الشارع المغاربي – جيل الخراب وحتمية انهيار الدولة/ بقلم: خالد عبيد

جيل الخراب وحتمية انهيار الدولة/ بقلم: خالد عبيد

قسم الأخبار

1 ديسمبر، 2020

الشارع المغاربي: قناعتنا أنّ هذا النظام السياسي لِمَا بعد 2011 قد انْتهى، هو الآن في مرْحلة الموْت السَريري، ينْتظر من يُشفق عليه ويُطلق “رصاصة الرحمة”، لقد تعالت الأصوات هذه الأيّام تنبّه إلى خطرِ ما هو آتٍ، لكن اعتقادنا أنّها استفاقة متأخّرة جدّا، فلقد سبق السيْف العَذل، وتونس مُقْدِمة على إعْصار حقيقي سبق أن حذّرنا منه في افتتاحية سابقة، لكن كَمَنْ أسْمَعْتَ مَيّتًا! تونس تُسَاق الآن إلى قَدَرِهَا المَحْتوم، إلى ما سَمّيْناه سابقا بـ: “فوْضى الجُيّاع والعِصَابات”، لن يكون ما يَخْتمِر حاليا “ثوْرةً” بأيّ حال من الأحوال كما يتوهّم البعض، ولن تَحُولَ “حوارات” الوقت الضائع التي يدعو إليها البعض دون أن يقع المَحْظور، وواهمٌ من يعتقد عكس ذلك، ومتنطّعٌ أكثر من يُكَابر ويذهب في هذا الطريق..المسدود.

الخطيئةُ كانت في البدْء، عندما “توهّم” البعض عن قصْد وعن غير قصد بأنّ إنهاء النظام الرئاسي في تونس وتعويضه بنظام برلماني بات مجْلسيا في الواقع، سيَحُول دون عودة ما أسموه “الاستبداد”، وذهبوا أكثر إلى تشتيت الحكم في ثلاثة أضلاع ستتنازع في ما بينها حتْما، و”تهوّروا” أكثر عندما شرّعوا لإنهاء الدولة المركزية، وهم يَجْنُون الآن كلّ ما صنعوه وقتها بأيديهم، وذلك، لأنّ الوهْم بإنْهاء النظام الرئاسي والدولة المركزية، إنّما هو إيذان بنهاية دولة ووطن وشعب، وما يحدث الآن، إنّما هو إرْهَاصات لِمَا هو آتٍ حتْما في هذه النهاية المأساوية إنْ لم يقع تلقف الأمر.

 ومن الواضح جليّا أنّ البعض منهم تصرّف من موقع الجهل بالأمر، بينما البعض الآخر متعمّدا لأنّه اعتقد واهِمًا، وما زال إلى الآن، أنّ هدم البناء هو السبيل لإرْسَاء مشروعه، لذا سُوِّدَت فترة هذا البناء.

لكن هل تمّ الاكتفاء بذلك؟ الجواب هو لا! إذْ تمّ “تفْخِيخ” الدستور الذي أقاموه، فلا يمكن لأيّ كان أن يَدْعُوَ إلى اسْتفتاء لِتعْديل المسار، وهو أمر، أيْ التعديل، شبه مستحيل إن لم نقل مستحيلا على ضوء الواقع الحالي، وهذا يعني بكلّ الوضوح الممكن، أنّنا في مأزق دستوري حقيقي تنعدم فيه أيّة إمكانية لإصلاح الاعْوِجَاج، وحتّى إن كانت هناك نيّة لذلك، فَسَتَصْطَدِم حتْمًا بكلّ العراقيل التي لا يمكن حتى تخيّلها، وبالتالي، تُجهض في المهْد.

نحْن حاليا نعيش فعْلاً على وقْع ثنائية: تونس الوهْم والتشبّث بأهداب الشرعية والدستور.. وتونس الواقع الميداني وعلى الأرض التي تَتَضَوّر جُوعًا وحِرْمانًا، ولم تعد تثق بتاتا في عموم السياسيين، جرّاء الإحْباط الكبير الذي أصابها بعد أن أشْبَعُوها وُعُودًا تبيّن لها أنّها كاذبة، لذلك، هي لا يَهُمّها أصْلاً سَرْدية: “أحسن دستور في العالم” أو “الشعب الذي تباركه الأمم وتصفّق له إجْلالا وتقف إكْبارًا”، ولا يهمّها أكثر هذا الدستور وهذا البرلمان وهذه السلطة وهذه الدولة أصلا وهذا الوطن وهذا العَلَم، ومن هنا يبدأ التفكّك الذي شَرّعَ له الدستور الحالي عن عدم رَوِيَّةٍ.

إنّها القطيعة الحقيقية بين “تونس الرسمية” و”تونس الحقيقية”!

نحن نعيش على وقْع إفْلاَسٍ باتَ وشِيكًا للدوْلة، وعلى وقْعِ انْهيار اقتصادي غير مَسْبوق، بينما يُكَابِر غيْرنا في التَعِلاّت الواهِية والتجاذبات المُضْحكة المُبِكية، وذلك، لأنّه لم يتسنّ له أن يستوعب ما يُعْتَمل حقيقةً على الأرض من مواكب المتضوّرين جوعا وازدياد المُفَقرين و”بُرُوفَات” العصابات التي تتزايد يوما بعد يوم و”تتنظّم” اسْتعْدادًا لليوْم الموْعود في مُخَيَّلَتِها.

ما الذي سيحدث فعلا إذن إن تواصل الحال على ما هو عليه؟

اعتقادنا أنّنا على وقْع طُوفَانٍ قَادِمٍ منذ مدّة على مَهَلٍ سيَجْرِف معه حتْمًا، إنّه طوفان الفوضى التي نراها قريبة جدّا منذ مدّة، إنّنا مقبلون على “زِلْزال ” حقيقي تجلّياته انتفاض المُجَوَّعِين والمُفَقَّرِين وعَرْبَدَة العصابات وانفلات الأمور من يد السلطة التي اهْتَرأت كثيرا جرّاء اسْتنزاف “أفضل” نظام سياسي لها، يَعْقبه أو يَسْبقه، انهيار اقتصادي ومالي، أو بالأحْرى، إنّها فوْضى حقيقية بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ينتج عنها انْهيار مؤسّسات الدوْلة “المُتَداعية” و”المُنْهَكَة”، لا قدّر الله، وستتواصل هذه الفوضى لمدّة معيّنة،  ويُصْبح الأمر واضحا للجميع أنّه إذا كنّا في 2011 شهدنا سقوط نظام واستمرار الدولة، فإنّنا في 2021، سنشهد، لا قدّر الله، انْهيار النظام والدولة والوطن معا..وننتقل إثرها إلى مرحلة ما أسميتها سابقا بـ”النَوْمَدة” أو صُومَال ثانية، لا قدّر الله.

إنّه الخراب الذي سبق أن حذّرنا منه أكثر من مرّة!

وهنا بالذات، اعتقادنا أيضا أنّ هذه الحالة لن تستمرّ طويلا، وكلّ ما نرجوه أن تكون بأخفّ الأضرار، وما هو ثابتٌ لدينا أنّ هذه الحالة سَتُنْهِي نهائيًا هذا النظام السياسي الحالي وتجْرف معها كلّ من سيقع تحميله المسؤولية، تماما مثلما حدث سنة 2011! لكن كيف؟ نترك الإجابة لقادم الأيّام! وإن كانت السيناريوهات المحتملة لا تغيب عن أذهاننا!

أخيرًا وليْس بآخرٍ، نكرّر ما كتبناه سابقا:”من الخراب يولد الأمل بالألم!”، وأملنا أن يكون الألم سطْحيًا، حتى يتسنّى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والشروع في عملية الإصلاح الجذري بعيدا عن كلّ ما شاب تونس خلال هذه العشرية، التي نعتقد شبه جازمين أنّها ستُطْوى وإلى الأبد،  وتبقى مجرّد فاصلٍ مُؤلمٍ من فواصل تاريخنا، ستُحاسبنا عليه الأجيال القادمة حسابًا عسيرًا، وسيُحاكمنا التاريخ بقسْوةٍ على تفريطنا في بلدنا وسيادتنا وتخريبه بأيدينا وسنُنْعت بـ”جيل الخراب”، وهي تسْمية نسْتحقها للأسف الشديد، وإنْ بتفاوت!

وأَخيرًا، كلّنا أمل أن يكون ما تقدّم ذكره هنا مجرّد كَابُوس مُخِيف، نستفيق إثره على وقع رجّة الوعي الحقيقي هذه المرّة وليس المزيّف الذي لازمنا طيلة هذه العشرية، إِنْ بقي لدينا الوقت طبْعًا!

افتتاحية اسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ اليوم الثلاثاء 1 ديسمبر 2020


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING