من باب الرغبة في التشفّي أو الانتقام أو لخدمة أجندة سياسيّة معيّنة، وإنّما إيمانًا بأنّه لا مجال لإصلاح أوضاع البلاد في حال تواصلت كارثة الإفلات من العقاب واستمرّ التنصّل من إلزاميّة تطبيق القانون على الجميع وعلى حدّ السواء.

يطرح ذلك في الواقع مأزقا حقيقيّا على علاقة بسرديات الإقصاء والتعويل على رئيس الجمهوريّة في التخلّص من اكبر خصم سياسي، إذ يسود بعض القوى الديمقراطيّة والحداثيّة تصوّر بأنّ أيّة انتخابات مبكّرة قد تؤدّي إلى عودة ظافرة لجماعة الإسلام السياسي مهما كانت التسميّات والألوان التي قد تتّخذها لنفسها. كما ترى أنّ التصدّي لإرهاصات الحكم الفردي غالبا ما يستفيد منها أعداء الديمقراطيّة أنفسهم، ممّن لا يرون في الانتخابات سوى آليّة للوصول إلى الحكم وإغراق كلّ مؤسّسات الدولة بأنصارهم والإمعان في سياسة الغنيمة التي أنهكت مقدّرات البلاد وأوصلتها إلى حافّة الإفلاس…

هذه المعضلة تجد مشروعيّة طرحها اليوم بعد أن أظهرت الأحداث الأخيرة أنّه لا معنى لاستقالة بعض قيادات حركة النهضة من حزبهم ولا حقيقة لاستقلاليّتهم. فقد ثبت عجز هؤلاء عن استيعاب أنّ الديمقراطيّة لا معنى لها في غياب قيم «العقلانيّة» و»الفردانيّة» بالمعنيَيْن الفلسفي والسوسيولوجي، وأنّ سياسة المغالبة والغنيمة و»الغاية تبرّر الوسيلة» ومحاولة اختراق كلّ المؤسّسات التي دأبت حركة النهضة على اعتمادها خلال العشرية الأخيرة قد أسهمت بالنصيب الأوفر في تدمير الانتقال الديمقراطي.

هكذا إذن شكّل تكرار الرئيس قيس سعيّد تأكيد عزمه، خلال الأيّام الأخيرة، على تطبيق القانون ضدّ الجميع والتصدّي لشبكات الفساد والإفساد، حافزا للكثيرين للمطالبة بتفعيل الفصل 163 من القانون الانتخابي. فمن شأن احتمال تثبيت القضاء شبهات الجرائم الانتخابيّة المذكورة في تقرير محكمة المحاسبات أن يُخلط كلّ الأوراق. ومع أنّه من الصعوبة استباق الأحداث، في ظلّ غموض آليات تطبيق تلك المخرجات القضائيّة، فإنّ تمديد التدابير الاستثنائيّة سيصبح عندها مجرّد ورقة سياسيّة مؤقّتة لدى رئيس الدولة. يعني ذلك تراجع فرص استعادة حركة النهضة وأتباعها الهيمنة على دواليب الدولة، مقابل تزايد محاذير تواصل انحراف المسار «الديمقراطي». وهو ما قد يؤدّي بالخصوص إلى تغيير أولويّاتها مرحليّا للبحث، داخليّا وخارجيّا، عن شرعيّة جديدة للتموقع السياسي، في ظلّ استمرار العجز عن استخلاص الدروس والعبر…

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 3 اوت 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING